(الصورة: في الأسطورة المهدوية، المسيح يصلّي وراء المهدي مباشرةً قبل النبي محمد والأنبياء الآخرين..)
*
“شفاف” خاص
في مدينة “مشهد” عام 2019 خرج ممثل المرشد الإيراني وإمام صلاة الجمعه في المدينة “أحمد علم الهدى”، ليطالب المصلّين بالدعاء لتحقيق “الفرَج”، فرج ظهور الإمام الثاني عشر للشيعة! إذ ييدو أن من شروط ظهور الإمام الغائب عن الحياة منذ ولادته، أن يدعو عامة الناس الله من أجل تحقيق ذلك!
في الموروث الشيعي، الإمام الغائب هو “المهدي” وكذلك “الحُجّة”.
وجوده واسمه، حسب الرواية التاريخية المنقولة عنه والتي يشكك فيها البعض ممن ينتمون للمذهب الشيعي، هو “محمد بن الحسن العسكري“، حيث غاب منذ أن وُلد في 255 هجرية وحتى اليوم.
لماذا طلب علم الهدى الفرج لظهور المهدي من عامة الناس، فيما يمكن، وفقا للنصوص والاعتقادات الدينية، أن يظهر “بإذن الله وإرادته” مثلما غاب “بإذن الله وإرادته ورعايته”؟
لاشك أن توصية علم الهدى تعني ضرورة بذل مساع روحية جماعية للمساعدة في ظهور الإمام. فطلب “الفرج”، لكي يملأ المهدي الأرض قسطا وعدلا بعد أن مُلئت ظلما وجورا، يجب أن يستند إلى دعاء المؤمنين له بالظهور، وهو أمر لن يتحقق إلا حينما يتم توظيف هذا الدعاء سياسيا لجعله عالميا، حسب علم الهدى.
بعبارة أخرى، من دون تحوّل دعاء الظهور إلى طلب بشري عام، لن يستجيب المهدي لذلك. ولكي يصبح الطلب عاما، لابد من وجود ظروف سياسية واجتماعية ودينية تهيء لهذا الأمر وتجعل الإيمان بالحُجّة وبغيبته ثم بظهوره مسألة تخص العالم أجمع. أي أنه لا بد أن يسبق مسألة الطلب، شيوع ظلم كبير في العالم بقيادة “أعداء الإسلام”.
يُروى في الموروث الشيعي أن الإمام الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر للشيعة) أنجب طفلا أسماه “محمد” وأخفاه عن الناس إلا عن المقربين منه، خوفا عليه من سطوة الدولة العباسية. توفي الإمام العسكري في 260 هجرية، أي بعد خمسة أعوام من ولادة محمد. فشكلت وفاته منعطفا هاما في تاريخ الشيعة الإمامية، لأن العسكري لم يُعين من بعده إماما في أنظار العموم، وهذا أدى بالتالي إلى تحوّل الاعتقاد بولادة محمد، المهدي، وغيبته إلى عقيدة راسخة عند الشيعة الإمامية.
قيل إن هناك غيبتين اثنتين للإمام المهدي، “صغرى” و”كبرى”. كانت “الصغرى” منذ ولادته وحتى انقطاع الأخبار بينه وبين شيعته. فيما بدأت “الغيبة الكبرى” بعد الصغرى مباشرة. ولا يعرف الشيعة وقت انتهاء الغيبة الكبرى وموعد ظهور الإمام.
يقول الموروث الشيعي إن المهدي كان على صلة مع أربعة سفراء أو وكلاء خاصّين في فترة غيبته الصغرى، لكي يكون على علم بشؤون الأمة. والأربعة بالترتيب هم عثمان بن سعيد العَمري الأسدي، وأبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العَمري الأسدي، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السّمَري.
وقد أعلن الأخير، أي السّمَري، عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى وابتداء الغيبة الكبرى قبل ستة أيام من وفاته، وقيل إنه أخرج للشيعة توقيعا من الإمام المهدي. تقول الرواية الشيعية إن وفاة السّمَري ثم بداية الغيبة الكبرى كانت في 328 هجرية أو 329 هجرية.
يقول علم الهدى في إحدى خطبه: “إذا لم تمتلئ الأرض بالظلم، لن يظهر الإمام المهدي. بينما يجب الإشارة إلى أن الأرض ستمتلئ بالظلم والجور عندما يكون كل الناس فيها من المطالبين بالعدالة ومن المناهضين للإستكبار. أما إذا قبِل الناس بالاستكبار وبالحاكم الظالم، فلن يتعرضوا للظلم من قبل الظالم. ولكن عندما ينتفض الناس ضد الإستكبار، سيحاول الظالم القضاء على الناس وسيزداد الظلم”، وحينها ستتهيّأ الظروف وستكون الأرضية مواتية لظهور المهدي.
إن هذا السيناريو الذي يطرحه علم الهدى، يرسم خريطة طريق ظهور المهدي عند أتباع الدولة الدينية الشيعية القائمة على نظرية ولاية الفقيه المطلقة.
ينبني هذا السيناريو على عنصرين: الأول، أن يصبح الدعاء لأجل ظهوره عالميا إنطلاقا من وجود ظروف سياسية ودينية عالمية، نرى صورها في الصراع بين النظام الديني في إيران وحلفائه من جهة والغرب وحلفائه من جهة أخرى، وفي كمّ الظلم الواقع على الفريق الأول بل وعلى العالم بأكمله من قِبل الفريق الثاني. فكلّما عانى أتباع وأنصار النظام، سواء في إيران أو في خارجها، من ظلم ما يسمى “الإستكبار العالمي”، سيساعد ذلك في تهيئة ظروف الظهور.
وفق المسؤولين القائمين على سياسات النظام في إيران، ووفق أنصارهم من رجال دين وسياسيين في مختلف دول العالم، يسير العالم الآن نحو نقطة تحوّل تاريخية. فهؤلاء يؤكدون باستمرار أن حدثا تاريخيا مهما في طور التشكّل، وفي حال انتهائه ثم حدوثه، المفاجئ، سيغيّر المسار الثابت للتاريخ. فالعالم اليوم، وفق رؤيتهم، يهيمن عليه الظلم والكفر والإلحاد، وهذا الأمر وفق السنن الدينية/الكونية لا يمكن أن يستمر هكذا، وسيُواجه بحركة إلهية مضادة، هي حركة ظهور المهدي، وهي ستفرض القسط والعدل في الأرض بعد أن مُلئت ظلما وجورا.
لذلك، تكثُر الخطط والاستراتيجيات الغربية، وفق علم الهدى، لمنع تحقّق هذا الحدث. يقول إمام صلاة الجمعة في “مشهد”، والمقرّب من مرشد الثورة علي خامنئي ومن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إن “الناس وصلوا اليوم إلى نقطة أدركوا من خلالها أن الشيء الذي سيهيمن في النهاية على العالم هو السيادة الإلهية، وهي وحدها التي يمكن أن توفر العدالة، حيث تتجلى تلك السيادة في ظهور الإمام المهدي الذي سيوجّه كل الأمور”.
في عام 2015، كشف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أن الدول الغربية تسعى لاعتقال المهدي، وأن تنظيم “داعش” أصبح “يشوش” على المهدي وعلى عموم الشيعة.
وقال نجاد لصحيفة “الشرق” الإيرانية إن “الاستخبارات الغربية التقت بالعديد من الشخصيات الإسلامية التي تلتقي بالمهدي سرا، وفرغت كافة المعلومات التي تمتلكها هذه الشخصيات عن المهدي وأصبح ملف الإمام جاهزا لاعتقاله”. كما أكد أن “الدول الغربية ينقصها صورة المهدي فقط لاعتقاله، إذ أن مسألة ظهور الإمام وحدها من يهدد امبراطوريتهم”.
وسبق لنجاد أن أدلى بتصريحات عديدة حول لقائه بالمهدي، حيث قال أثناء رئاسته بأن “المهدي هو من يدير البلاد”، وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال بأن الرئيس الفنزويلي الراحل “هوغو شافيز يعتبر من أنصار الإمام المهدي ومن المقربين له“.
اليوم يكرّر علم الهدى بل وكثير من المسؤولين الإيرانيين، من رجال دين وغيرهم، نفس محتوى الكلام الذي يشير إليه نجاد. يقول علم الهدى، في تصريحات نُشرت قبل أيام فقط، إن “العالم كله يحاربنا.. كل هذا بسبب العداء مع ذلك الرجل الغائب (الإمام المهدي)، لا يريدونه أن يظهر، فيحاربوننا لأننا أدوات ظهوره. إذا توقفنا عن القيام برسالتنا هذه، فسوف يتوافقون مع اقتصادنا وسياستنا”.
هذا الكلام يعكس رسالة تقول إن الغرب استطاع أن يمنع ظهور المهدي.
لكن في واقع الأمر، هناك أسئلة تطرح نفسها: هل السلوك الغربي “الظالم” لم يصل إلى حده الكبير من الظلم بحيث يساهم في تعجيل حركة ظهور المهدي؟ أم أن الظلم الغربي وصل إلى مدى مرتفع، لكنه يحتاج إلى آلية دعاء عالمية تدعو المهدي للخروج، وهذا لم يتحقق حتى الآن؟
أم أن المهدي، كما يقول الرئيس أحمدي نجاد، لن يظهر حاليا لأن الأمريكان قد يعتقلونه؟…
براهيم الامين واقفلو ع جنب الطريق