عندما قررت منظمة “الفيفا” منذ أكثر من 8 سنوات إعطاء دولة قطر حق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 كانت مفاجأة كبرى لكل العالم. حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أرسل زوجته ميشيل إلى مقر “الفيفا” لحضور نتيجة التصويت، وعندما تم إعلان فوز قطر ضد أمريكا، قال الرئيس الأمريكي: “إنها نكتة”!
وظهرت إشاعات كثيرة تقول أن قطر أستخدمت أموالها للفوز بتنظيم البطولة. بل ووصل الأمر لاتهام بعض أعضاء مجلس إدارة “الفيفا” بتقاضي أموال تحت الترابيزة وقالت النكتة وقتها أن إرتفاع ترابيزة “الفيفا” لم يكن تكفي لكل الأموال التي دفعتها قطر تحتها، لذلك تم تفصيل ترابيزة عالية بإرتفاع السقف تقريبا لكي تكفي كل أموال تحت الترابيزة!!
أما في المنطقة العربية فقد كانت وقتها قطر في حالة خصام مع الأشقاء العرب في السعودية والإمارات ومصر، حتى أن قطر أضطرت للإستعانة بالقوات التركية لحماية أراضيها ضد أي إعتداء محتمل. وتمت مقاطعة قطر، وشمرت قناة الجزيرة عن سواعدها لحماية قطر وذلك بالهجوم على كل من قاطع قطر، وافتعلت القصص ضد هذه الدول وبالغت في القصص الأخرى! ومنذ سنوات بسيطة، رجعت المياه إلى مجاريها وتبودلت الزيارات مرة أخرى بين الأشقاء المتخاصمين، ورجعت قناة الجزيرة لتذكر محاسن الدول التي قاطعت قطر وأن هذا شيء يحدث دائما بين الأشقاء. وكذلك فعلت أجهزة الإعلام في مصر، ولحست كل الهجوم السابق على قطر وحكامها، وأن “أحنا مالناش إلا بعض”ده” حتى مصارين البطن بتتخانق مع بعض”!!
وأشفق الكثيرون وأنا منهم على مقدرة قطر، تلك الدولة الصغيرة مساحة والقليلة في عدد السكان، على تنظيم حدث بهذا الضخامة يعتبر أهم حدث رياضي في العالم ويتابعه بلايين البشر, وكنا نخشى أن مدرجات الملاعب سوف تكون خاوية أو على أفضل الأحوال نصف ممتلئة، وكيف سوف تستطيع قطر تحمل عبء ما يقرب من مليون مشاهد من مختلف القارات من حيث أقامتهم وتغذيتهم وإنتقالاتهم وعلاجهم و… و…
ولكن ما شاهدناه في قطر في الأسبوعين الماضيين من حيث امتياز وروعة التنظيم بشهادة الجميع، وإمتلاء المدرجات عن آخرها تقريبا في كل المباريات، وعدم حدوث حوادث شغب داخل أو خارج المدرجات، كل هذا يضاف إلى رصيد قطر… والكثير يعتقد أن الموضوع هو أن قطر لديها فوائض بترولية كثيرة وأنها صرفت مليارات الدولارات على هذا البطولة (يقال أنها صرفت 220 مليار دولار). وتواجد الفائض النقدي للصرف على تنظيم تلك البطولة عامل رئيسي بالطبع، ولكنه غير كاف. والأهم في تقديري هو أن “تعطي العيش لخبازه” وهذا ما فعلته قطر، إذ قامت بتعيين أفضل المهندسين في العالم للتخطيط وتصميم الملاعب وغيرها من التسهيلات، وقامت بتعيين أفضل مقاولين في عالم البناء، وقامت بتصميم وتنفيذ واحد من أفضل مطارات العالم لاستقبال الزوار. تنظيم البطولة حتى الآن يعتبر فخرا لدولة قطر الصغيرة، وأيضا فخرا للمهندسين والعمال العرب والأجانب الذين شاركوا في نجاح تلك البطولة.
والبطولة كما رأينا كانت حافلة بالمفاجآت أكثر من أي بطولة أخرى: بدايةً، هزمت السعودية الأرجنتين. وتوالت المفاجآت بعد ذلك فقامت اليابان بهزيمة كل ألمانيا وإسبانيا وقامت المغرب بهزيمة بلجيكا وإسبانيا وقامت تونس بهزيمة فرنسا وقامت الكاميرون بهزيمة البرازيل وقامت كوريا الجنوبية بهزيمة البرتغال ولا تزال المفاجآت قادمة.
ومن المباريات التي كنت قلقا منها مباراة أمريكا وإيران نظرا للعداء السياسي بين الدولتين حيث أن السياسة الأمريكية تعتبر إيران راعيا للتطرف والإرهاب وتسعى للحصول على قنبلة ذرية لتهديد العالم. كما أن السياسة الإيرانية تعتبر أن أمريكا هي الشيطان الأعظم، حتى أن جريدة إيران الرسمية في أعقاب هزيمة إيران في مباراتها الأولى 6\2 أمام إنجلترا كان عنوانها الرئيسي: إيران 2 إنجلترا وأمريكا وإسرائيل 6 !! ، ولكن ما حدث في المباراة كان شيئا جميلا، حيث وجدت أن اللاعبين الأمريكان والإيرانيين يساعدون بعضهم البعض للقيام بعد سقوط أحدهم. وفي نهاية المباراة، وجدت اللاعبين من الفريقين يحضنون أعضاء الفريق الآخر وكأنهم أصدقاء، وفي المدرجات لم يحدث أي شغب أو تشابك بين مشجعي أمريكا وإيران.
ورأيت أن السلام والمحبة ممكنة رغم الإختلاف. لديك مئات الألاف من المشجعين من كل لون ودين وجنسية يشجعون بلدانهم بحماس وجنون بدون التعرض للمشجعين المنافسين، وأيضا شيء جميل أن تجد فرقا مثل إنجلترا وفرنسا والعديد من لاعبيها من أصول أفريقية، حتى أني ذكرت عند فوز فرنسا بكأس العالم في روسيا عام 2018 أن فرنسا هي أول فريق أفريقي يفوز بكأس العالم حيث أن أغلبية لاعبي فرنسا كانوا من أصول أفريقية. وهذا شيء لا يعيب فرنسا في شيء، بل على العكس يزيد من إحترامي لفرنسا، تلك الدولة التي أحتضنت المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط وجعلتهم يمثلون فرنسا في أهم البطولات العالمية. وفي هذا درس بليغ لكل الإتجاهات اليمينية المتطرفة سواء في فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا التي تهاجم المهاجرين، لكي يعلموا بأن الأرض وما عليها ملك للبشرية جميعا بشرط أن يحترم الزوار صاحب البيت وأن يحترموا تقاليده بل عليهم أن يصبحوا قريبا من أصحاب البيت كما رأينا إنجلترا تختار رئيس وزراء من أصول هندية.
!ولقد حزنت كثيرا لأن روسيا وأوكرانيا لم يشتركا في كاس العالم 2022 في قطر. وكان بودي أن تتم مباراة بين الفريقين خارج إطار المسابقة والفائز فيها يستولي على شبه جزيرة القرم وباقي الأراضي الأكرانية المحتلة، بدون إراقة آلاف الدماء من المدنيين والعسكريين.
وبهذا نحل مشاكل العالم في ملعب كرة القدم. أمريكا فازت على إيران لهذا يجب على إيران إتباع قواعد القانون الدولي فيما يتعلق بالمفاعلات الذرية بدون مقاطعة وبدون أي مشاكل. وممكن تطبيق نفس الشيء على مشكلة فلسطين!!
فعلاً يا ريت كل مشاكلنا الدولية يتم حلها باللعب وليس بالحرب والموت والدمار والانهيار الاقتصادي والخسائر التي يعاني منها العالم كله.