منذ أن اتهم القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي وقائد القوة البحرية للحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري، المملكة العربية السعودية بالتدخل في شؤون إيران الداخلية وفي احتجاجات الشارع الإيراني التي تتهيأ للدخول في أسبوعها السابع، وبعد وقوع عملية “شاه جراق” المسلحة في مدينة “شيراز” التي تبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وسقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى، فإن تصعيدا في الموقف الإيراني تجاه السعودية يبدو متوقعا. وقد يكون تصعيدا سياسيا وأمنيا.
دعا سلامي الحكومة السعودية إلى ترك ما وصفه بـ”اللعبة الإعلامية مع الشباب والشعب الإيراني”، مؤكدا: “نحذّرهم في هذا الصدد”، إذ اتهم السعودية بأنها “من خلال وسائل الإعلام تروّج للأعمال الشريرة”، في إشارة إلى الاحتجاجات.
كما دعا تنكسيري السعودية إلى وقف التحريض الذي تبثه وسائل الإعلام التابعة للمملكة ضد إيران.
وتتهم إيران السعودية بتمويل “قناة إيران إنترنشنال” الناطقة بالفارسية ومقرها لندن. وتقوم القناة بتغطية واسعة للشأن الإيراني والاحتجاجات، وتصفها السلطات الإيرانية بأنها “مصدر فتنة”، وتتهمها بـ”تأليب الشارع” ضد النظام.
أما “داعش” فهو، حسب الزعم الإيراني الرسمي وكذلك غير الرسمي، تنظيم وهابي تكفيري تقف خلفه المخابرات السعودية وتوظفه “لدعم الحركة العربية المعارضة المسلحة في إقليم خوزستان في جنوب إيران”، وفي “زعزعة الاستقرار في كامل إيران”.
وفيما تبنت داعش عملية “شيراز”، فإن طهران على استعداد لاتهام المخابرات السعودية بالوقوف وراء العملية إن استدعت المصلحة السياسية والأمنية للنظام الإيراني ذلك.
وكانت صحيفة “كيهان” الإيرانية المتشددة، التي تخضع بشكل شبه مطلق لمكتب مرشد الثورة الذي يسيطر عليه مجتبى خامنئي نجل المرشد، اتهمت السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بالضلوع في “أعمال الشغب” في إيران، في إشارة إلى الاحتجاجات.
ودعت في افتتاحية لها بقلم مديرها حسين شريعتمداري إلى معاقبة السعودية بعدما اتهمها بـ”توظيف جميع قدراتها الإعلامية لإثارة الشغب ودفع مستحقات العناصر الرئيسة للشغب بالريال والدولار وإنتاج الأخبار الكاذبة والفيديوهات المزورة وتدريب المشاغبين على إنتاج القنابل اليدوية”، على حد تعبيره.
ودعا شريعتمداري إلى “تلقين ولي العهد السعودي درسا صعبا”، وكتب: “عليه أن يعلم أنه يعيش في قصر زجاجي”، مضيفا أن استهدافه “يمكن بسهولة”.
كما قال وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي إن “بعض الضالعين في أعمال الشغب الأخيرة في البلاد قد تلقوا تدريبات في الخارج وكانت الأموال تُرسل إليهم من الخارج باستمرار (في إشارة إلى السعودية)”. مشيرا إلى “دور الإعلام المعادي (قناة “إيران إنترنشنال”) في أعمال الشغب في البلاد”.
وإذا ما تم الربط بين تصاعد احتجاجات الشعب الإيراني وبين بعض الأحداث الداخلية في إيران على اعتبار أن هذه الأحداث جزء من سيناريو مخطط له للتأثير في نسق الاحتجاجات ومواجهة تصاعدها، بداية من استهداف الحرس الثوري بالصواريخ مواقع كردية معارضة في شمال العراق خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات بادّعاء أن الجماعات الكردية هناك، وخاصة حزب “الكومُلَه” اليساري، تشارك في الاحتجاجات وتساهم في تأجيج الأوضاع في المدن الكردية الإيرانية.
ثم مرورا بأحداث حرق “سجن ايفين” سيّء السمعة في طهران والذي يحتضن قيادات كثيرة من المعارضة السياسية وآلافا من المحتجين. وانتهاء بالعملية المسلحة في “شاه جراق” في شيراز.
يمكن إثر ذلك كله استنتاج أن النظام لن يمانع من تفجير أحداث وخلق نزاعات، حتى لو كان البعض منها نزاعات خارجية وضد بعض دول المنطقة، من أجل التأثير في الاحتجاجات. أو بعبارة أخرى، فإن تصدير النظام الإيراني أزمته مع شعبه إلى الخارج، هو أحد حلوله الأساسية في مواجهة الاحتجاجات.
وحسب بعض المراقبين، فإن التصعيد الإيراني ضد السعودية لن يقف طويلا في محطة ما يسمى بدعم “قناة إيران إنترنشنال”، وإنما سيتجاوزها نحو خلق محطة جديدة أو بؤرة توتر خارجية بزعم وقوف الرياض خلف سياسات “داعش” داخل إيران، الأمر الذي يعزّز التوقعات بوجود سيناريو ضد السعودية في إطار مخطط يهدف إلى التأثير في زخم الاحتجاجات.
فهل تفعلها إيران؟
يقول المفكر الإيراني المعارض كريم سجادبور في هذا الصدد إن نقاط الضعف الداخلية التي يعاني منها النظام الإيراني جرّاء الاحتجاجات، إضافة إلى الصدع في العلاقات الأمريكية-السعودية بسبب الخلاف حول إنتاج النفط، يعزّز من فرص وقوع هجوم صاروخي إيراني على منشآت النفط السعودية، مؤكدا أن أحد الأسباب التي ترفع من وتيرة هذه الفرص هو “قناة إيران إنترنشنال”.
وأضاف سجادبور: “أنا لا أفسر تصريحات سلامي على أنها تهديدات خاملة، بل يتوجب الانتباه إليها. لقد أخبرني مسؤول خليجي كبير أنه خلال المحادثات السعودية الإيرانية في العراق، والتي لم ينتج عنها سوى القليل، طالبت طهران (من دون جدوى) بأن تغلق الرياض أبوابها امام قناة إيران انترنشنال لتحقيق تقدم في الخلافات الأخرى مثل الحرب في اليمن”.
وقال سجادبور إن إيران قد تخطئ في تقدير الخلاف الحالي بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن إنتاج النفط، فمن غير المحتمل أن ترفض الولايات المتحدة الدفاع عن السعودية ضد أي هجوم إيراني”.
ويتفق كثير من محللي الشأن الايراني من الغربيين مع ما يقوله سجادبور، لكنهم يؤكدون بأن لا حل أمام إيران راهنا سوى تصدير أزمتها إلى الخارج.
ويقول توماس جونو، وهو زميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات: “هذا السيناريو مثير للقلق، فإيران تحاول في كثير من الأحيان تشتيت المشاكل الداخلية عن طريق تغذية سردية الصراع الخارجي. إيران تفضّل تأجيج الانقسامات بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين”.
ويقول إميل حكيم، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بأنه “على الرغم من كل الحديث عن خفض التصعيد الإقليمي، فإن احتمالية هجوم إيراني آخر على المملكة العربية السعودية آخذة في الازدياد”.
أما مايكل نايتس، وهو زميل في معهد واشنطن، فيقول بأن الكثير من المؤشرات تؤكد على أن إيران ستصدّر أزمتها نحو السعودية، مشيرا أن ذلك مرتبط بالانجذاب الأمريكي لأسعار النفط.
وربما ليس من قبيل الصدفة – كما يقول فرزين نديمي من معهد واشنطن – أن يكون شركاء إيران من ميليشيات الحوثي في اليمن قد أعلنوا في 2 أكتوبر أنهم لن يجددوا الهدنة مع التحالف بقيادة السعودية. وبعد أن حذروا شركات النفط والشحن الأجنبية لمغادرة المنطقة، هددوا باستئناف الهجمات على المطارات والمرافئ ومنشآت الطاقة. وكما حدث في الماضي، فإن احتمال شن ضربات مماثلة يمنح طهران فرصة كبيرة إما لشن ضربات من داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو إنكار تنفيذها بشكل معقول إذا شنتها من داخل إيران أو من أي منطقة أخرى.