لمن لا يعرف: “مير حسين موسوي” هو رئيس إيران “الشرعي” الذي انتخبه الإيرانيون في 2009 (في حينه، طالب السيّد هاني فحص بـ”تهنئة” رئيس إيران الجديد!)، ولكن الديكتاتور (الذي يقبّل نصرالله يدَه وهو مكسور الظهر) استبدله بالتعيس “محمود أحمدي نجاد”، ما تسبّب بانتفاضة “الثورة الخضراء” في إيران. الرجل الذي فضّله الخميني نفسه على خامنئي كرئيس لحكومة إيران بطرح اليوم شعار “المرأة، الحياة، الحرية” (المضاد للخمينية بامتياز) ويعتبر أن “الشعب هو أساس السلطة” وليس “الجنة الموعودة”!!
بيار عقل
*
بسم الله الرحمن الرحيم
أثبتت الاحتجاجات التي هي على حق، والأحداث الدامية التي جرت خلال الأشهر والسنوات الأخيرة، وجود حقائق عظيمة لدى أمتنا. إن العناد، والإصرار على استخدام الأساليب القمعية بدلا من الحوار والإقناع، ورفض اتخاذ أصغر خطوة نحو إعمال حقوق المواطنين الواردة في الدستور وفي مطالب الشعب، زاد عاما بعد عام من ابتعاد الحكام عن الناس وساهم في يأس المجتمع من الإصلاح انطلاقا من الإطار القانوني الراهن.
أظهرت الولادة المخيفة للفجوات الطبقية، وتأثير السياسات المغامرة والقائمة على إنتاج أعداء بدلا من البحث عن صداقات وتعاون إقليمي ودولي، والفساد المستشري في المؤسسات النقدية والمالية، والاختناق الثقافي على نطاق واسع، وانعدام الحريات، والقمع الوحشي للنساء والرجال وحتى الأطفال، أظهر لأمتنا أن “التنفيذ الصارم لمواد الدستور”، باعتباره شعارا كان يمكن البناء عليه قبل ثلاثة عشر عاما، لم يعد فاعلا اليوم ويجب اتخاذ خطوة أبعد من ذلك.
إن اعتبار القانون بأنه السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد، سيكون منطقيا عندما يستند إلى الشرف الذي يسبق العدالة والاستقامة. فالقانون يجلب الرخاء حينما يأتي من الشعب ويكون من أجل الشعب، لا أن يكون لحماية الامتيازات غير العادلة لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون.
الجميع بات يعرف الآن عن الأزمات المستمرة في البلاد: الأزمة الاقتصادية (من انتشار الفقر إلى سقوط قيمة العملة الوطنية والتضخم الكبير الذي أذّى معظم الناس)، أزمة الإدارة وعدم الكفاءة (من عجز الحكومة عن تنفيذ الخطط والسياسات إلى الفساد الهيكلي)، وأزمة السياسة الداخلية والخارجية، والأزمة البيئية، والأزمة الاجتماعية، والأزمة الشرعية، والأزمات الثقافية والإعلامية، إلخ… لكن أزمة الأزمات موجودة في البنية المتناقضة وغير المستدامة للنظام الدستوري للبلاد.
إن هذه القوة غير الخاضعة للمساءلة وغير المسؤولة، هي التي تجعل الأوقات مظلمة بالنسبة لنا وتسد الطريق أمام تغيير حياة من يعانون.
إن إيران والإيرانيين بحاجة، بل على استعداد، لتحول جذري، ترسم الحركة النقية “المرأة، الحياة، الحرية” خطوطه الأساسية. فهذه الكلمات الثلاث هي بذور المستقبل المشرقة. مستقبل يطرد القمع والفقر والإذلال والتمييز. هذه كلمات ثلاث تحمل معها تاريخا من النضال والتفكير والصراع والرغبة، ومن بينها تبدو “المرأة” هي الأكثر أملا، لأنه لا يمكن تحقيق الرخاء والوصول إلى الصالح العام ولا كسب نضالات اجتماعية كبيرة إلا من خلال وجود النساء والرجال معا. ولا يمكن لنضال كهذا أن يفشل.
هذا الحق كان أساس ثورة الشعب عام 1979. فالدستور الحالي وُضع أيضا للأجيال القادمة، بحيث إذا أدى قرار أسلافنا من واضعي الدستور إلى ظهور نقاط سوداء في حياة الناس، أو كان أداة للإساءة إليهم من قبل المتشبثين بالسلطة، فإن بإمكانهم التغلب على الأزمات وفتح طرق نحو الحرية والعدالة وحكم الشعب والتنمية، وإجراء مراجعات أساسية في مواد الدستور دون الإخلال بالأمن العام أو اللجوء إلى العنف، إذ يمكن الدعوة إلى تغيير النظام الحالي أو صياغة ميثاق لعهد جديد، ميثاق يصيغه ممثلو الشعب من أي عرق كانوا ومن أي توجه سياسي وأيديولوجي اعتُبروا، وتصادق عليه الأمة في استفتاء حر.
وفي هذا الصدد، فإنني بصفتي أحد أعضاء الأمة الإيرانية، مستشهدا بحق الإنسان المستمر وغير القابل للسلب في تقرير مصيره، أُقدّم الاقتراح التالي للشعب، بمشاركة مع جميع القوى والشخصيات المحبة للحرية، ومع المدافعين عن الاستقلال وعن سلامة أراضينا، ومع من ينبذ العنف ويؤيد التنمية:
أولا- اجراء استفتاء حر وسليم بشأن ضرورة تغيير الدستور أو صياغة دستور جديد.
ثانيا- في حال موافقة الشعب على ذلك، يتم تشكيل مجلس تأسيسي من ممثلين حقيقيين للأمة من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ثالثا- إجراء استفتاء على النص الذي أقره المجلس التأسيسي من أجل إقامة نظام يقوم على أساس دولة القانون ووفقا لمعايير حقوق الإنسان وينطلق من إرادة الشعب.
هذا الاقتراح سيكون مصحوبا ببعض الإبهامات. فمثلا من سيقبله أو من سينفذه؟ وأكثر من ذلك، ما الذي يجب فعله حتى لا نعود إلى نفس النقطة بعد أربعين عاما ولا نلام من قبل الأجيال القادمة؟ والأهم من ذلك، كيف نؤمن بقدرتنا على تجاوز هذه المرحلة؟ على سبيل المثال، كيف يمكن لأي تخطيط لنظام جديد أن يهزّ هيكل سلطة المستبد ويجعله يتفاعل مع التغيير؟ فأساس السلطة هو الأمة. فالسلطة لا تنبني على السلاح والقمع، وإنما تنبني على الأمة. ونفس الأمة، إذا كانت أعينها ترتكز على بناء نظام جديد، فإن الهيكل السابق سينهار سواء أراد أصحابه ذلك أم لا. ولحل هذه الغموض لا بد من التفكير والتعاون، لإنقاذ إيران، الأم التي فقدت طفلا اسمه الفرح، بعيون براقة، وشعر طويل يفوق الأمل.
فمن يملك هذه العلامات عنها فليخبرنا. وهذا عنواننا: من جهة، الخليج الفارسي، ومن جهة أخرى، بحر قزوين.
مير حسين موسوي
*
- الثورة الدستورية الفارسية أوالثورة الدستورية الإيرانية (الفارسية: “مشروطيت” (الواردة في العنوان)، حدثت بين الأعوام (1905-1911م). وأدت الثورة إلى إقامة مجلس نواب في بلاد فارس في عهد السلالة القاجارية التي كانت تحكم إيران.
المصدر الفارسي لبيان مير حسين موسوي على موقع “كلمة” الإصلاحي