لم تكن معركة عرسال وليدة صدفة أو استفاقة متأخرة للحزب الإيراني على ما وصفه بـتهديدات “الارهابيين” الكامنين في جرود البلدة. وهم، أنفسهم، الذين هجّرهم نصرالله وحزبه، بالتعاون مع جيش بشار الاسد، من منازلهم في “القصير” و”القلمون” وجوارهما، في “حرب تسوية” وصفقات مالية قضت بتسليم “القلمون” مقابل تهجير السكان، ففر منهم من فر في اتجاه الارض القاحلة في جرود عرسال ونحو البلدة وأقاموا مخيمات نزوح تقيهم حروب النظام السوري وأتباعه!
“ابو مالك التله”: مشروع تشبيح وتمويل قطري!
المدعو “ابو مالك التله” تزعّم المسلّحين الفارين، وأنشأ عصابة مسلحة امتهنت الخطف والاسترزاق على مبادلة رهائن بالمال. ومارسَ اعمال سطو مسلح في الجرد، وترهيب المدنيين لبنانيين وسوريين، على حد سواء، وبايع “جبهة النصرة” الارهابية. واستطاع من خلال إرهابه جمع ثروة قدرت بحوالي 30 مليون دولار أميركي، منها الفدية التي قبضها مقابل الافراج عن العسكريين اللبنانيين والتي دفعتها امارة قطر.
بقي “التله” وأنصاره متمرسين في الجرد تحت أعين حزب الله والنظام السوري، الى ان حان وقت قطاف رأسه وجماعته!
فكان التوقيت المُريب الذي رافقه تضخيم لعمل هذه الجماعة وخطرها ودورها. علماً انه ومنذ استلام الجيش اللبناني زمام الامور في عرسال ومحيطها لم يشهد لبنان اي عملية تفجير او سيارة ملغومة او حزام ناسف مصدره جماعة “ابو مالك”، وبقيت هذه الجماعة تمارس “تشبيحها” بهدف تعزيز الكنز المالي.
المعلومات تشير الى ان الحزب الإيراني قرر توقيت المعركة في الجرود وفق اجندته الخاصة، وبعيدا عن اي من الاعتبارات التي سوقها إعلاميا، من خلال إعلاء راية الجيش اللبناني على راية الحزب الالهي، مستدرا عطف اللبنانيين لمعركته تمهيدا لصرف هذا العطف لاحقا في الحسابات السياسية اللبنانية الداخلية.
لا مكان لنصرالله وحزبه في التسوية!
وتضيف المعلومات ان الحزب الالهي سيعود الى لبنان اقرب مما كان يتصور، من دون مكاسب لا سورية ولا اقليمية! وهذا ما بدأت ملامحه تتظهّر في الجنوب السوري حيث اسفرت التسوية الاميركية الروسية عن طرد مقاتلي الحرس الثوري الايراني وعناصر الحزب الإيراني من جنوب سوريا، وحظر تواجدهم في شريط بعمق اربعين الى مئة كيلومتر عن الحدود الاسرائيلية السورية، بضمانة روسية! وهو ايضا المصير الذي ينتظرهم في الشمال السوري، حيث تشارف الخطة العسكرية التي تفضي الى دخول الجيش التركي الى الشمال السوري وصولًا الى مدينة حلب، وضرب منظمة النصرة الارهابية، بالاتفاق مع الاميركيين الذين سيضمنون عدم وقوع مواجهات تركية كردية، ما يعني ايضا طرد مقاتلي الحرس الثوري الايراني والحزب الالهي من جوار حلب.
وطبقا لما يشاع عن ان التسوية التي يتم تحضيرها لسوريا، تتضمن انتشار 50 الف جندير مصري في مدينة حمص وجوارها، مما يبقي الساحل السوري، او مناطق سيطرة العلويين، المكان الوحيد المتاح لانتشار عناصر حزب الله والايرانيين.
الطائفة العلوية “لا تحب نصرالله”!
وتشير المعلومات ان العلويين ليسيوا “بيئة حاضنة” على الاطلاق لتقبل وجود مسلحين وميليشيات لبنانية وايرانية في مناطقهم. وهم، في الاصل، ليسوا في حاجة الى هذه الميليشيات في حال نضوج التسوية السورية بضمانة دولية اميركية روسية تركية سعودية، مع مشاركة قوات من اميركا وروسيا ومصر وتركيا والاردن تضمن امن المناطق التي تقاسمتها هذه القوى. فيكون الساحل السوري منطقة قواعد عسكرية روسية تضمن حدود التواجد العلوي في سوريا.
إزاء هذه الصورة التي بدأت ترتسم في الجنوب السوري، بدا ان حزب الله ورعاته في طهران يفتقدون اي بيئة حاضنة في سوريا. وتالياً، عليهم الانكفاء الى ايران ولبنان والعراق وافغانستان و…… ومن هنا كان الحزب بحاجة الى تسجيل انتصارات ولو وهمية، ليصرفها في الداخل اللبناني، عند عودته مهزوما او من دون تحقيق اي من اهداف ما يسمى بمحور الممانعة في حرب سوريا العبثية.
المعلومات تقول أنه، تزامناً مع طرد الحرس الثوري وحزب إيران من الجنوب السوري، استعرت حملة إعلامية شوفينية على النازحين النازحين السوريين في لبنان، حيث تمت شيطنة مخيمات النازحين، وتم وصفها ببؤر الارهاب التي ستعمل على استهداف اللبنانيين عاجلا ام آجلا! ومن كل مخيمات النازحين العشوائية والمنظمة، داهم الجيش اللبناني احد مخيمات النزوح في عرسال، واعتقل العشرات، في عملية عسكرية اثير حولها الكثير من علامات الاستفهام، وخضعت للتحقيقات الجائية بعد مقتل خمسة من الموقوفين السوريين لدى الجيش.
ومع انطلاق الحملة العسكرية على مخيم النازحين في عرسال، أطل امين عام حزب الله حسن نصرالله، ليعلن ان صبره نفذ من “هؤلاء الارهابيين” المتواجدين في جرود عرسال؟ وأنه “قرر التخلص من هؤلاء الارهابيين”، مشيرا الى انها المرة الاخيرة التي يتحدث فيها عن عرسال، في اعتبار ان المرة التس ستلي، ستكون الجرود تحت سيطرة مقاتليه.
ومع الحملة العسكرية وما أثير حولها من لغط، ثارت حمية حزب الله وغيرته على الجيش اللبناني، وعمت مواقع التواصل الاجتماعي، صور العسكريين وصور لعناصر الجيش وهم يداهمون وانقسم اللبنانيون بين مؤيد لمداهمات الجيش وبالطريقة التي تحصل فيها، وبين معترض. ونجح حزب ايران في ركوب موجة التأييد، خصوصا ان نصرالله كان اعلن نيته مهاجة “ألارهابيين” في جرود عرسال والتخلص منهم. فتماهى معه انصار الجيش اللبناني، وتحول النقاش “انت مع الجيش وتاليا أنت تؤيد معركة “حزب الله” المرتقبة”، ام “انك مع إرهاب جبهة النصرة”!، فانزلقت غالبية اللبنانيين الى تأييد الجيش، وهو امر بديهي، في ظل رفض معظم اللبنانيين وجود “الغرباء الى أي جهة انتموا، ما أمّن لنصرالله تعاطفا آنيا مع الحملة العسكرية التي كان أعلن عن عزمه القيام بها في الجرود.
المعلومات تشير الى ان حسابات حقل نصرالله لا تتطابق مع حسابات بيادر اللبنانيين، رغم انسياق بعضهم الاعمى خلف البروباغندا الإيرانية.
حسابات نصرالله، تنطلق من قرب عودته خالي الوفاض من حربه السورية. وهو سيواجّه بكمّ من الاسئلة بدءا من “بيئته الحاضنة” ووصولا الى عموم اللبنانيين، عن ماذا حقق في دفع مئات الشبان اللبنانيين الى الموت في آتون الحرب السورية. فهو خرج مطرودا من جنوب سوريا، وبالتالي أصبح الممر الآمن لسلاحه من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق مقطوعا بجيش اميركي روسي اردني مشترك! وهو طُرِد من الحدود مع إسرائيل بعمق اربعين الى مئة كيلومتر. و”الحشد الشعبي” العراقي تم إبعاده مسافة 50 كيلومتر عن الحدود السورية باوامر اميركية، فنتهى الممر الآمن. والحفاظ على نظام بشار الاسد لم يعد مكسبا الهياً، خصوصا ان الاسد سيرضخ للتسويات التي تُعد وهو لا حول له ولا قوة للاعتراض على اي تسوية، بعد ان خسر الارض.
كما ان مقولة إسقاط المشروع الاميركي الصهيوني في سوريا، سقطت بوجود اربع قواعد عسكرية اميركية ومطارين عسكريين.
ماذا جنيت يا سيد؟ ولماذا قتل خيرة شبابنا في حربك السورية؟
وفي حسابات نصرالله الاستباقية، بعد فشله في تحقيق اي انتصار في الحرب السورية، التحول الى تسجيل انتصار يستفيد منه في الداخل اللبناني، فكانت جماعة المدعو “ابو مالك التله” تحت المجهر، وتم تضخيم خطر هذه الجماعة فجأة، وتم تحشييد الرأي العام اللبناني بتخييره بين ان يكون مع “الارهاب” او ضده، وتاليا مع ما يسمّى حزب الله.
حرب جرود عرسال: إين المعارك؟
حسابات اللبنانيين إنطلقت من الخشية من عودة التفجيرات الارهابية والسيارات الملغومة والانتخاريين، فسارعوا الى تأييد اي تدبير تأخذه المؤسسة العسكرية لضمان امنهم. ولم يمانعوا في ان يقوم حزب الله بحمل جزء من هذا العبء مع المؤسسة العسكرية خصوصا ان الحزب هو من استجرّ التواجد الارهابي الى جرود عرسال، وهذا ما جناه من حربه في القلمون.
مع انطلاق العمليات العسكرية، بادر الحزب الالهي الى التعمية على سير المعارك. فحصر التغطية الاعلامية بتلفزيونه “المنار”، ومعه “قناة الميادين” التي هي الذراع الثاني لقناة المنار، دون سواهما. وبدأ ما يسمى “الاعلام الحربي” للحزب بضخ مواد إعلامية شكلت بمجملها المصدر الوحيد للمعلومات عن سير المعارك في الجرود إضافة الى مراسلين لقنوات تلفزيونية محلية من “إم تي في” و”إل بي سي” من المتعاطفين مع الحزب ويعملون على تسويق الاعيبه الاعلامية.
المتابعون لما قيل انه معارك في جرود عرسال، لم يشاهدوا اي معركة فعلية، بل جل ما كان يعرض على المتابعين مشاهد لعناصر من حزب الله يرفعون اعلامهم على ما قالوا انها مواقع عسكرية لما يسمى ب “جبهة النصرة”، من ون ان يتم عرض او تصوير جثث 150 إرهابي قال الحزب إنه قتلهم في المعركة؟
وفي المقابل أقرّ الحزب بسقوط 36 عنصر من مقاتليه، علما ان معلومات أخرى تحدثت عن سقوط 82 عنصرا، في كمائن أعدها وعمليات بعضها إنتحاري استهدفت تجمعات مقاتليه في الجرود.
“غرفة عمليات أبو مالك” وكر جرذان!
ومع بدء إنقشاع مع سمي معارك في الجرود بدأت تتظهر صور زيف الكثير من الادعاءات والتضخيم. فعرضُ “قناة الميادين” لما قالت إنه غرفة عمليات “ابو مالك” فضح الكثر من الادعاءات. فغرفة العمليات المزعومة ليست سوى وكر يأوي اليه الجرذان ولا يوجد فيها ما يشي بانها غرفة تحضر عمليات إرهابية بالحجم الذي تم تصويره. وإعلان نصرالله وقف إطلاق النار مع الارهابيين، الذين قال إنه حاصرهم في مساحة 9 كيلومترات مربعة، لا يشير الى قوته المتعاظمة. فبدل الاستمرار في المعارك، والقبض على الارهابيين وقتلهم او سوقهم للعدالة اللبنانية او السورية، يسعى نصرالله الى إخراجهم سالمين مع اسلحتهم واموالهم وعائلاتهم الى اماكن أخرى في سوريا، بموافقة نظام الاسد. فضلا عن أن المسلحين يبالغون في فرض شروط انسحابهم على الحزب. وهم استطاعوا الى اليوم الزام الحزب بالقبول بخروجهم سالمين آمنين غانمين، وفرضوا عودة اهالي القلمون والقصير الى قراهم وبلداتهم، ويُقدّر عددهم بحوالي اربعين الف، يقيمون في مخيمات في عرسال وجرودها.
وفي حين تستمر المفاوضات مع المسلحين الارهابيين على جبهة جرود عرسال، التزم نصرالله الصمت المريب بشأن مسلحي تنظيم داعش الارهابي الذين يتواجدون في جرود رأس بعليك، وقال في كلمته، ان “الحديث عن هؤلاء سيأتي لاحقا”.
نتائج حرب نصرالله على جرود عرسال جاءته بمزيد من الخسائر البشرية. ومع انقشاع غبار المفاوضات ستأتيه بمزيد من الخسائر المعنوية.
فهل ينكفيء عن مقاتلة تنظيم “داعش” الارهابي في جرود رأس بعلبك ويترك المهمة للجيش اللبناني؟
سؤال برسم القادم من الايام.
[…] بتمنين اللبنانيين بالمعركة التي شنها وهلّل لانتصار تصفه بـ”الوهمي” ضد 120 مسلحا في جرود عرسال، دائما على حد تعبير المصادر نفسها، تقول ان التطورات […]