الصورة: أحمد علم الهدى وصهره رئيس الجمهورية الإسلامية)
أعطى أحمد علم الهدى، ممثل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي في مدينة “مشهد“، تفسيراً «من خارج الصندوق» للمشكلة الدائرة داخل إيران وبين إيران والعالم مفادها «أن العالمَ كلّه يُحارِبُ النظامَ في إيران مَنْعاً لظهور الإمام المهدي.
فهم لا يريدونه أن يظهر، فيحاربوننا لأننا أدوات ظهوره».
ما هي مشكلة «العالم» مع ظهور الإمام المهدي؟ نعود لاحقاً إلى السؤال.
مَن يتابع أدبيات محور الممانعة السياسية يجد فيها خطاً ثابتاً قائماً على بثّ فرضيةٍ معيّنةٍ، وحشْد كل منظومةِ الإعلام الخاصة والتابعة والحليفة لتكريسها جزءاً من واقعيةِ المشهد، و«تأليف» عناصر تَخدم هذه الفرضية… والأهمُّ من ذلك كله عدم الاكتراث نهائياً بكون هذه الفرضية مزيَّفة أو غير صحيحة.
وكما هي مشكلةُ حزبٍ مثل «البعث» بشقّيْه السوري والعراقي وغيره من الأنظمة الشمولية، مع ثورةِ المعلومات التي باتت تسمح للمرء بأن يتأكد من صحة معلومةٍ أو زيفها عبر هاتفه المحمول، كانت أيضاً مشكلةُ خطابِ الممانعة الذي تَدَرَّجَ في محاولاتِ تسويق الفرضيات الخاطئة التي يوزّعها، من مراعاةٍ قليلةٍ للرأي العام وحتى لعقول الأنصار والمؤيدين، إلى فجاجةٍ وعدم مبالاةٍ، حتى أن الأمر يأخذ أحياناً منحى خيالياً ومع ذلك يُطرح إعلامياً وسياسياً بقوّة.
يَخْرج المتشدّدون الإسلاميون من سجون بشار الأسد ونوري المالكي والحوثيين في اليمن بتنسيقٍ مدهش. الآلافُ يُفرج عنهم، كما مع “النصرة” في سورية، وآلاف يَهربون في غفلةٍ من ليل كما مع “داعش” في العراق ليَنسحب لهم الجيشُ العراقي في غفلةٍ من نهار، وآلافُ منتسبي “القاعدة” يَخرجون من سجون الحوثيين كلما سيطروا على منطقةٍ يمنية… وبعد ذلك تبدأ «الماكينة» الإعلامية بتوزيع فرضيةِ أن دولَ الخليج هي وراء ذلك كله.
دولٌ تَحْكُمُها إيران مباشرةً عبر «حلفاء – أدوات» تُطْلِقُ آلافَ المنتمين لداعش والقاعدة والنصرة، لكن المسؤوليةَ تقع على دول الخليج. وحتى تستقيم الفرضيةُ، لا بد من غطاءٍ أميركي ظَلَّلَ «خطةَ» دول الخليج، فتَخرج فرضيةُ هيلاري كلينتون التي اعترفتْ في كتابها بأن أميركا خلقت الدولة الإسلامية.
تسأل: أيّ كتاب وأيّ صفحة؟ إنما لا إجابة، بل إمعانٌ في إكمال الفرضية طالما أن هناك مجموعات تابعة تصدّق هذا الزيف السياسي وتؤيّده وتَبْني عليه مغالطاتٍ أكبر.
الفيل في الغرفة يا جماعة! لا، إنه بعوضة والفيل في مكانٍ آخَر. هكذا تَدَرَّجَتْ كلُّ فرضياتِ الممانعة.
يريدون أن ينسى الناس نَصْبَ الحوثيين صواريخَ على حدودِ المملكة وبدءَ التحرش العسكري والأمني وتصريحاتٍ رسمية إيرانية بأن طهران «تسيطر على أربع عواصم وقريباً مكة»، ويحاولون تكريسَ نظريةَ «العدوان الخليجي الأميركي».
يريدون أن ينسى الناس أن حزب الله تَدَرَّجَ في فرضياتِ القتالِ في سورية، من البدء بحمايةِ قرى لبنانية، ثم حماية مراقد دينية، ثم مواجهة المتطرفين الذين أَخْرَجَهُمْ الأسد من سجونه، ثم في النهاية التباهي بأن الحزب حمى النظامَ بطلبٍ من المرشد الأعلى للجمهورية.
وفي كل مرحلةٍ ترى الأنصارَ والتابعين يؤيّدون ويهلّلون وحتى يصدّقون أنه «ما في شي بحمص» وهي عبارةُ أمين عام الحزب الشهيرة خلال تدمير حمص.
في العراق وفي غزة الشيء نفسه. تُطْلَقُ فرضياتٌ من قبل الجماعات التابعة لإيران وتُخَفَّفُ أو تُضَخَّمُ والجميع يصدّق ويهلّل.
طالما أن «الفيل في الغرفة» ويراه الجميع فلماذا لا يراه أنصارُ محور الممانعة ويمشون في هذه النظريات التي وَضعتْ أسلوبَ جوزف غوبلز في جيبها الصغير؟ فلسببين أوّلهما مهمٌّ وثانيهما أهمّ بكثير.
الأول أن أنصارَ الممانعةِ فريقان، أحدهما في مَراتب عليا وقريبٌ من أصحاب القرار، وهو يعلم أن هذه الفرضيات وسيلة من وسائل الحرب، والآخَر يمثل الشريحة الأكبر وهم أهلُ العاطفةِ المغسولة أدمغتهم العاجزون عن الخروجِ من دائرة الولاء والاندفاع والفداء، ولذلك لا خيارَ لهم غير التسليم بأي فرضيةٍ حتى قبل أن تُعلن.
السببُ الثاني الأهمّ الذي يشكل مَدْخلاً حقيقياً للدراسة والبحث، هو العلاقةُ بين المبالَغات السياسية والمبالَغات المذهبية والدينية. ففي السنوات الثلاثين الماضية خرجتْ من منظومةِ الإسلام السياسي بشقّيْه السني والشيعي قصصٌ لا حصْر لها، تبدأ من الأحلام والغيْبيات وتنتهي بإسباغِ هالاتٍ غير بشرية على الكثير من الأشخاص… صحف، خُطَب، تلفزيونات، فيديوهات، برامج دينية حولّتْ كلّ ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي إلى وجهةٍ أخرى نعترف جميعاً بأنها أسرع وصولاً إلى العقل والقلب في منطقتنا تحديداً.
انطلاقاً من ذلك كله، يمكن فهْم فرضية أحمد علم الهدى، أي أن كل ما يحصل اليوم من انتفاضةٍ باحثةٍ عن حرياتٍ أكبر في إيران وعن أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية أفضل لم يَعُدْ مؤامرةً أميركية – عربية فحسب بل «لأن العالمَ يُحارِبُ ظهورَ المهدي».