أهل السياسة الذين ارتضوا الهمّ، فوجئوا بخطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ليذكّرهم بأن الهمّ لم يرضَ بهم. تخلخلت حقائبهم الموعودة في الحكومة العتيدة واكفهرّت الرؤية في آفاق طموحاتهم بتسوية تترك لهم المقاعد مقابل الرضوح لوصاية الولي الفقيه.
في انتظار اعلان الرئيس المكلف سعد الحريري موقفه غداً، يشير المشهد الى ان الصامتين وكأن على روؤسهم الطير، لا يختلفون عن المعترضين الذين يأخذون الاعتراض الى تسوّل إنقاذ الوضع الاقتصادي المنزلق الى مزيد من الانهيار، او الى جرح مشاعر مَن تناولهم الخطاب ومسح بهم الأرض، وكأنهم يلتمسون الرأفة والأسباب التخفيفية لجرائمهم في حق الحزب الإلهي. الأخطر هو انهم يُقرّون بمصادرة إيران قرار لبنان وسيادتهم مقابل السماح لهم بالحد الأدنى الذي ارتضوه في التسوية المشؤومة. ويشعرون بالحرج إن هم تراجعوا عن هذا الحد الأدنى الى مزيد من الاستسلام.
لم نسمع من الأطراف السياسيين صرخة توازي صفعهم كلّهم بالاسم الثلاثي وبالصفة وبمكان الإقامة السياسي والديني، بأن لا خيار لهم الا ان يوقّعوا وثيقة استسلامهم، تماماً كما وقّع الالمان للجنرال فوش وثيقة الاستسلام غداة الحرب العالمية الأولى.
فقد سمعنا من النائب ألان عون ان ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” يخيف، وذلك رداً على سؤال مُحاوِرته عن رأيه في خطاب السيد حسن نصر الله، متداركاً ان السيد يخيف حتى لو لم يقل شيئاً، موضحاً ان جدية “الحزب” وامينه العام تدفع الى هذا الخوف، ومشيرا الى ان فائض السلاح يخيف إسرائيل خارجياً ويخيف اللبنانيين داخلياً، لكن “الحزب” هو من نسيج الحياة السياسية في لبنان وله الحق في ما يقوم به أسوة بالآخرين.
عملية التجميل هذه لا تمحو السبب الحقيقي لخوف العونيين وغيرهم. ليست الجدية هي السبب بالتأكيد، لكن الاغتيالات بالجملة والمفرّق و7 أيار المجيد والقمصان السود و… كل ما يقوله التاريخ القريب الذي أعقب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، او حتى سبقها وصولاً الى الجريمة. هذا ما يخيف.
تحصيل حاصل أن يقدر الوضع بدقته من حصد مفاعيل تنفيذ “حزب الله” وعوده لحلفائه في الداخل والخارج، بحيث تصبح أزمات تشكيل الحكومات ما بعد 2005 لحل عقد توزير الصهر وحصول “تياره” على الحقائب التي يضع عينه عليها، رحلة استجمام قياساً بالأثمان الدموية المدفوعة التي لا شيء يمنع تجدد مواسمها، وكذلك انتخابات الرئاسة التي بقيت مشلولة حتى كان ما يريده المحور الايراني.
بخطابٍ، أو من دون خطاب، يعرف الطرف المعترض ان لا بديل من الإصرار على وصول الحليف الموعود. وإلا الفراغ حتى قيام الساعة.
لا شيء تغيّر. لم يأت الخطاب بمفاجأة. او لعل المفاجأة هي في ذهول المتفاجئين بها. الامر ان الحزب الإلهي ذكّرهم بأنه ممنوع عليهم مخالفة ارادته.
نهرهم وعيّرهم وهدّدهم بقوله: رايحين على حكومة انقاذ او حكومة نهب جديدة في البلد. في بقلبي حكي كثير ما تخلّوني احكيه.
أفهمهم باللهجة المحكية ان عليهم ان يرضخوا ويلتزموا ارادته وينهبوا ما شاؤوا، وهو لن يخرج ما في قلبه.
الخوف الحقيقي ليس في ما قاله السيد، فهو لا يزال كما كان. لم يقم بأي انقلاب ولم يغيّر قيد انملة أسلوبه وطريقه في اخذ البلاد الى سيطرة كاملة لمحور وليّه الفقيه، وبكل الفخر والتعالي والاحتقار لمن حوله.
الخوف الحقيقي في ما بعد الأمر الحازم الصارم بالانصياع. في مواقف الاطراف السياسيين الذين شربوا بالملعقة الأوامر القاضية بالالتزام الاعمى لكل ما يريده المحور المصادر سيادة لبنان وقراره.
الرهان الضعيف يبقى على استعداد هذه الكتل القوية للمواجهة بغير الاستنكار والتوسل والتسول، وصولاً الى ترك الجمل بما حمل، رفضاً للاستمرار شهود زور على موت الجمهورية وعلى الاحتلال الإيراني لبنان بذراع حزبه الذي لا يحتاج “سُنَّة 8 آذار” ليفعل ما يريد من دون رادع او وازع.
حبذا لو ينقلب أصحاب التسوية على تسويتهم، لينزعوا عن الحزب الغطاء الذي يوفرونه له اقليمياً ودولياً، فيستلم ما يسيطر عليه ويواجه العالم ويحكم ويشرّع الحشيشة والكبتاغون لأغراض طبية.
الانقلاب مطلوب من الخائفين. فالبعبع لم ينقلب على أحد. وليس مطلوباً التذرع بالحالة الاقتصادية، فهي ليست الا النتيجة الحتمية لتسليم البلاد الى هذا المحور الرافض في الأصل قيام دولة في لبنان.
يكفي ان ينظر الخائفون حولهم ليتبينوا ان الخراب والموت هما مصير الدول التي تسلم مقاليدها للمحور وأذرعه، من العراق الى اليمن الى سوريا، ولبنان على السكة ذاتها.
لا خلاص الا باقتناع الخائفين ان لا خيار لهم الا الانقلاب على التسوية، ليس فقط انقاذاً لماء الوجه بعد الخطاب المهين، لكن حفاظاً على فتات الدولة في لبنان.
sanaa.aljack@gmail.com