ترجمة فاخر السلطان
في الأشهر والأسابيع الأخيرة، كان العلم أيضًا موضوعا للنقاش في الانتخابات الأمريكية، حيث تحدث الكثيرون عن أهمية وتأثير الانتخابات المقبلة على مستقبل العلم. في الأسابيع الأخيرة، أيّد 81 من الحائزين على جائزة نوبل ترشيح جو بايدن، مؤكدين على ضرورة انتخاب الشخص الذي يتخذ قراراته بناءً على بيانات علمية، وأشادوا باستعداد بايدن لإيجاد حلول علمية للمشاكل. ومؤخرًا، قالت ميشيل أوباما في وصفها لبايدن إنه سيقول الحقيقة وسيثق في العلم.
وفي نفس السياق، أيدت مجلة “ساينتفيك أمريكان”، ولأول مرة في تاريخها الممتد 175 عامًا، مرشحًا للرئاسة الأمريكية، وكتبت على تويتر: “انتخابات 2020 هي مسألة حياة أو موت، ونحن نحثكم على أن تصوّتوا لجو بايدن، من أجل العلم ومن أجل الصحة”. تقول المجلة إن دونالد ترامب يرفض الأدلة العلمية، مشيرة إلى أن عدم اهتمامه بالأدلة العلمية بشأن مسألة تفشي مرض كورونا قد أودى بحياة 190 ألف أمريكي.
ولكن إلى أي مدى تستند مثل هذه التصريحات إلى الحقائق وإلى الواقع؟ هل أضر انتخاب ترامب بالعلم كثيرًا، أم أن “ساينتفيك أمريكان” تدعم بايدن بناء على توجه سياسي واستنادا إلى المشاعر المناهضة لترامب؟ هل أدت مناهضة ترامب للعلم وعدم اهتمامه بالعلم، في واقع الأمر، إلى انتشار كورونا في الولايات المتحدة؟
الإدارة، الميزانية، التكنولوجيا
قبل الدخول في هذا النقاش غير المنتهي، من الضروري أن أوضح بأن كل شخص أو مؤسسة (من ميشيل أوباما إلى مجلة “ساينتفيك أمريكان” وغيرها) تتحدث عن العلوم، فإن حديثها هذا يحتوي على إشارة إلى موضوعي الإدارة والميزانية. لا ينبغي أيضًا التغاضي عن أن العلم يختلف عن التكنولوجيا والصناعة، ولا يحدّد أي من منتقدي ترامب وخصومه إلى أي جزء من أفعال ترامب المتعلقة بالعلم يشيرون بالضبط. إذا كان القصد إدارة أزمة كورونا، فقد خطّطت إدارة ترامب من البداية لإنتاج 300 مليون جرعة من اللقاح بحلول يناير، وأصدر ترامب تعليماته لوزير الصحة أليكس إيزار بمتابعة ذلك، كذلك تعلّق جزء من الميزانية الفيدرالية بالمرض. وبطبيعة الحال يتطلب البرنامج الطموح لإنتاج لقاح مضاد للكورونا بصورة سريعة، ميزانية ضخمة. من الواضح أن لا أحد يتوقع من ترامب (أو حتى من بايدن) أن يكون عالما وأن يكتشف بنفسه اللقاحات عن طريق العمل على مدار الساعة في المختبرات. من واجب الرئيس توفير التمويل والاعتمادات اللازمة للمختصين والعلماء للقيام بذلك. لذلك، فإن التخطيط لتطعيم 300 مليون شخص بحلول يناير، والذي أعلنته إدارة ترامب، كان خطوة صحيحة ومنسقة وجاء في وقت مناسب، وأي شخص كان سيجلس على كرسي رئاسة الولايات المتحدة بدلاً من ترامب لن يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك. ففي مارس الماضي طلب ترامب 2.5 مليار دولار تمويلًا طارئًا لمكافحة كورونا، بالنظر إلى أن ترامب كان قد وقع على ميزانية بقيمة 8.3 مليار دولار لمواجهة المرض، لذلك، فإن ادّعاء مجلة “ساينتفيك أمريكان” بتجاهل ترامب لأزمة كورونا يبدو أنه مجرد موقف سياسي وليس أمرا وقعيا.
يكفي أن نتصوّر بأنه في ظروف مماثلة، ما الذي كان بإمكان بايدن فعله أكثر من التوقيع على الميزانية المطلوبة؟ إن رؤساء الولايات المتحدة سياسيون. هم ليسوا علماء ولا أطباء ومتخصصين في الأمراض المُعدية. لا يعرف ترامب ولا بايدن ولا أوباما الفرق بين البكتيريا والفيروسات أو بين DNA وRNA، وبالطبع لا يحتاجون إلى معرفة ذلك في مسألة إدارتهم للبلاد. ومجلة “ساينتفيك أمريكان”، ومن دون النظر إلى هذه الأمر، تدعو للتصويت لصالح بايدن من أجل العلم ومن أجل الصحة. في حين أنه كان بإمكان بايدن أن يساهم بشيء في مثل هذه الظروف من خلال التعاون مع إدارة ترامب. فيما قوبلت إجراءات ترامب في أواخر مارس (عندما أصيب 1267 شخصًا فقط في الولايات المتحدة بالفيروس وتوفي 38) باحتجاجات قوية من خصومه. مع أنها كانت إجراءات صحيحة وعلمية ويمكن الدفاع عنها، حيث قام بحظر السفر من 26 دولة أوروبية إلى الولايات المتحدة لمدة تصل إلى 30 يومًا وجعل فحص كورونا إلزاميًا للمواطنين الأمريكيين العائدين من أوروبا. ومع ذلك، كان رئيس المجلس الأوروبي هو من حذّر من التأثير التخريبي لقرار ترامب على اقتصادات الدول، وكان البيان الرسمي للأوروبيين هو الذي أدان بشدة هذا الإجراء. ورغم العلاقة بين العلم من ناحية والإدارة والميزانية من ناحية أخرى، إلا أنه لا ينبغي التغاضي عن دور التكنولوجيا. والحقيقة هي أن ترامب هو من دعا إلى زيادة تمويل وكالة “ناسا” للسفر إلى القمر والمريخ. وبحسب التقارير، فإن الميزانية المقترحة من الحكومة الأمريكية لـ”ناسا” في عام 2021 كانت أكثر من 25 مليار دولار، بزيادة قدرها 12٪ مقارنة بعام 2020. إن المشاريع الضخمة التي توقفت في ظل إدارة أوباما، تم إحياؤها من جديد بما جعلها تضئ مستقبل صناعة الفضاء الأمريكية بعد تخصيص 12 مليار دولار لمشروعات البحث على القمر والمريخ. إذا كان الحائزون على جائزة نوبل ينتقدون ترامب بشدة، فلا ينبغي أن ننسى أن رواد الفضاء في بعثات أبولو 11 وأبولو 13 وأبولو 17، ونيل أرمسترونغ وجيم لويل ويوجين سيرنان، انتقدوا بشدة سياسات إدارة أوباما الخاصة بميزانية “ناسا” واعتبروها مدمّرة. يكفي أن نتصوّر أن ترامب، وليس أوباما، قد قام بإلغاء برنامج Constellation الضخم لإرسال البشر إلى القمر، كان من المحتمل في هذه الحالة أن تملأ موجة الانتقادات وسائل الإعلام، حيث سيتحدث الجميع عن أن ترامب مناهض للعلم.
اتفاقية باريس للمناخ، قرارات بيئية خاطئة
ما فعله ترامب بشأن الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، على الرغم من خطأه وأنه كان مخالفًا للبيانات العلمية وللحلول العلمية، لكن بخلاف تعليقات ترامب الشخصية حول ظاهرة الاحتباس الحراري، يُظهر بيان البيت الأبيض الرسمي أن حكومة الولايات المتحدة تنظر إلى التغييرات في الماء والهواء بصورة جدية، وتدرك الدور السلبي لغازات الاحتباس الحراري. لكن الأمريكيين يقولون بأنهم يتبنون صيغة حلول مختلفة للحد من هذه الغازات، لذا لا يعتبرون اتفاقية باريس للمناخ عادلة اقتصاديًا. الحقيقة التي يجب أن نعرفها في القطاع الصناعي، هي أن 100 شركة مساهمة عامة تتحمّل مسؤولية انبعاث حوالي 71% من غازات الاحتباس الحراري في العالم. وخلافًا للاعتقاد السائد، لا تلعب الولايات المتحدة دورًا مدمرًا في هذا الانبعاث ولا في انتشار الاحتباس الحراري. كما أن المؤسسات الإعلامية الرئيسية في العالم، والتي ليس لديها علاقات جيدة مع ترامب، غالبا لا تذكر دور مجموعة الصين الوطنية للفحم، وغازبروم الروسية، وبنك التجارة والصناعة الصيني، وبنك الإعمار الصيني، والبنك الزراعي الصيني، في انبعاث الغازات وفي انتشار الاحتباس الحراري، ولا تقول بأن الشركة التي تتصدر الـ100 كأعلى جهة مسؤولة عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري هي مجموعة الصين الوطنية للفحم. وعلى الرغم من صحة الانتقادات الموجهة لإدارة ترامب بشأن التصريحات الخرقاء المتعارضة مع العلم لا سيما فيما يتعلق بالقضايا البيئية والوقود الأحفوري، إلا أن انتقاد إدارته بشأن خفض ميزانية منظمة الصحة العالمية ليس له أساس يذكر في الواقع. فمن المفارقات أن خفض ميزانية منظمة الصحة العالمية، التي لعبت دورًا مدمرًا في تفشي كورونا وتسببت في أضرار كبيرة للعالم بأسره، من خلال التقاعس عن العمل وتجاهل التحذيرات وإصدار القرارات الخاطئة، هو إجراء صحيح وبنّاء اتخذته إدارة ترامب. فلدى منظمة الصحة العالمية ميزانية ومطلوب منها تقديم حلول وإرشادات للسيطرة على المواقف المرضية الحرجة، كتفشي فيروس كورونا في الأيام الأخيرة من عام 2019، وهو ما لم يحدث. وبسبب الاعتبارات السياسية لهذه المنظمة واعتمادها على الصين، واجه العالم مثل هذه الأزمة الضخمة. وعلى عكس التوقعات، كان إصلاح آلية منظمة الصحة العالمية غير المكتملة وغير الفعّالة إجراء صحيحًا تمامًا وقائمًا على العلم. في المقابل، تصرّفت منظمة الصحة العالمية بطريقة غير علمية، متجاهلة نصيحة مسؤولي الصحة التايوانيين بسبب قضاياها السياسية مع الصين وعلاقاتها المتوترة معها.
هل الجمهوريون مناهضون للعلم؟
ربما حظر جورج دبليو بوش التمويل الحكومي لأبحاث الخلايا الجذعية في عام 2001، مما أدى إلى توقف التقدم العلمي في هذا المجال لمدة ثماني سنوات متتالية، وهو رقم قياسي سلبي للجمهوريين. ولا يمكن إنكار أن للجمهوريين قواعد بين معارضي نظرية التطور لداروين، ومنكري تغيّر المناخ، وأنصار الوقود الأحفوري. نعم، هارولد هام، الذي طرح اسمه في البداية ككبير مستشاري الطاقة عند ترامب أو كوزير للطاقة في إدارة ترامب، هو مؤيد لإنتاج واستغلال الوقود الأحفوري. في مقابلة تلفزيونية في 5 مايو 2009، صرح مايك بنس نائب ترامب صراحةً بأنه لا يؤمن بنظرية داروين، وأنه يجب تدريس السرد التوراتي لفلسفة الخلق في المدارس بالتوازي مع نظرية التطور. والأشخاص المقربون من ترامب في الانتخابات الأخيرة، مثل مايرون أبيل، كانوا وما زالوا علامة على أن تجاهل العلم هو قضية شائعة في الجسم الجمهوري. لقد وصف ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بصراحة بأنها أسطورة شجّعها الصينيون للتوسع لإضعاف الاقتصاد الأمريكي. مع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أنه في بعض الأحيان لا يختلف المحتوى الفكري للديمقراطيين والجمهوريين كثيرًا، على الأقل من الناحية النظرية. ففي يونيو 2000، عندما أعلن العلماء نجاحهم في اكتمال تسلسل الجينوم البشري، أظهرت ملاحظات الرئيس آنذاك بيل كلينتون أنه، مثل الجمهوريين، يؤمن بنظرية الخلق الذكي. وقال كلينتون في البيت الأبيض حول اكتمال التسلسل، ومعلنا بأن الجينوم عمل إلهي: “اليوم نتعلم اللغة التي خلق الله بها الحياة”. مع ذلك، لا يمكن العثور على قانون محدّد يعتبر الجمهوريين مناهضين للعلم والديمقراطيين منقذي العلم. يؤمن ميت رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري ومنافس أوباما في انتخابات 2012، بتغيّر المناخ. لا يمكن إنكار أن قطاعات كبيرة من الصناعة والاقتصاد، على سبيل المثال إنتاج السكر والسجائر، تخشى دائمًا أن تؤدي الاكتشافات العلمية الجديدة إلى اعتماد قوانين جديدة ضدها. يعارض اليمين الديني بشكل عام أبحاث الخلايا الجذعية والاحتباس الحراري. لكن لا ينبغي أن ننسى أن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي أسس وكالة حماية البيئة EPA عام 1970، هو جمهوري. ترامب ليس فقط لا يحظى بشعبية في المجتمع العلمي، بل هو مكروه. في الأشهر التي سبقت الانتخابات الأمريكية عام 2016، قال الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ لوسائل إعلام بريطانية بشكل ضمني بأنه يفهم كيف يعمل العالم، لكنه لا يفهم الشعبية التي يحظى بها ترامب، ووصف ترامب بالمخادع الذي تُفضّل الطبقة الدنيا الأكثر جهلًا في المجتمع خطبه. مع ذلك، فإن الموقف المشترك للمجتمع العلمي ضد ترامب لا يمكن أن يكمن ببساطة في العلم وفي النتائج العلمية. ربما يكون الموقف السلبي للمجتمع العلمي تجاه ترامب متجذرًا في الأصول الاجتماعية والسياسية لأفراد المجتمع العلمي.
لم تكن قرارات ترامب الخاطئة وغير العلمية أسوأ بكثير أو أكثر تدميراً من قرارات الرؤساء السابقين، لكن سبب هذا القدر من المعارضة له (مما دفع مجلة “ساينتفيك أمريكان” للتخلي عن حيادها في الانتخابات والذي استمر 175 عامًا ودعم منافسه) ربما يكون موجودًا خارج نطاق الأدلة العلمية.
على سبيل المثال يمكن البحث عن هذه المعارضة في المواقف الحزبية المتحيّزة وفي القاعدة الاجتماعية/الفكرية.
*عِرفان كَسْرائي، ملحد، وصحفي متخصص في الشؤون العلمية، ومناقش عام إيراني يعيش في ألمانيا. يكتب في العديد من المجلات العلمية منذ عام ٢٠١٣