(الصورة: ميشال عون أنّب “وزيره” عبدالله بو حبيب بعد تصريحه عن النازحين السوريين)
في 18 حزيران/يونيو، كشفت “الأخبار” الإيرانية الصادرة في بيروت أن “وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب “يسعى” إلى تصحيح «الخطأ» الذي ارتُكب العام الماضي وأدّى إلى تمديد ولاية قوة «اليونيفيل» لمدّة عام، وفق «قواعد اشتباك» جديدة، سمحت للقوات الدولية بتوسيع حركتها في جنوب لبنان.” لا تذكر الجريدة “القرار الحكومي” الذي يتصرّف الـ”بو حبيب” بموجبه، ولا تشير إلى موافقة (أو معارضة!) قائد الجيش، المعني قبل غيره، (أو وزير الدفاع “العوني”.. نسينا إسمه!)! ولا تشير، طبعاً، إلى الجندي الإيرلندي “الشهيد” شون روني الذي اغتاله ما يسمى “حزب الله” في 14 ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٢ “احتجاجاً” على قرار مجلس الأمن!
بالمقابل، تزعم “الأخبار” أن “الاتصالات التي يجريها بوحبيب مع الدول المعنية، مُنسّقة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي“!! هل هذا صحيح، يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي؟ نعم، أم لا؟ وهل تغطي قيادة الجيش مطلب الحزب الإيراني؟
إذا كانت الحكومة اللبنانية لم تجتمع، ولم “تتخذ قرار” تعديل مهمة “اليونيفيل”، فمن كلّف “البوحبيب” بـ”مساعيه” غير الحميدة؟ وفيق صفا؟ أم الإيراني جبران باسيل الذي افتتح مؤخراً “موسم” الدفاع عن حقوق المسيحيين في رئاسة الجمهورية بـ”هدية” لمعلّمه حسن نصرالله؟ وهذا الأرجح!
وزارة الخارجية التي ترأستها أسماء لامعة مثل شارل مالك، وفيليب تقلا، وفؤاد بطرس، كيف آلت إلى موظف “عوني” يأتمر بأوامر وفيق صفا؟ شارل مالك شارك في وضع شرعة الأمم المتحدة. في عهد “البو حبيب” بات لبنان “ممنوعاً من التصويت” لأنه لم يدفع “مساهمته” في ميزانية الأمم المتحدة (جبران سرق الميزانية..؟)!
نحن مطلبنا بسيط: “إسحبوا قوات اليونيفيل” من لبنان! فوراً! لكي ننتهي من “كذبة” تدمير إسرائيل” التي استخدمتها إيران لتدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن.. وفلسطين! “اليونيفيل” إلى الجحيم!
بيار عقل
*
لا هو سياسي ولا هو دبلوماسي! بدأ حياته المهنية موظفاً، والأرجح انه استمر كذلك!
انطلق كخبير في البنك الدولي عام 1975 بعد ان حاز على شهادة دكتوراه في الاقتصاد. ثم تولى مسؤولية القروض في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لسنوات. وشاءت الظروف ان ينتقل عبدالله بو حبيب، ابن “المتين” مواليد 1941، الى واشنطن عاصمة قرار السياسة الدولية سفيرا للبنان بعد ان حملت الظروف الشيخ امين الجميل الى قصر بعبدا ليخلف شقيقه بشير الذي اغتيل بعيد انتخابه رئيسا للجمهورية في صيف 1982. مثّل بو حبيب الدولة اللبنانية على مدى سبع سنوات بين عامي 1983 و1990 معاصرا واحد من اهم رؤساء الولايات المتحدة رونالد ريغان، واهم حقبة من حقبات السياسية الدولية التي شهدت انهيار الاتحاد السوفياتي. عدا مواكبته لمرحلة ما بعد خروج الزعيم ياسر عرفات ومقاتلي منظمة التحرير من لبنان وتداعيات الاحتلال الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية والجبل والجنوب، وانحسار هذا الاحتلال عام 1985 الى اقصى الجنوب الذي عرف يومها بـ”الشريط الحدودي”.
ماذا كان دور بوحبيب الذي عين سفيرا من خارج السلك الدبلوماسي، وماذا حمل معه من تجربته الدبلوماسية بعد عودته الى لبنان؟ طالما أنه أتيحت له فرصة استثنائية للاطلالة على السياسة الدولية والتعرف على كيفية ادارة الازمات.
مرت أكثر من عشر سنوات لم يعرف فيها عن الـ”بو حبيب” أي دور سياسي او دبلوماسي يساهم في مساعدة لبنان على تجاوز مرحلة الانقلاب على الدولة والمؤسسات التي قادها ميشال عون بين عامي 1988 و1990. بالعكس، أعلن الـ”بو حبيب” ولاءه للمتمرد ميشال عون! وعاد الـ”بو حبيب” موظفا الى البنك الدولي، مستشارا لنائب رئيس منطقة الشرق الاوسط.
ظل بعيدا عن مرحلة دخول رفيق الحريري الى السلطة الى حين ظهور رجل الاعمال عصام فارس على الساحة السياسية نائبا لرئيس الحكومة كسند لفريق النظام السوري في السلطة ممثلا بالرئيس “اميل لحود“. هنا أصبح الـ”بو حبيب” مستشارا لفارس ومن ثم رئيسا للمؤسسة التي انشئت باسم عصام فارس في الجامعة الاميركية في بيروت.
وبعد اغتيال الحريري وقيام انتفاضة الاستقلال في 14 آذار، احتجب بو حبيب الى ان عاد عون من منفاه الباريسي، واذ به يظهر “مستشارا” للجنرال في مقر اقامته في “الرابية”، يلتقيه كل سبت ويزوده بافكاره مع مجموعة من مستشارين قادمين من مختلف مشارب وتجارب فريق “الممانعة”: بدءاً بالمدعو “ايلي الفرزلي” رجل النظام السوري ومنظّر “القانون الارثوذكسي” السيء الذكر، وكريم بقرادوني الكتائبي الأصل ورجل كل الفصول والعهود، وسليم جريصاتي وهو الآخر رجل النظام السوري ومعدّل الدستور السوري في محاولة من بشار الأسد لاستيعاب ثورة الشعب السوري، والجالس في الحكومات التي شكلت قبل وخلال رئاسة عون!ّ والمكلف في الوقت عينه من قبل “حزب الله” كمحام وقاض ضد المحكمة الدولية التي انشئت لمحاكمة قتلة الحريري. وجان عزيز “القواتي” السابق، ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام الذي لم يتمكن عون من توزيره أو منحه مقعدا نيابيا. ويروي بقرادوني في هذا المجال انه بعد انتخاب عون رئيسا تمنى عليهم ان يطلب كل واحد منهم ما يريد، فاجاب هو بانه لا يريد شيئا! اما الآخرون… فقد استعاد الفرزلي مقعده النيابي بعد ان خسره على اثر انتفاضة 14 آذار 2005. و”جريصاتي” اصبح وزيرا للعدل ثم مستشارا دستوريا لعون في القصر الجمهوري. و”جان عزيز” مستشارا اعلاميا في بعبدا. فيما بقي الـ”بو حبيب” ينتظر جائزة الترضية وقد تجاوز الثمانين الى ان تشكلت الحكومة الحالية برئاسة ميقاتي قبل نهاية العهد بأشهر.
تصرف الـ”بو حبيب” في الخارجية كـ”موظف عوني” يعرف دوره وحدوده! فكان اداؤه غير حيوي، باهتاً واداري ووظيفيا بحتاً. فقد حافظ على كل ن عيّنهم حبران باسيل خلال ادارته لوزارة الخارجية لاكثر من خمس سنوات، لدرجة انه ابقى على نفس سكرتيرة الوزير التي كانت الى جنب باسيل، ويرسلها الى لقاءات مهمة في السراي او للتنسيق مع وزارة الداخلية في امور تخص المغتربين او فترة اجراء الانتخابات. النيابية. وهذا الاداء كان قد اثار على سبيل المثال اشكالات مع سلفه الوزير ناصيف حتي الذي سبقه في حكومة حسان دياب. وقد اعتمد بو حبيب في الاجمال “نهج اللاموقف” والتزام الصمت تجنبا للتصريحات المحرجة والمتضاربة التي كان يدلي بها من وقت لآخر، والتي تثير ردود فعل مستنكرة. غير ان هذا السلوك لم يمنعه احيانا من اتخاذ مواقف بعيدة عن “الخط الممانع” بادانته باسم لبنان الغزو الروسي والتضامن مع اوكرانيا! ما اثار حفيظة “حزب الله” وايران. وتبين ان الموقف كان قد نُسق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في نفس الوقت لان الاثنين كانا بحاجة، كل لاسبابه، الى مراعاة الموقف الاميركي فيما لبنان يتحضر لتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وتحسبا لاستحقاق رئاسة الجمهورية الداهم، واملا برفع العقوبات الاميركية عن باسيل.
بالمقابل، نشط بو حبيب بقرار فردي ومفاجئ، غير منسق على ما يبدو مع رئيس الحكومة، بإعلان عزمه العمل على الغاء الفقرة التي اضيفت السنة الماضية عند التمديد للقوات الدولية في مجلس الامن، بموجب القرار 2650 والتي تمنح هذه القوات حرية الحركة غير المشروطة في مناطق عملها. اي كأنه يريد اعطاء الحق لـ”حزب الله” الذي يقوم هو بمنع او بتحريض ما يسمّى زوراً “الأهالي” على اعتراض حركة قوات “اليونيفل” جنوب نهر الليطاني، والتي هي من صلاحياتها وحدها.
لأن عون لم يعد في بعبدا، هل فهم الـ”بوحبيب” ان الحاكم بامره الآن هو حسن نصرالله؟ هل يعتقد ان اي تعديل في قرار اممي ممكن بهذه الطريقة الاعتباطية الساذجة؟ ام لانه كما ينظر حاليا الى دور اميركا وعلاقاتها مع العالم في كتابه الذي صدر مؤخرا تحت عنوان “اميركا القيم والمصلحة” حيث يقول: “لا ينحصر التأثير الاميركي على كل من بلداننا في العالم العربي باهمية سياساتها وديبلوماسيتها وحروبها واستخباراتها وجيوشها ومساعداتها المادية والثقافية، انما بأهمية اكثر ربما بمنتوجاتها الاستهلاكية التي اصبحت جزءا لا يتجزء من حياتنا اليومية، من “ايفون” وخدماته ومرطبات الكولا وبنطلون البلوجينز وساندويش الهمبرغر وغيرها من السلع الأميركية…”.
أهذا كل ما استفاده بوحبيب من تبوئه ارفع منصب دبلوماسي في عاصمة اقوى دولة في العالم؟ يبدو الوزير بوحبيب وكأنه لا يزال في عالم الثمانينيات؟!