بيروت – انديرا مطر
منذ لحظة تكليف رئيس الوزراء سعد الحريري تشكيل الحكومة، يدور اللبنانيون في دوامة الأخبار نفسها: تعثر حكومي، تنازع على الحصص والحقائب، تبادل الاتهامات بالعرقلة.. يترافق ذلك كله مع تحذيرات تصدر من أعلى المرجعيات من خطورة الاوضاع الاقتصادية التي تستوجب الإسراع في تشكيل الحكومة منعا للانهيار، من دون تقديم أي من الفرقاء تنازلات جدية تسهم في تحقيق هذا الامر.
«حالة الطوارئ» السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد استدعت من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل «جلسة مصارحة» خاصة، دعا إليها بعض ممثلي وسائل الاعلام العربية لكي يكونوا على بينة من حقيقة الاوضاع، و«لأن الكتائب اعتادت على مصارحة اللبنانيين وتحذيرهم حيث يجب».
عن مسارين متصلين تحدث الجميل مفصلا كل واحد منهما: سياسي واقتصادي.
واذا كانت السياسة وجهة نظر تحتمل معارضة الكتائب في مواقفها، فإن المكاشفة الاقتصادية، مدعّمة بالأرقام التي آثر الجميل الاحتفاظ بها حتى جلسة الاثنين المقبل النيابية، يصعب تأويلها او معارضتها.
في المحصلة، الصورة التي رسمها الجميل قاتمة بقدر ما هي واقعية وتحاكي نبض الشارع، مشبهاً وضع لبنان بطائرة تهوي، وفي مسارها الانحداري يفقد القبطان السيطرة ويعجز عن ايقافها او وارجاعها الى الوراء.
استسلام لحزب الله
استرجع الجميل المسار السياسي الممتد من 2005 لحظة انتفاضة الاستقلال عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وصولاً إلى يومنا الراهن، متوقفاً عند مفصل سياسي أساسي في تاريخ لبنان تمثل بانتخاب العماد ميشال عون، حليف فريق 8 آذار رئيسا للجمهورية، بنتيجة تسوية سياسية أفضت وفق الجميل إلى استسلام افرقاء من 14 اذار لإرادة حزب الله. من هذه المحطة، بدأ اختلال التوازن في مؤسسات الدولة لمصلحة حزب الله وحلفائه. بعدما كان عنوان المرحلة السابقة «المواجهة والصمود» في وجه محاولات حزب الله رغم تتالي عمليات الاغتيال، وآخرها اغتيال الوزير محمد شطح في 2013.
وصول عون الى الرئاسة استتبع بتشكيل حكومة أتت بـ 17 وزيرا من أصل 30 لحزب الله وحلفائه، في حين كان هذا الفريق ممثلاً في الحكومة السابقة بـ12 وزيرا فقط.
وتوجت سيطرة حزب الله على مؤسسات الدولة بإقرار قانون انتخاب يعتمد النسبية تبناه بداية حزب الله، ولحقته القوات اللبنانية والمستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وأتى بأكثرية نيابية لحزب الله. فاكتملت سيطرته على البلد.
أما عن البديل الذي لم يكن متوافرا لانتشال لبنان من الفراغ الرئاسي آنذاك، فيقول الجميل «إننا نعيش اليوم فراغا أسوأ من السابق»، يضاف اليه فقدان لبنان المظلة العربية التي كانت تحميه بسبب موقعه الاستراتيجي الحالي.
ويتوقف الجميل عند مواقف تصدر من سياسيين تمس بعلاقات لبنان بمحيطه العربي، وكأن ثمة قراراً بفصل لبنان عن محيطه وعن حلفائه التاريخيين ممن كانت لهم أياد بيضاء ومواقف داعمة له في أزماته وحروبه المتناسلة، ولاسيما في حرب 2006.
ويشدد الجميل على أن «الكتائب» لا يريد للبنان أن يكون جزءاً من صراع اقليمي، ولكنه يعارض أن يصبح منصة للتهجم على دول أخرى لاسيما اذا كانت مفضلة على لبنان. وينوه بان الدول العربية الصديقة تعرف ان في لبنان أحزاباً وقوىً لم تساوم ولم تستسلم لحزب الله.
الانهيار حتمي؟
لا ينفصل المسار الاقتصادي عن السياسي، وانما هو نتيجة حتمية له. يتجنب الجميل المصطلحات السوداوية منعاً لاتهامه بالتهويل. غير ان ما في جعبته من أرقام لا يطمئن. وكل ما ينقل من تطمينات على هذا المستوى لا يعدو كونه «دفن الرأس في الرمال».
برأيه أن لبنان لم يشهد في تاريخه أزمة اقتصادية كالتي يمر بها حالياً. وسط انشغال الأحزاب والتيارات بتنازع الحصص متناسين أن الهيكل سوف يهوي على رؤوس الجميع «بما لا يبقي اي حصة لأحد».
يتحفظ الجميل على تحديد قيمة العجز لسنة 2018، واعدا بأنه سيكشف كل شيء بالأرقام في الجلسة النيابية الاثنين المقبل.
غير ان مقارنة سريعة بين موازنتي 2017 و2018 توضح حجم العجز الذي تجاوز الـ6 مليارات بالرغم من عدم تضمين موازنة 2018 -التي أعدت على عجل تلبية لمؤتمر “سيدر”- عجز مؤسسة الكهرباء الذي يبلغ 1.4 مليار، وبالرغم من تأجيل دفعات مستحقة في 2018 الى 2019.
أين تكمن الحلول؟
يناشد الجميل الدولة اللبنانية اعلان حالة طوارئ اقتصادية. مستعرضاً عدة مقترحات منها: تخصيص الكهرباء، مباشرة عملية اصلاح اداري تقصي جيوش الموظفين الذين لا يقومون بأي عمل، وقف التهريب في المرفأ، تفعيل الجباية في كل المناطق اللبنانية. وقد تكون الدعوة الى سلسلة اضرابات واعتصامات هي بداية مقاومة مشروع الانهيار الاقتصادي.
إزاء هذه الوقائع السياسية والاقتصادية التي تنذر بالأسوأ، يصبح السؤال مشروعا: هل يمكن ان تكون العرقلة الحكومية متعمدة، لان أحدا لا يريد تحمل مسؤولية الانهيار؟