نظرًا لعدم إتاحة الأرشيفات الرسمية في البلاد العربية لعامّة المهتمّين ولأسباب لا قد تخفى على القارئ النبيه، بدءًا من خشية افتضاح سلوكيات مسؤولين وقيادات من وراء الكواليس في هذه الدول العربية التي لم تعرف في تاريخها مبدأ مصارحة الشعوب التي تزعم قيادته وتمثيله، وانتهاءً بافتضاح أمور شخصية يحاول هؤلاء إخفاءها عن العامّة.
إذن، والحال هذه، فما على الباحث عن بعض تلك الجوانب وخفاياها والوقوف على حقائق خفيت عن ناظريه سوى الذهاب إلى أرشيفات الآخرين الذين كانوا على مرّ التاريخ على صلة بهذه البلدان.فها أنذا أقدّم للقارئ العربي بعامّة، واللبناني على وجه الخصوص، هذه الوثيقة الإسرائيلية التي قد تكشف أمورًا لم تصل إلى أسماع هؤلاء من قبل.
وأخيرًا، ملاحظة لا بدّ منها:
من الجدير النظر إلى ما يرد في هذه الوثائق بحذر لأنّها تأتي من طرف واحد، ولأجل التحقّق أكثر من الأمر هنالك حاجة للوقوف على أرشيفات الأشخاص المذكورين (إن وجدت أصلًا) لتصديق الأمور أو دحضها.
الوثيقة مكتوبة باللغة العبرية، أرسلها المندوب الإسرائيلي من بيروت.
جدير بالتنويه أيضًا إلى ما يبدو أنّه خطأ في الوثيقة، حيث ورد في الأصل بعد اسم شارل خوري المكتوب بحروف لاتينية وبين قوسين التعبير (شيعي). يبدو أن كاتب الوثيقة كان يقصد بوضع التعبير (شيعي) بعد اسم كامل الأسعد. فمن غير المعقول أن المندوب الإسرائيلي الذي دُعي لوجبة غداء عند مساعد رئيس البرلمان ويقوم بتدوين ما جرى بينهما من حديث ويكتب اسمه بالحروف اللاتينية لا يعرف ذلك. فعلى ما يبدو فإنّ هذا الخطأ قد وقع سهوًا.
كما تجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ المقصود بـ”فؤاد” الذي يرد اسمه في الوثيقة هو بنيامين بن-إليعيزر والذي كان أشغل منصب ضابط الارتباط مع القوات اللبنانية في ذلك الأوان.
ولقد وضعت هنا ترجمة عربية لها لمزيد الفائدة.
***
دولة إسرائيل
وزارة الخارجية
القدس
بيروت، 8 مايو 1983
سرّي
”إلى: المدير العام…..
من: يتسحاق ليؤور، بيروت
بواسطة سامي الشدياق دعاني اليوم للغداء شارل خوري (شيعي)، مساعد رئيس البرلمان كامل الأسعد. وروى لي ما يلي:
1. لقد أرسله كامل الأسعد إليّ شخصيًّا لأجل ”تحضير الأرضية لعقد لقاء بينه وبينك“. إنّه غير معنيّ بلقاءات مع عسكريّين أو رجال استخبارات. (على ما يبدو إشارة إلى محاولات البريغادير مئير دغان الالتقاء به).
2. سألته ماذا يقصد بالقول ”تحضير الأرضية“. فكان جواب شارل أنّ لدى كامل الأسعد شعورًا بأنّ الأجواء بينه وبين إسرائيل ليست إيجابية. هنالك انعدام ثقة وسوء فهم بين الطرفين. لذلك من المفضّل توضيح عدّة أمور مسبقًا.
3. بحسب أقواله كان كامل الأسعد بين الأوائل الذين طالبوا في 1976 بإجراء مباحثات مع إسرائيل في الوقت الذي كان فيه حتّى كميل شمعون معارضًا لذلك. لقد كان يدعم باستمرار بشير والذي كان رجلنا. لقد حاول حينئذ أن ينضمّ إلى حلقة أصدقائنا (إبّان فترة فؤاد)* غير أنّ شمعون منعه من ذلك. بين السنوات 1977-1979 كانت لدى كامل الأسعد علاقات مع السوريين لكن ليس على حسابنا. بعد مقتل بشير سأل ”ماريون“ بواسطة شارل خوري بمن نحن معنيّون أن يكون رئيسًا للحكومة، غير أنّه لم يحصل على إجابة. في الآونة الأخيرة أطلق في فاس عدة تصريحات لم تُفهم من طرفنا بصورة صحيحة، لأنّها أُخرجت من سياقها. في نهاية المطاف كامل الأسعد هو صديق، وشخصية إيجابية من ناحيتنا. وهو شجاع في اتخاذ مواقف، وهو ممن ”يمكن عقد صفقات معه“ في كلّ ما يتعلّق بالبرلمان، بالترتيبات في جنوب لبنان وبالطائفة الشيعية. ففي جلسة البرلمان الأخيرة (المُغلَقَة) قال كامل الأسعد بصورة لا تقبل التأويل إنّ على لبنان الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل.
4. لدى كامل الأسعد إحساس بأنّه ليس فقط أنّنا لا نفهم مقاصده وإنّما أيضًا نضرّ به في الجنوب. أنّنا ندعم منافسيه (ذكر شارل مثلًا، قريب عائلته علي الأسعد من قرية الطيبة)، كما وتعرّض سكرتيره الشخصي في الغازية (قريبًا من صيدا) للضرب من قِبَل جماعة ”أمل“. يعتقد كامل الأسعد أنّ علينا أن نثبت عمليًّا في الميدان تغيير هذه الأمور قبل أن ينعقد اللقاء.
5. قلت لشارل فورًا إنّي لا أعتقد أنّ هذه هي الطريق لتحسين الأجواء. على العكس، بافتراض – ولسنا شركاء بهذا – أنّ الأجواء معتكرة، فإنّي إن أرسلت للبلاد شروطًا مسبقة كهذه، فإنّ الأمور ستزداد تعكيرًا، وأضفت أنّه بخصوص الموضوع فليس لدينا شيء ضدّ كامل الأسعد الذي نعرفه ونكنّ له الاحترام. لست على علم بتفاصيل الأحداث التي ذكرها، غير أنّني أستطيع القول بثقة تامّة إنّه إن كانت قد حصلت فعلًا فهي لم تكن موجّهة ضدّ كامل الأسعد بالمرّة. وبالتأكيد لن يشعر كامل الأسعد بالارتياح إذا ما وضعنا نحن من جانبنا شروطًا مسبقة للقاء. فأقترح لملمة هذه ”المقدمة“وعدم طرحها بعد هذا الحديث بيننا.
6. لقد وعد شارل بنقل هذه الأقوال بروح طيبة إلى كامل الأسعد. كما قد طرح قضية أخرى. فعلى حدّ قوله، قبل 4 شهور ظهر لدى كامل الأسعد شخص غير معروف واسمه عادل مراد من بلدة عيترون في الجنوب وروى أنّّه قد وصل إلى بيروت في مروحيّة بوصفه موفدًا من قِبَل جهة إسرائيلية سائلًا إن كان كامل الأسعد على استعداد للالتقاء برئيس الكنيست. حسبما قال شارل لقد كان هذا مسًّا بكرامة كامل الأسعد، إذ بوسع إسرائيل إيجاد طرق لائقة للاتصال به. أجبت أنّي لا أعلم شيئًا عن هذه الجهة الإسرائيلية وهذا الحدث، غير أنّنا من طرفنا إذا ما تمّ اللقاء فسنقوم بكلّ الترتيبات اللائقة التي تروق للطرفين.
7. كما أضفت من أنّك سترحّب بمبادرة كامل الأسعد إذ إنّ اللقاء المقترح، في خضمّ عملية ستحدّد بمدى كبير مستقبل العلاقات بين لبنان وإسرائيل، بوسعه أن يساهم في التفاهم المتبادل. لقد قلت له إنّه عندما نسمع عن الموعد المقترح سأكون سعيدًا بنقله إليك، وبعدئذ نتّفق على مسألة مكان اللقاء.
8. سيتحدّث شارل مع كامل الأسعد وسيعود ويخبرني.“
مع التحية
يتسحاق ليؤور
يقول الصديق محمد شريم أن “شارل خوري” كان فعلاً السكرتير الخاص للرئيس كامل الأسعد بصفته موظفاً حكومياً، وهو “روم أرثوذكس” وليس “شيعي” من “مرجعيون”! أما السيد علي مراد فهو، وقبله والده، كان “المفتاح الإنتخابي للأسعديين” في “عيترون”! يضيف أن موقف الرئيس الأسعد من الإسرائيليين كان نوعاً من “التقية السياسية” لحماية شيعة الجنوب الذين كانت تمثّلهم الزعامة الأسعدية في حينه! يضيف أن الرئيس الأسعد رفض لقاء غازي كنعان (أي المخابرات) وعبد الحليم خدام، سوى انه كان مستعداً للقاء حافظ الأسد إذا تلقى دعوة منه!
كل وثيقة تاريخية تستحق النشر، ولهذا نشرنا هذه الوثيقة الإسرائيلية، المترجمة، التي كُتِبَت منذ ٤٠ سنة! وذلك رغم ما يبدو أنه أخطاء في الأسماء (مثل « شارل خوري » شيعي!) قرّرنا عدم تصحيحها. من جهة أخرى، نحن نعتبر الرئيس كامل الأسعد (مثل خلفِهِ الرئيس حسين الحسيني، ومثل الرئيس صبري حمادة) شخصية « لبنانية » أي شخصية « وطنية »! فهو لم يكسر ظهره أمام شاه إيران المعمّم، ولم يتزلّف لحافظ الأسد. ولم يتعاطى بالإغتيالات، ولم يتآمر على الدولة اللبنانية! كامل الأسد « سياسي لبناني » لا نشك بوطنيته، مشكلته مثل اللبنانيين جميعاً أنه كان ضد الاحتلالات السورية والفلسطينية والإسرائيلية والإيرانية.. وخسر! مثل الرئيس الحسيني، قرّر حافظ الأسد، والاحتلال… Read more »