كثيرًا ما يتساءل المرء حول الجدوى المرتجاة من الكتابة باللغة العربية. والتساؤل لا يطفو على سطح الذهن بسبب ضمور عدد القراء، بل يدفع بنفسه إلى مقدّمة التساؤلات إثر ما يشاهده المرء من أحوال، وربّما الأصحّ أن يُقال أهوال، اجتاحت أصقاع هذه الأمّة من. مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها، فلا يكاد صقع منها يخلو من نوائب حلّت به.
كما إنّ الكاتب العربيّ الذي لا زال يصرّ على الكتابة بلغته العربية يكتشف في أحايين كثيرة أنّ هذه الكتابة مُقيّدة بأصفاد لا تُعدّ ولا تُحصى، وأشدّ هذه الأصفاد تضييقًا على ذهن العربيّ الباحث عن الحقيقة هو تلك المحرّمات الدينية، السياسية والاجتماعية التي شلّت أيدي وأرجل العربي في أوطانه فلا يستطيع منها فكاكًا فيزداد في أصفادها حيرة وارتباكًا.
فيما مضى من زمان كان العربيّ إذا رغب في معرفة بعض الحقيقة عن مجريات أحداث في الأقطار العربية يجنح إلى الاستماع إلى التقارير القادمة من هيئة الإذاعة البريطانية. والسبب في ذلك هو أن وسائل الإعلام العربية هي لسان حال السلاطين الذي لا يتعب من التهليل لأولياء نعمته من الحكّام المستبدّين، جاعلًا من هزائمهم المتكرّرة انتصارات.
ورغم كلّ هذه العقود الخوالي، ورغم كلّ المستجدّات والاختراعات التي فتحت. أبواب العالم لم يتغيّر شيء في عالم المعرفة لدى العربي الباحث عن حقائق أحواله في بلاده. فالعربيّ الذي يبحث عن الحقيقة يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه، إذ يتّضح له مرّة أخرى أنّ الحقائق حول مجريات ما يجري في أوطانه تأتي من وسائل إعلام غير عربية، فمرّة يجدها في «وول ستريت جورنال»، ومرّة في «نيويورك تايمز» ومرّة في «واشنطن بوست» إلخ.
إذا وضعنا جانبًا وسائل التواصل الاجتماعية، فإنّ هذه الحقيقة الإعلامية تعني شيئًا واحدًا. إنّها تعني أنّ الإعلام العربي على كافّة أنواعه لم يخرج هو الآخر من الذهنية القبلية، السياسية، الاجتماعية والدينية. إنّها تعني أنّ هذا الإعلام لا يفهم الدور المنوط به. إذ إنّ وظيفة الصحافة على كافّة أنواعها ليست التطبيل والتزمير للحاكم، بل وظيفتها كشف الحقائق أمام الرأي العام، والإشارة إلى مواضع الخلل في سلوكيات النّظام بغية تقويم الإعوجاج. إذ بدون ذلك لا يمكن أن يتغيّر شيء، ولا يمكن أن تسير المجتمعات قدمًا.
والسؤال الذي يطفو على السطح، إذا كانت هذه هي الحال فما الجدوى من الكتابة بالعربية، إذًا؟ والإجابة على ذلك ليست بالأمر السهل. لا يسعني سوى القول إنّه من صنوف الأحلام، وقد يقول قائل – الأوهام، التي تُضفي على الحياة على هذه الأرض ما يليق بمواصلة الطريق.
إنّ الوظيفة الملقاة على عاتق الإعلام العربي هي أن يكون وفيًّا للمواطن العربي وليس للحاكم العربي. إنّ هذا الوفاء للمواطن العربي هو أفضل أنواع الجهاد، وذلك سيرًا على هدي الحديث النبوي: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر».
أليس كذلك؟
*
الحياة، 27 أكتوبر 2018