“.. لقد استخدم فقهاؤنا التعبيرَين الوهمييَّن `تطبيق الإسلام` و`الحفاظ على النظام` لإخفاء أصالة القانون وحقوق الأمة باعتبارها مصدرا للقانون…”
شفاف- خاص
لا مكان لأي نوع من الحجب أو الرضا…
لقد ثار بعض فقهاء جمهورية إيران الإسلامية على القانون…
دخل هؤلاء في صراع قوي ضد حقوق الأمة التي يقع على عاتقها إصدار القانون.
إنهم يعودون إلى حقبة ما قبل “المشروطه” (الثورة الدستورية للعام 1905) وإلى عصر “القاجار”، وهي الفترة التي تم فيها باسم الدين معارضة القانون.
لماذا يحدث ذلك، وما سبب هذه العودة إلى الماضي؟
السبب هو أن هؤلاء الفقهاء لا يعلمون ما هو القانون، ولا حقوق الأمة، ولا يعرفون علم القانون ولا علم السياسة (وهما الأساس لممارسة الحكم في العصر الحالي)، وهم غير مستعدين للاستماع إلى أهل المعرفة.
هؤلاء الفقهاء، والذين يحملون ألقابا وهمية، منشغلون فقط بالحجج الفقهية التي ليس لها أسس عقلية ولا أسس منطقية…
ففي مجال الإستدلالات الفقهية، لا معنى لعلم القانون وعلم السياسة. في حين أن حقوق الأمة هي أساس وجود القانون.
هذه المفاهيم تُعتبر “غريبة وخطيرة” هناك، بحيث إذا دخَلَت في مجال الإستدلالات الفقهية ستفكّك الفقه من الداخل وستحلّ محله…
يدرك الفقهاء هذا الخطر جيدًا، ويشعرون اليوم أن التطورات الاجتماعية والسياسية الأخيرة للشعب الإيراني والمطالبة بسيادة القانون وحقوق الأمة، ستؤدي إلى انهيار شرعية حججهم الفقهية في مجال السياسة والحكم.
إن الضجة التي أثيرت مؤخرًا في المشهد السياسي الإيراني بشأن “تطبيق الإسلام” بدلاً من “تطبيق القانون”، ترتبط بنقص المعلومات والشعور بالخطر لدى هؤلاء الفقهاء أكثر من ارتباطها بسعيهم خلف السلطة.
إن معنى تطبيق القانون من قبل السلطة التنفيذية واضح كذلك.
للقانون معنى محدد وواضح. فهو المادة المحددة والمكتوبة التي يتم إقرارها في البرلمان.
إن معنى تطبيق القانون من قبل السلطة التنفيذية واضح كذلك.
لكن مصطلح “تطبيق الإسلام” له معنى غامض للغاية وغير واضح وفوضوي.
إذ يمكن القيام بمئات الأعمال ضد القانون وضد حقوق الأمة تحت غطاء هذا التفسير المربك وغير المفهوم.
إضافة إلى أن “تطبيق الإسلام” هو دائمًا بمعنى تطبيق أو تنفيذ فتوى أو رأي ديني صادر عن شخص معين أو أشخاص معينين، وما يحدث في الممارسة هو تنفيذ فتوى أو رأي شخص معين، وليس تطبيقا أو تنفيذا للإسلام كدين…
إن عبارة “تطبيق الإسلام” تعكس “تفسيرا وهميا”.
بمعنى أنه عندما يقال إن الإسلام تم تطبيقه، تتم الإشارة إلى واقعة لم تحدث بالفعل، وهذا هو معنى الوهم!
إن تعبير “الحفاظ على النظام” الذي يستخدمه هؤلاء السادة بانتظام، كتعبير “تطبيق الإسلام”، هو أيضا له معنى غامض ومشوش وغير مفهوم، وهو كذلك تفسير وهمي.
في بلد حدّد فيه الدستور واجبات جميع النشطاء السياسيين، لا ينبغي القيام بأي عمل سياسي خارج إطار الدستور. لذا فإن الادعاء بوجود عمل سياسي آخر يسمى “الحفاظ على النظام” هو ليس سوى وهم آخر.
لقد استخدم فقهاؤنا التفسيرين الوهميين: “تطبيق الإسلام” و”الحفاظ على النظام”، لإخفاء أصالة القانون وحقوق الأمة كمصدر للقانون.
على ما يبدو، فإن الصراع والازدواجية الرئيسية في جمهورية إيران الإسلامية تكمن في الصراع بين التفكير الفقهي والتفكير القانوني في ساحة السياسة والحكم.
في عصرنا الحالي، لا يمكن الجمع بين هاتين الفكرتين مع بعضهما البعض في ساحة السياسة والحكم الرشيد.
وإذا أردنا عدم العودة إلى العصر “القاجاري”، فينبغي التخلي عن التفكير الفقهي لصالح التفكير الحقوقي.
ترجمة “شفاف” نقلاً عن موقع محمد مجتهد شبستري
* ولد “محمد مجتهد شبستري” في مدينة تبريز الايرانية سنة 1936 ثم التحق بالحوزة العلمية في مدينة قم لدراسة العلوم الشرعية التقليدية في مدارسها. في قم كان من تلاميذ الخميني، وتأثر بافكار الخميني الثورية والتي تنادي بنزول الفكر الاسلامي الى الساحة السياسية واصبح فيما بعد من انصار الثورة الاسلامية في ايران. عاش الشبستري فترة من الزمن في المانيا في مدينة هامبورغ حيث كان مسؤولا عن جامع الامام علي وعاد منها الى ايران بعد سقوط نظام الشاه. انتخب سنة 1979 نائبا في البرلمان الايراني ولكنه سرعان ما اعتزل العمل السياسي لصالح الدراسة والتدريس الاكاديمي, وانتقل من كونه مدافعا عن الثورة الاسلامية الى منتقدا لبعض الممارسات والافكار التي كان يدافع عنها. يشغل الان منصب استاذ الفلسفة في كلية اصول الدين في جامعة طهران.