“خطاب الكراهية”، صورة نشرتها “هيومن رايتس ووتش” مع مقال عن اضطهاد الشيعة في السعودية).
10 أسئلة طرحتها المنظمة الدولية هيومن رايتس ووتش. قالت على السعودية أن تجيب عليها.
وكان السؤال العاشر: لماذا لا تسمح السعودية بممارسة أي دين غير الإسلام، وتميز ضد مجتمعها الشيعي؟ هنا، أصبح دوري لأطرح سؤالي الواحد على 180 شخصًا تحت عضوية هذه المنظمة، 180 من المهنيين الذين يعملون على مراقبة حقوق الإنسان، كل إنسان على هذه الأرض. سؤالي لهم جميعًا: ما المعلومات التي بنيتم عليها تلك الأسئلة؟
طرحتُ هذا السؤال لإبداء حسن النوايا، لن أقول أن تلك الأسئلة كيدية واعتباطية، ومغرضة، لا، لن أقول هذا. بل سأقول أن ثمة سوء فهم، صادر عن معلومات مغلوطة. ولإبداء حسن النوايا، للمرة الثانية، سأحاول توضيح الحقيقة. قلتُ الحقيقة، وليس وجهة نظر، هناك فرق بينهما، الحقيقة هي نقل الواقع المثبت، ولا يحتمل وجهات النظر.
إن كان الهدف المعرفة، فإني هنا سأخبر القائمين على هيومن رايتس ووتش بما يحدث في السعودية اليوم، وما قد حدث بالأمس.
إبان توحيد المملكة، عندما كان المؤسس رحمه الله يجوب الجزيرة، جنوبا وشمالا وشرقا، في الوقت الذي وجد مقاومة مسلحة من بعض المناطق، استقبله أهالي الأحساء والقطيف، دون مقاومة، بل احتفوا به كفاتح عربي مسلم عزيز، كان التركيز على عروبة عبدالعزيز مقابل طغيان الأتراك العثمانيين، وما ارتكبوه من جرائم واغتيالات وتسلط وجور ضدهم. لم تكن فكرة الطوائف مطروحة، لم يقل أجدادنا، شيعي وسني، رأوا المشترك العربي ماثلاً، ولا شيء غيره. رأوا العدالة متمثلة في هذا الرجل الذي استقبلوه بالكثير من التفاؤل، وفي قلوبهم الكثير من الأماني لمستقبل مشرق في ظل قائد يشبههم عروبة وإسلامًا. في المقابل كفل لهم حريتهم الدينية، في ذلك الوقت الذي كان فيه شيعة العرب، بمنأى عن الإختراق الفارسي. يومها كانت شؤون المذهب الخاصة جزء من الحياة، وليست كل الحياة. خلافًا لما حدث بعد انتصار الثورة الخمينية، حين أقنع الخميني كل الشيعة بأنهم شيعة أولاً، شيعة ثانيًا، وشيعة عاشرًا، ثم يأتي بعدها كل شيء، ما فعله الخميني أنه جعل الشيعة يشعرون أنهم جنودًا في معسكر اسمه «التشيع» وأن على الجندي أن ينذر حياته وأمواله وعياله وراحته من أجل نصرة المذهب. إنني أذكر ذلك جيدًا، وفي عهد الملك فهد رحمه الله، حينما كان الشيعة، يخرجون مكللين بالسواد، في مسيرات حاشدة في شوارع القطيف والأحساء، وأصوات العزاء الحسيني تنتشر في فضاءات المنطقة، بفعل المايكروفونات ومكبرات الصوت. كان الشيعة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله يمارسون طقوسهم في الشوارع وفي العلن، وكانت المآذن ترتفع بصوت الأذان الشيعي والذي يتميز عن الأذان السني بعبارات خاصة بالمذهب. بل وحتى التطبير، وهو ضرب الرؤوس بالسيوف وضرب الأجساد بالسلاسل، رغم ما تحمله هذه العبادة من مظهر دموي ومرفوض حتى لدى بعض المراجع الشيعة، إلا إنها كانت تحدث في الساحات وفي مسيرات علنية، كان الشاب الشيعي يسير حاملاً سيفًا أو ومجموعة سلاسل، ويمارس ما يُؤْمِن به دون مضايقة أحد.
ما حدث بعدها، أن الخميني أفسد كل شيء. وإيران هي إيران، لا تنعم بالراحة وجيرانها مستقرين! انسلت كالأفعى، وأقنعت بعض المراهقين الشيعة، بإنشاء جماعة مشابهة لحزب الله في لبنان، تماما كما يحدث الْيَوْمَ في اليمن، من محاكاة تجربة حزب الله اللبناني بنسخة يمنية.حاول الخميني أن يفعلها مجددًا في المنطقة الشرقية، في القطيف تحديدًا. آل الأمر لتفجير الجبيل 1988، الذي استهدف منشآت نفطية. من هنا بدأ الشرخ بين الشيعة والدولة. وبدأت الأزمة الطائفية تطل برأسها بين مجتمعاتنا السعودية المتناغمة يومئذ. حدثت تجاوزات، ومنابر ضالة محرضة من كلا الفريقين. نمى حس الكراهية والتكفير لدى متطرفي السنة، ونمى في المقابل حس المظلومية الشيعي. لم تنجح إيران بتأسيس حزب الله الحجاز، لكنها نجحت في بث الفتنة، ونجحت أيضًا بتكريس المظلومية الشيعية. والمظلومية لا تقل خطرًا عن التكفير. فكرة المظلومية باختصار: تكوين مجتمعات مأزومة، معزولة، ولا تثق بالآخر. بحيث تكون تلك المظلومية سببًا مقنعًا للتطرف، للإرهاب، لأي فعل إجرامي كنوع من الدفاع عن الذات، بحيث يغيب الشعور بالذنب، فعجت أدبيات الشيعة بعبارات من شانها إذكاء نيران المظلومية في النفوس. «القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة»، «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر»، وعبارات كثيرة تكرس شعور المظلومية، بل وتمجدها، وتجعلها إحدى أهم ركائز المذهب. بحيث أصبحت شيئًا شبيها بالهولوكوست، وإنك حين تنفي تلك المظلومية ستواجه بتهم كثيرة تشبه «معاداة السامية». وما يحدث حقيقة، أن النشطاء السياسيين من متطرفي الشيعة، هم من هذه الفئة. وهم من تنقل عنهم هيومن رايتس ووتش، وغيرها. تمامًا كما يحدث عندما يستمعون لمعارضين سياسيين سنة، ويصدقونهم! الأمر سيان..
وأنا هنا أنصح القائمين على حقوق الإنسان في المنظمة الدولية، إن كانت فعلاً تهمهم الحقيقة، إن كان الهدف النهائي إنقاذ الإنسان، وليس خدمة مصالح سياسية، فعليهم أن يستمعوا للجانب الآخر، أعني لشيعة نجوا من الإختراق الفارسي، شيعة يشبهون أجدادهم الذين بايعوا عبدالعزيز بكل حب وتفاؤل. سيخبرونهم بكل شيء، بأنهم يعيشون على هذه الأرض، بمشاركة جميع الأطياف، يستفيدون – كأي مواطن آخر – من الصحة والتعليم وبرنامج الابتعاث وغيرها. وأن لديهم مساجدهم ومقابرهم وقضاءهم وحريتهم الدينية، وإنك لو زرت المدن التي بها كثافة شيعية في أيام عاشوراء، (المناسبة الشيعية الشهيرة التي يجتمع فيها ملايين الشيعة في العالم). ستجد رجال الأمن وشرطة المرور يحمون الناس وينظمون السير. كما يقومون بواجبهم الأمني في أي فعالية أخرى في أرجاء الوطن، بلا فرق.
الشيعة والسنة يعيشون في وطن واحد، شركاء في المصير، وفي خندق واحد. المكاسب واحدة والخسائر أيضًا. وما حصل على الشيعة من تكفير وإساءة، كان على هامش توترات المنطقة بعد أحداث 88 التي ذكرتها من جهة، وهي من تبعات نمو الفكر المتطرف (التي لم يقتصر أذاها على الشيعة وحسب، بل عّم كل تفاصيل مرحلة بأكملها) من جهة ثالثة، وهو أيضا داخل ضمن التطرّف الذي يحاربه الملك سلمان وولي عهده، وبشكل أدق: هو ضمن خطة الحرب علي التطرّف الذي قال فيه سم والأمير محمد بن سلمان كلمته الشهيرة: «سندمر الأفكار المتطرفة اليوم وفورًا». الْيَوْمَ، يمكن لأي مواطن شيعي، أن يبلغ عن أي خطيب متطرف يكيل الشتائم للشيعة، وتنصفه العدالة، ودون شك.
ختامًا، تضمن الفيديو والحزين المرافق لتغريدة السؤال العاشر، والذي يحمل خلفية موسيقية حزينة، تضمن صورًا من مناهج دينية رسمية، واعتبرها اضطهادها وتحريضًا, وأريد أن أبين لهيومن رايتس ووتش بالكثير من الأسف، أن الطوائف الإسلامية كلها، تحوي أحكامًا فقهية، يكفر بها كل فريق الفريق الآخر ويحكم عليه بالشرك أو الفسق أو التقصير. كان ذلك في العصور القديمة، عندما كانت المذاهب تخوض حرب إثبات وجود، لأن الاستفراد بالبقاء كان يستلزم إزاحة الآخر. خذوا جولة في حوزات قم، الممثلة للمذهب الشيعي، وستجدون أحكامًا ضد المذاهب ومطابقة لما اعتبرتموه تحريضًا. الفرق هنا، أن السعودية هي البلاد الوحيدة التي أنشأت مجمعًا للحديث النبوي، يهدف للقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة.
في النهاية، أتوسم في هذه المنظمة المصداقية والنزاهة، وأنها لن تسمح لأحد ما أن يستخدمها لأجنداته الرخيصة. نحن في السعودية أخوة، ولا شيء سيغير هذا الواقع، حتى سؤالكم العاشر لن يفعل ذلك. إيران، داعش، حزب الله، الإخوان وغيرهم، حاولوا أن يمزقوا هذا النسيج، حتى وإن نجحوا في جولة أحيانًا، لكنهم, فعليا خسروا في صولات.