من المتوقع ان يُستشهد جميع المتهمين المعلَن تورطهم في جريمة اغتيال الرئيس #رفيق_الحريري.
هكذا يحصل عادة، اذ تلي الجريمة الكبرى جرائم لاحقة لمحو آثارها. لن يقتصر الامر على مصطفى بدر الدين الذي قُتل في ظروف غامضة، ولن يقتصر الامر على تصفية جميع المسؤولين السوريين المحتمل تورطهم، ابتداء من آصف شوكت مرورا بجامع الجامع وليس انتهاء برستم غزالي، في حين يبقى مجهولاً مصير أربعة آخرين متوارين عن الأنظار منذ ما قبل صدور الاتهام في حقهم، يعيشون كالاشباح حتى قبل توجيه التهم اليهم، وفي حين يصعب تنفيذ احكام #المحكمة في ظل التوازنات الحالية.
معلوم ان المخطط كان يقضي بارتكاب الجريمة الكاملة التي لم تخلّف دليلاً يكشف ملابساتها، بفعل توجيه الاتهام الى التطرف السني، سواء لجهة بدعة “الحجاج الاوستراليين” او مصدر شراء الشاحنة او مصدر شراء الخطوط الهاتفية الخليوية او تركيب الشريط المزوّر للمظلوم “احمد أبو عدس” وابتداع “جبهة النصرة” التي اعيد احياؤها لوأد الثورة السورية.
وبما ان الكمال لله سبحانه وتعالى، كان خطأ شراء الخطوط الخليوية من مكان واحد وتسديد فواتير هذه الخطوط من مصدر واحد. هذا الخطأ مثّل الخيط الأول في الطريق الى الحقيقة، على أمل اقترانها بالعدالة. وقد دفع ثمن هذه الحقيقة مطلع كانون الثاني 2008 الشهيد بحق وبفعل شهادة الحق والعدالة الرائد وسام عيد الذي تمكن من جمع “قِطَع البازل” ورسم خريطة الاتصالات بالاجهزة الخليوية المخصصة للجريمة وكشف أسماء مستخدميها لتوضيح صورة ما جرى في 14 شباط 2005.
لكن واقع الأمور انقلب رأساً على عقب، وحصل التغيير، وكانت لجنة دولية لتقصي للحقائق ثمّ لجنة تحقيق دولية، ثم خروج النظام الاسدي من لبنان، ثم كشف براءة المظلوم “أحمد أبو عدس” من خلال الأدلة القائمة على فحوص الحمّض النووي في موقع الجريمة، وأخيراً محكمة دولية، من خلال مسيرة اقترنت باغتيالات إن دلت على شيء، فإنما تدل على مثابرة المرتكبين على مزيد من الجرائم للتشويش على الجريمة الأمّ وطمس الحقيقة وعرقلة العدالة.
اقترنت الاغتيالات بعمل دؤوب منذ العام 2005 لزعزعة استقرار المجتمع اللبناني وتفخيخه بالمذهبية القاتلة وزيادة منسوب الفساد واغراقه بحبوب الهلوسة وغيرها من أنواع المخدرات شبه المجانية لضرب بنية شبابه، ناهيك بالسعي المتواصل لتغيير صيغة لبنان والقضاء على مؤسساته ورميه في فراغ تلو فراغ يقود الى اعلانه دولة فاشلة، وإلهاء الشعب بملفات الكهرباء والمياه والنفايات والأمن الغذائي وأزمات التعليم والطبابة. أخيراً وليس آخراً، أزمة مطار بيروت، وفي جيب الحاوي المزيد من العجائب والغرائب. بينما المطلوب يبقى أمراً واحداً ووحيداً، وهو تطبيق العدالة ومعرفة حقيقة من خطّط ونفّذ هذه الجريمة، لأن المعرفة وحدها تكفل طيّ صفحة ما جرى والبناء في اتجاه مرحلة جديدة كنا نأمل ان تؤدي الى أساس سليم للانطلاق بالدولة.
وها نحن اليوم، في انتظار المراحل الأخيرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مع أدلة بآلاف الصفحات والوثائق التي تضم 3128 قرينة، من بينها شبكات الاتصالات التي استخدمها المتهمون، إضافة إلى نصوص إفادات 307 شهود.
لكن كل هذه الأدلة مرفوضة في نظر فئة من الغيارى على العدالة، تم تجنيد أفرادها في هذه المرحلة، من أكاديميين وخبراء قانونيين، فقط للطعن بالمحكمة الدولية، التي تشكل خطراً على لبنان كونها تسورد العدالة. فهذا المصطلح بات يستخدم هذه الأيام من ضمن عدة الشغل الرامية الى التمهيد لرفض ما يمكن ان يصدر عن المحكمة الدولية بأسلوب لا يعتمد الهجوم السياسي والتموضع في خندق الممانعة، ولكن بالشوكة والسكّين، والتنقيب عن عيوب قانون المحكمة ونقاطه الضعيفة واغفال جرائم أخرى متراكمة بعد الجريمة الأمّ.
أكثر من ذلك، الغيارى على العدالة يحذّرون من تداعيات نتائج المحكمة على الكيان اللبناني، ويحذّرون من انها قد تطال “حزب الله” بصفته خطاً مقاوماً يزعج الاميركيين والإسرائيليين، ما يؤدي الى حرب أهلية ويهدد الاستقرار، متناسين ان المتهم بالجريمة وحده يملك فائض السلاح وفائض القوة والمقاتلين الذين سيصبحون عاطلين عن العمل بعد انتهاء مهمتهم في سوريا، ما يقود الى الاستنتاج ان اعلان الحقيقة من خلال حكم على المتورطين المتهمين، سيدفع من يملك القدرات، الى افتعال هذه الحرب على الذين يطالبون بالعدالة.
يتبجح الغيارى على العدالة بأن المحكمة الدولية ليست حَكَماً على اعتبار ان نصف اللبنانيين يرفضونها، تالياً هي منحازة الى فريق وستزيد من الانقسام الداخلي. وكأن القاضي الذي يحكم ضد أحد أطراف أي قضية، يكون منحازاً الى الطرف الذي يحكم لصالحه. وهذا لعمري ضرب لأساس العدالة التي يغارون عليها، ويصوّرون تداعياتها مؤامرة أميركية-إسرائيلية ضد فريق لبناني خاض حرباً ضد إسرائيل وادعى انه هزم الإسرائيليين، لهذا السبب يعاقَب اليوم.
وينسون ان الجريمة ولجنة التحقيق سبقتا حرب تموز، التي ربما خطط لها في إطار عدة الشغل للقضاء على التحقيق والمحكمة والعدالة.