كانت الاستعدادات للاحتفال بولادة الحكومة قاب قوسين أو أدنى من اعلان ساعة الصفر. وكانت السير الذاتية للموعودين بدخول الجنة الوزارية قيد الاعداد. وكانت وسائل الاعلام ناصبة خيامها في القصر الجمهوري للمواكبة.
فجأةً عادت الأمور الى نقطة الصفر. وعاد اللبنانيون الى خوفهم من انهيار المنظومة الهشّة التي لا يأملون منها العجائب. فأقصى المرتجى بعض الأمان الاقتصادي الذي يعينهم على وقف الانزلاق الى الانهيار الكبير.
فجأةً انقلبت الصورة. عادت الى “Negative”، بكل ما في الترجمة الحرفية للكلمة من ضياع.
“Negative” في الألوان، وفي المعنى العميق للاشكال الضبابية التي تعكس مزيداً من الانكسارت المطلوبة لتدعيم مداميك الوصاية الإيرانية على لبنان، ولا استعجال لتظهير الصورة. فلنبقَ في طغيان الأسوَد حتى يتم تعديل التظهير وفق التطورات الإقليمية المفيدة.
تالياً، ليس دقيقاً ما قاله نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم من أن “تشكيل الحكومة سيكون في المستقبل الذي لا نعرف إن كان قريباً أو بعيداً”، وأن “الحكومة مطلب للناس وحاجة حقيقية ولا يمكن أن يمشي هذا البلد ولا أن يستقر على المستوى الإنمائي والاجتماعي ولا يمكن أن تعالج القضايا الاقتصادية إلا إذا كانت هناك حكومة، وبالتالي نتمنى أن تفك العقد، ونصل إلى النتيجة المطلوبة”.
هذا القول مكانه في الـ”Negative”، لكن تظهير الصورة يؤكد من جديد، ولمن لا يريد ان يرى او لمن قرر الاستسلام لما يرى، ان “حزب الله” هو من يحدد مستقبل تشكيل الحكومة ويعرف موعد الافراج عن ولادتها لتساهم في تشكيل البلد على قياس مصالح وصايته الإيرانية بمعزل عن مطلب الناس واستقرار البلد واقتصاده، ولا تهمّه الا نتيجته المطلوبة بالصيغة المناسبة لمشاريعه. وهو على استعداد لنسف كل المفاوضات التي اجراها الرئيس المكلف سعد الحريري، ما دامت الإمكانات ملكه.
تظهير الصورة يبين العمل على مدّ الجسور لعودة النظام الأسدي الذي لا يخجل، وعلى تلميع صورته ليكون من ضمن الأذرع الإيرانية العابثة بالسيادة، وعلى تمكينه من الاستمرار في ابتزازنا بمعبر نصيب وبعودة اللاجئين وببيعنا الطاقة الكهربائية وغير ذلك.
… مع ان معابرنا مفتوحة لنفيه شعبه، حمايةً لبقائه ووصولاً الى التغيير الديموغرافي الذي يسعى اليه خدمةً للوصاية الإيرانية.
في الحقيبة انتهاز فرصة سمحت بمزيد من التدجين لجهة تطبيع العلاقات مع هذا النظام على مبدأ “كلّهم يعني كلهم”. فالتمايز ممنوع والطاعة العمياء هي وحدها المسموح بها.
وإلى أن تتظهّر الصورة، يجيّرون سبب التعقيدات الطارئة على تشكيل الحكومة، الى حقيبة. الأمر منطقي اذا فهمنا عمق الـ”Negative”.
ليست فقط وزارة العدل بالتأكيد. وليس إصرار رئيس الجمهورية على هذه الوزارة تحديداً لأنه يريد صون القوانين ومكافحة الفساد.
فتطبيق القوانين هو ما يصونها، وأولها تطبيق حصرية السلاح في يد الدولة، وليس الترويج لسلاح من خارجها، يخوض حروب إيران في سوريا والعراق والأردن، ويسيطر أصحابه على القرار الوطني ويوزعون الأدوار على اللاعبين الصغار شرط عدم تجاوز أدوارهم.
وثانيها عدم العودة الى سلطنة تسمح لعائلة اقطاعية تولي التحكم بالبلاد والعباد على ان تؤمّن للباب العالي مكاسبه مقابل تطويعها القوانين لتستفرد بالسلطة، مستندةً الى حماية الوالي.
وثالثها احترام حرية التعبير التي يكفلها الدستور، وليس قمعها وسوق من ينتقد الحاكم بأمره الى العدلية التي يجب ان تبقى من حصة الرئيس.
هناك رابع وخامس وعاشر.
لا تنتهي لائحة انتهاك القوانين.
وليس فقط حق تمثيل “سنّة 8 آذار” أو السريان أو العلويين في الحكومة، وليس “تكسير رأس” “القوات اللبنانية” أو “تيار المردة” في معركة احتكار الطائفة وإقصاء المنافسين تمهيداً لإلغائهم .
وليست فقط مجموعة العقد الداخلية في الصراع المفتوح على المكاسب، وليس فقط تكريس الدولة الغنائمية الممسوكة بعصا المايسترو الأعظم يعطي من يشاء ويحجب عمن يشاء.
في الحقيبة مشروعٌ متكامل يتسلل ويدعم مداميكه ليبسط سيطرته السياسية بعد فرضه سيطرته الأمنية.
بعد امساكه برئاسة الجمهورية والأكثرية النيابية، يعمل حالياً على الإمساك بالحكومة من بابها الى محرابها، ناسفاً تسويات المحاصصة، معتبراً ان جرائم قوم عند قوم فوائد ومكتسبات.
باختصار، ثمة في الحقيبة وطنٌ معتقل.
sanaa.aljack@gmail.com