دخول “هيئة العلماء المسلمين” على خط الوساطة مع خاطفي عسكريي الجيش اللبناني ليس مستساغاً من قبل فريق 8 آذار، الذي يقوده حزب الله. وهذا الرفض تشير إليه مصادر الهيئة على أنّه معوّق رئيسيّ لتلبية نداء أهالي العسكريين. أولئك الذين طالبوها بالقيام بوساطة مع الجهات الخاطفة، عبر تفوض رسمي للهيئة من قبل الحكومة.
وهذا ما شدّد عليه النائب وليد جنبلاط حين ذكّر بإطلاق النار الذي تعرّض له رئيس الهيئة الشيخ سالم الرافعي قبل أشهر في عرسال. رفض قوى 8 آذار لدور الهيئة، من حيث المبدأ، أسبابه تتّصل بالأحداث التي شهدتها عرسال قبل أشهر قليلة، على ما تؤكّد مصادر متابعة في 8 آذار: “الهيئة ليست وسيطاً نزيهاً، بل هي طرف منحاز إلى جهة الخاطفين، وهذا ما كشفته التطوّرات خلال مواجهات عسكرية بين الجيش والمسلّحين في عرسال ومحيطها”.
وقبل أن يتّضح مصير التفويض الرسمي هذا، جرى أمس إخلاء سبيل زوجة القيادي في تنظيم “داعش”، أبو علي الشيشاني، واسمها علا العقيلي. وقد تسلّمها الأمن العام وأصدرت المحكمة العسكرية مذكّرة توقيف بحقّ طليقة زعيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، واسمها سجى الدليمي. لكنّ إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ الدليمي والعقيلي ما زالتا موقوفتين لدى الأمن العام اللبناني ناقض قرار القاضي صقر صقر، ما عكس حالة إرباك على المستوى الرسمي اللبناني. علما أنّ خطوة الإفراج (المبدئية) أتت كاستجابة (مبدئية) لمطلب “جبهة النصرة”، ولشرط كانت وضعته “هيئة العلماء” من أجل البدء باتصالاتها مع الخاطفين، إضافة إلى شرط تكليفها رسمياً من قبل الحكومة.
إذاً توقيف الدليمي ليس خطوة سلبية، بحسب مصادر “هيئة العلماء”، التي برّرتها بأنّها ضرورية وتمهّد لعملية إطلاقها خلال أيّام. في هذه الأثناء تعيش بلدة عرسال حالة حصار فعلي وغير معلن. في ظلّ صمت رسمي.
أما أهالي العسكريين فيعلمون أنّ هناك انقساماً داخل الحكومة حول مقاربة قضية أبنائهم، ويسمعون من الوزير الجنبلاطي وائل أبو فاعور ما لا يريدون تصديقه عن انقسام بين اتجاهين. الأوّل يريد المقايضة في أسرع وقت ممكن، يمثّله النائب وليد جنبلاط بشكل صريح عبّر عنه خلال زيارته الأهالي في مكان اعتصامهم أمس. والاتّجاه الثاني يرفض هذا الأسلوب، كما يرفض استبعاد أيّ خيار يحرّر العسكريين… وهذا الاتجاه يمثّله اللواء عباس ابراهيم.
على أنّ ما زاد من قلق الأهالي المتعلّقين بحبال الأمل هو إعلان دولة قطر رسمياً انسحابها من الوساطة. وهو انسحاب تحيله مصادر متابعة إلى أنّ القطريين لمسوا صعوبات تتجاوز قدراتهم على حلّها. والصعوبة تكمن في أنّ الأزمة دخلت في نفق إقليمي، تتقاطع داخله حسابات ومصالح ترتبط بالصراع القائم في سورية. وقطر ليست طرفاً محايداً في هذا الصراع. ولا يمكن لمثل هذه الأزمة أن تفرض عليها خيارات سياسية وأمنية ترفضها. وبحسب المصادر نفسها، فإنّ القطريين باتوا بين خيار فشلهم المحتوم، وبين فتح قنوات التواصل مع النظام السوري. إزاء هذه المعادلة، المترافقة مع رفض الحكومة اللبنانية تلبية مطالب الخاطفين، خرج الوسيط القطري من الوساطة بأقلّ الخسائر الممكنة، بحسب مصادر متابعة وغير معادية لقطر.
ولأنّ قضية العسكريين دخلت في نفق الحسابات الإقليمية، فقد بات العنصر الإنساني هامشياً. وصارت مقاربة هذه القضية من زاوية حسابات المكاسب وميزان الربح والخسارة الحزبية. فنجاح عملية المقايضة مع “جبهة النصرة”، إذا تمّ، هو في جانب منه مكسب لـ”جبهة النصرة”، وإن كان ثمن هذا المكسب، لبنانياً، هو إنقاذ أرواح العسكريين. وهو في الوقت نفسه إنجاز للوسيط… أما قتل العسكريين، أو طيّ الملف دموياً – لا سمح الله – فهو مكسب لمن يريد تصعيد المواجهة العسكرية ومقاتلة هذه المجموعات. وهو سيؤكّد أنّ “جبهة النصرة” و”تنظيم داعش” ليسا تنظيمين معاديين للبنانيين فحسب، بل يجب على الجيش اللبناني خوض مواجهة معهما لاقتلاعهما من الأراضي اللبنانية.
وهذا ما سيضع الجيش طرفاً في المواجهة السورية، وإن من موقع الدفاع عن أرضه. وسيفتح الباب نحو تنسيق تفرضه الوقائع بين النظام السوري من جهة وبين الحكومة اللبنانية من الجهة الأخرى ولإتمام التطبيع الرسمي.
إذاً فإنّ قتلَ العسكريين سيعبّد بالدماء طريقَ التنسيق بين النظام السوري وحكومة الرئيس تمّام سلام… والمناخات الإيجابية التي انبعثت من حركة “هيئة العلماء المسلمين” أمس، وحركة الزيارات، باتجاه النائب جنبلاط واللواء عباس ابراهيم وغيرهم من المسؤولين، لم تحسم الوجهة الرسمية للتعاطي مع هذا الملف بعد. فلا تكليف حكومي معلن، لكن ثمّة ضوء أخضر حصلت عليه لتبدأ تحرّكها. ربما تكون مجرّد محاولة لملء الفراغ القطري، في ظل كلام يتسرّب، من أكثر من طرف سياسي، خلاصته : “اعتبروهم شهداء”.
alyalamine@gmail.com
البلد