فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعض المراقبين في تصريحاته التي أطلقها في إسطنبول من أن بلاده ترغب في علاقات أفضل مع إسرائيل، بعد سنوات من توتر شديد في العلاقات، مضيفا أن المحادثات على المستوى الاستخباراتي استؤنفت، لكنه أكد أيضا أن سياسة الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين تمنع تطوير هذه العلاقات.
ورغم قوة العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن إسرائيل وتركيا تبادلتا طرد السفراء في ٢٠١٨ بسبب اشتباكات قتلت على إثرها القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين في غزة. وفي أغسطس اتهمت إسرائيل تركيا بمنح جوازات سفر لنحو عشرة من أعضاء حركة حماس في إسطنبول ووصفت ذلك بأنها “خطوة غير ودية للغاية”.
فهل حدث أي تطور أدى إلى إطلاق الرئيس التركي تصريحه هذا؟
تأسست العلاقات التركية الإسرائيلية في ١٩٤٩، وتطورت بشكل لافت في السنوات الأولى لوصول حزب أردوغان “العدالة والتنمية” إلى سدة الحكم في ٢٠٠٣.
وشهد ٢٠٠٥ زيارة قام بها أردوغان (رئيس الوزراء آنذاك) إلى إسرائيل التقى خلالها بنظيره أرييل شارون، ووضع إكليل زهور على قبر الزعيم اليهودي الشهير ثيودور هرتزل.
إلا أن الأمور انقلبت مع الحرب الإسرائيلية على غزة في ٢٠٠٨ حيث تأزمت العلاقات بشدة. وخلال « منتدى دافوس » في ٢٠٠٩ انسحب أردوغان إثر مشادة حادة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بسبب حرب غزة. وازدادت هذه العلاقات توترا في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة “مافي مرمرة” في مايو ٢٠١٠ وقتل ١٠ نشطاء أتراك خلال هجوم الكوماندوز الإسرائيلي للسيطرة عليها. وفي ٢٠١١ طردت تركيا السفير الإسرائيلي وخفضت تمثيلها الدبلوماسي وجمدت الاتفاقيات العسكرية مع اسرائيل بسبب تقرير تقصي الحقائق حول الهجوم على السفينة التركية.
في ٢٠١٣، اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسميا خلال مكالمة هاتفية مع أردوغان عن أحداث السفينة، وتعهد بدفع تعويضات لأسر الضحايا واتفق الجانبان على إعادة تبادل السفراء وتطبيع العلاقات، إلا أن العلاقات لم تعد إلى سابق عهدها واستمر التوتر. وفي مطلع العام الجاري، ولأول مرة في تاريخ علاقات البلدين، أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” تركيا في قائمة الأخطار المهددة للدولة العبرية.
بعبارة أخرى، فإن السبب المحوري لاستمرار تعثر العلاقات بين البلدين، هو سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، في مقابل الريبة الإسرائيلية من علاقات تركيا مع حماس.
قد تندرج تصريحات أردوغان الأخيرة تجاه إسرائيل، والتي أطلقها الجمعة، وفي ظل عنوانها الرئيسي المتعلق بأوضاع الفلسطينيين.. قد تندرج تحت بند التعاطي مع التوقعات بتغيّر بعض المعادلات الإقليمية إثر قدوم إدارة جديدة (ديمقراطية) إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن المصالح الاستراتيجية المشتركة بين أنقرة وطهران والدوحة هي إحدى المعادلات المعنية التي من شأنها أن تتأثر بهذا القدوم الأميركي، في ظل التوقع بتغيّر العلاقات بين طهران واشنطن على وقع التطورات المتوقعة والمتعلقة بالملف النووي، بموازاة التوقع بحل أزمة قطر الخليجية.
فمن شأن هذين التطوّرين إن حصلا، أن يدفعا أردوغان إلى مراجعة تحالفاته الإقليمية ومن ثم علاقاته المتوترة مع إسرائيل وصولا إلى كسب ود الإدارة الأمريكية الجديدة التي تعارض سياسات أردوغان في ملفات مهمة كالملف الليبي وكذلك الملف السوري. لذا، وحسب بعض المراقبين، يحس أردوغان أن إسرائيل تشكل أفضل مفتاح لتحسين العلاقة مع إدارة بايدن والتوصل إلى تفاهمات مع واشنطن بشأن صواريخ إس – ٤٠٠ التي بسببها فرضت واشنطن عقوبات على الصناعات العسكرية التركية.
“إذا خطت إسرائيل خطوة واحدة نحونا، فربما يمكن أن تتخذ تركيا خطوتين، إذا رأينا ضوءا أخضر، فسوف تفتح تركيا السفارة مرة أخرى ونعيد سفيرنا، وربما في مارس يمكننا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة أخرى، لِمَ لا”.
هذا التصريح، الذي هو لمسعود جاسين مستشار أردوغان لشؤون السياسة الخارجية، يؤشر إلى انفتاح أنقرة على أي تغير إيجابي في العلاقات مع إسرائيل…