في مطلع الثورة السورية في ٢٠١١، قالت مصادر أوروبية « مطلعة » لـ »الشفاف » أن إسرائيل لن تتدخل في الإنتفاضة السورية لأن سقوط نظام الأسد سيعني خسارة إسرائيل لـ« شبكاتها الإستخبارية الواسعة والمهمة جداً لأمنها العسكري » داخل سوريا وداخل النظام السوري! يعني ذلك أن إسرائيل أعطت الأولوية لـ « أمنها العسكري المباشر » على اعتبارات « الإستراتيجيا »! والتحليل الجديد لـ« يديعوت أحرونوت » يثبت هذه النقطة حينما يعتبر (في نهاية الترجمة أدناه) أنه “في المقابل تعمق عمل المخابرات وباتت إسرائيل تتفوق استخباراتيا في سورية والدول المجاورة، ما يجعل من الممكن التحذير من نوايا عدائية وأنشطة تخريبية لإيران وحلفائها »!
بكلام آخر، « مفاجأة » من نوع حرب أكتوبر ١٩٧٣ ليست واردة بفضل « شبكات الإنذار المبكرّ » داخل النظام السوري!
بالمقابل، لا يتطرق التحليل إلى نقطة أخرى: سقوط نظام الأسد كان سيعني قطع خطوط إمداد الميليشيا الإيرانية في لبنان عن « مركزها » في طهران– أيا كان النظام البديل في دمشق! أي نهاية ما يسمّى حزب الله!
حظ نصرالله « بيفلُق الصخر »!
الشفاف
*
القدس – محمد أبوخضير وزكي أبو الحلاوة
تساءلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في رأس صفحتها الرئيسية، أمس، «إذا ما أضاعت إسرائيل فرصا كثيرة في سورية، منها إسقاط نظام بشار الأسد واستبداله بآخر من المعارضة من دون الإسلاميين».
وبحسب تقرير عسكري لكبير محللي الصحيفة رون بن يشاي (Ron Ben-Yishai)، الذي كشف بعض المعلومات العسكرية المسربة، فإن أحد الوزراء الكبار قال إن «إسرائيل ارتكبت خطأً عندما لم تتحرك للإطاحة بالأسد ونظامه حين كان ذلك ممكناً»، مضيفاً «في السنوات الخمس الأولى من الحرب الأهلية كان من الممكن التسبب بفقدان نظام الأسد للحكم، وكذلك بتر ذراع خط أنابيب الأوكسجين التشغيلي واللوجستي للأخطبوط الإيراني وحلفائه في المنطقة».
ورأى الوزير الإسرائيلي أنه لو كانت الحكومة قررت مساعدة من وصفهم بـ«المتمردين السوريين غير الإسلاميين – الجهاديين» وعملت بنفسها في قنوات سرية، قبل تدخل الروس، لكان «النظام قد سقط».
وأضاف الوزير «لكان وضعنا الأمني في الساحة الشمالية الشرقية (لبنان وسورية) أمام المحور الشيعي الراديكالي، أفضل بكثير مما هو عليه اليوم… سورية هي وحدة عسكرية وصناعية وعلمية ولوجستية مهمة للغاية للقوات الموالية لإيران، لذلك لو كنا قد أسقطنا الأسد، لكان مكانه في دمشق، نظام جديد مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وكان من الممكن توقيع اتفاق سلام معه من دون التنازل عن الجولان».
وأشار بن يشاي إلى أن الوزير الكبير والذي يتمتع بخبرة أمنية وسياسية، حاول إقناع الحكومة و« الكابنيت » (الحكومة المصغّرة) من أجل التدخل في سورية بالوقت الفعلي. «وخلال المرحلة الأولى من الحرب الأهلية كان لدى هيئة الأركان العامة معسكر كبير من كبار المسؤولين الذين أيدوا مبادرة الإطاحة بالأسد ونظامه، مقابل معسكر كبير أيضاً أقل إثارة للإعجاب، معارض».
وكانت حجج أولئك الذين يعارضون تحركاً مباشراً للإطاحة بالأسد أو تقديم مساعدات ضخمة للمعارضة لتحقيق هذا الهدف «مقنعة»، و«بشكل أساسي الادعاء بأنه لا يمكن لأحد أن يضمن أن كياناً أو تحالف المنظمات والكيانات السياسية التي ستصل إلى السلطة بدلاً من الأسد ستكون أقل عداءً وخطورةً لإسرائيل من إيران، وعلى العكس من ذلك، بدا البديل الاخوان والجهادي الذي ظهر في سورية في ذلك الوقت، انه لا يقل خطورة عن الإيرانيين»، كما يقول بن يشاي.
ويضيف «كما لعبت تجربة إسرائيل السيئة في حرب لبنان الأولى دوراً رادعاً، (رئيس الوزراء الراحل) ارييل شارون بدأ تلك الحرب لطرد النشطاء الفلسطينيين من لبنان، وخطط بعد تحقيق هذا الهدف (الذي تحقق بالفعل)، لأن يحكم الحلفاء المسيحيون بقيادة بشير الجميل، بلاد الأرز، ثم يوقع اتفاقية سلام معهم، لكن السوريين أحبطوا هذه الخطوة الاستراتيجية بقتل الجميل عبر عبوة ناسفة ما بعثر الأوراق الإسرائيلية، وساهم في تأسيس حزب الله كحركة مقاومة للاحتلال قبل أن يستولي على لبنان، والبقية معروف»، وفق قوله.
والدرس المستخلص هو أنه في «الشرق الأوسط يمكنك الركوب لفترة محدودة على ظهر النمر، لكن لا يمكنك معرفة إلى أين سيأخذك ومتى ستسقط.
لقد أنتج الجيش الإسرائيلي الدرس وطبقه لتقويم الخيارات على الساحة السورية».
وأضاف بن يشاي «كان من الممكن أن يتضاءل خطر التهديد الإيراني، لكن مثل هذا الوضع يجتذب عناصر قاتلة تزدهر في ظل ظروف انعدام الحكم، إن الخطر الذي يمثله الجهاد العالمي القاتل، والإخوان على إسرائيل لا يقل خطورة- وربما أكثر من ذلك – عن التخريب الشيعي»، وفق وصفه.
ويتابع «على الأقل هذا ما كان يبدو عليه في ذلك الوقت، عندما لم يكن داعش في سورية قد بلغ ذروته بعد، وكان التنظيم الحاكم في القبة، هو القاعدة، ثم في 2014، استولى داعش على المنطقة ووصل الروس في 2015، وأُغلقت نافذة الفرصة لإسقاط النظام واستبداله».
ويقول بن يشاي «إن هناك العديد من العناصر في الساحة الدولية وفي إسرائيل من رجال دولة وسياسيين من اليسار اعتبروا ان إسرائيل لا تستطيع أن تتنحى جانبا في وقت يقتل جارها، مواطنيه… (لكن) حتى لو استجابت إسرائيل لهذه النداءات لأسباب أخلاقية وإنسانية، فإن العوامل الدولية والإقليمية كانت ستمنع ذلك، فإيران وروسيا والصين ساعدت النظام، ودول أخرى ساعدت مجموعات مختلفة معارضة».
وكشف المحلل العسكري، انه في السنوات الأولى من الحرب السورية، أقام الجيش الإسرائيلي استراتيجية تم عرض نتائجها على رؤساء جهاز الأمن والجيش والمستوى السياسي، وأضيفت عناصر إليها «تَقرر من خلالها عدم قيام إسرائيل بعملية أو حملة لإسقاط النظام، ولن تتدخل استراتيجيا لقلب الموازين لصالح أحد الأطراف أو اللاعبين».
وتابع «كان القرار هو اتباع استراتيجية عسكرية واستخباراتية وسياسية لفرض الخطوط الحمراء التي أعلنتها إسرائيل كعنصر أساسي لأمنها القومي، وبالقدر نفسه من الأهمية، تنفيذ هذا النشاط الهجومي بفاعلية ومن دون جر إسرائيل إلى الحرب في سورية أو لبنان أو بلغة الجيش – ما تحت عتبة الحرب».
وتغيرت الخطوط الحمراء بشكل طفيف في السنوات العشر الماضية تبعاً لتطورات الحرب، وشملت أن أي انتهاك «لسيادة إسرائيل وأمن مواطنيها سيقابل برد مؤلم هدفه ردع الجناة، خصوصاً مرسليهم ومن يرعونهم وإعطائهم مساحة للتصرف منه»، و«منع استخدام سورية للأسلحة غير التقليدية (الكيماوية) ومنع نقلها إلى لبنان، ومنع أو تعطيل نقل الأسلحة الخطيرة من إيران إلى سورية ولبنان، فضلاً عن منع وتعطيل نقل الأسلحة إلى الجيش السوري وصناعته العسكرية إلى لبنان، وهذا من أجل منع تعزيز وتحسين قدرات حزب الله أو الجماعات الإيرانية، ومنع الأضرار الخطيرة للجبهة الداخلية الإسرائيلية».
كما تشمل منع أو تعطيل نقل الأسلحة (بشكل أساسي صواريخ أرض – جو المتطورة) من إيران إلى لبنان وسورية التي يمكن أن تعرض للخطر وتحد من حرية إسرائيل في التفوق الجوي والاستخباراتي في الساحة الشمالية، ومنع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سورية، على غرار الجبهة التي أقامها «حزب الله» في لبنان بمساعدة إيرانية، ومنع إنشاء «جيوش إرهابية معادية» لإسرائيل، بالقرب من الحدود، بطريقة تسمح لها بتنفيذ عمليات عبر الحدود على حين غرة، إلى جانب منع وتعطيل إنشاء واستخدام الممر البري من إيران عبر العراق وسورية إلى لبنان، والذي سيخدم الاستعدادات اللوجستية والعملية لإيران ومبعوثيها للحرب في إسرائيل.
ويقول بن يشاي «يتم تنفيذ هذه الخطوط الحمراء بوسائل حركية وناعمة (مثل الإنترنت على سبيل المثال) أو سراً، وفي كثير من الأحيان دون تحمل المسؤولية، وفي أحيان يتحمل الجيش الإسرائيلي المسؤولية إذا كان يخدم الجانب الواعي والديبلوماسية العامة للحرب على التوسع الإيراني»، مشيراً إلى أن إسرائيل تقوم بحملة استراتيجية وبشكل استبقية لما يسمى بمعركة ما بين الحربين.
المعارضة والدروز والأكراد
ورغم كل ما سبق، عملت إسرائيل على خلق قنوات تعاون مع معارضي النظام في المناطق القريبة من الحدود من أجل تحقيق 4 أهداف رئيسية، تتمثل في منع وقوع «كارثة إنسانية» في المنطقة القريبة من الحدود بهدف منع تدفق المدنيين السوريين والفلسطينيين الذين يصطفون على السياج الحدودي في الجولان وربما لبنان ويطالبون باللجوء.
والثاني مساعدة المجموعات المحلية بقليل من التسليح الخفيف لحماية القرى والبلدات القريبة من الحدود ومنع إقامة أي تشكيلات «إرهابية» سواء إيرانية أو غيرها بهدف خلق منطقة عازلة.
والهدف الثالث تعطيل إنشاء جبهة إيرانية أخرى ضد إسرائيل. والرابع خلق النوايا الحسنة والارتباط الأيديولوجي والسياسي مع الشعب السوري لتكون بمثابة بنية تحتية للتواصل والتعاون المدني مع الدروز في الجولان بشكل إنساني وتقديم الرعاية الطبية والوقائية لهم، بمشاركة 3 منظمات غربية متطوعة بالتعاون مع إسرائيل، والتي أقامت مستشفى ميداني كبير تم تفكيكه بعد أن استعادت قوات الأسد السيطرة على القنيطرة، ثم أنشأت إسرائيل مستشفى ميداني قرب السياج الحدودي وقدمت العلاج الأولي لجرحى سوريين قبل أن تنقلهم إلى مستشفياتها، وفق بن يشاي.
ونقلت إسرائيل للمجموعات المسلحة كمية قليلة جداً من الأسلحة الخفيفة لمساعدتها في الدفاع عن نفسها وعن قراها، وفق بن يشاي.
ويشير إلى أن «الدروز في داخل الجولان السوري كانوا بعد أن انضم بعضهم للقتال إلى جانب النظام السوري وحزب الله، وبعد سيطرة مجموعات مسلحة على قراهم، طلبوا بضغوط من الدروز داخل إسرائيل وبينهم قيادات عسكرية في الجيش بالتدخل، وتنفيذ عملية برية لترجيح كفتهم، إلا أن إسرائيل رفضت وفضلت عدم التدخل عسكرياً في الحرب الأهلية والحفاظ على قرارها الاستراتيجي بذلك».
كما «طالب الأكراد، إسرائيل بمساعدتهم عسكرياً من دون التدخل بشكل مباشر، لكن من خلال التأثير على صناع القرار في واشنطن لمساعدتهم، وهو ما تم فعلا حتى بات الأكراد يسيطرون بمساعدة الأميركيين على ربع الأراضي السورية وجيوب استراتيجية عدة في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، ويمكن الافتراض أن هذه الحقيقة تخدم أيضاً مصالح إسرائيل الأمنية بشكل جيد»، بحسب بن يشاي.
إنجازات إسرائيل وأخطائها
ويتساءل بن يشاي عما حققته الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل في سورية خلال سنوات الحرب العشر، مشيراً إلى أنه «في المجال الأمني أصبح الجيش السوري ضعيفاً ومنهكاً ولم يشكل خطراً على إسرائيل لسنوات رغم أنه اكتسب خبرة قتالية وحصل على معدات حديثة من روسيا، في المقابل تعمق عمل المخابرات وباتت إسرائيل تتفوق استخباراتيا في سورية والدول المجاورة، ما يجعل من الممكن التحذير من نوايا عدائية وأنشطة تخريبية لإيران وحلفائها».
وفي الجانب السلبي، فإن الخبرة القتالية والقدرات الاستخباراتية والعملياتية الهجومية التي اكتسبها «حزب الله» نتيجة مشاركته في الحرب، يمكن الافتراض أنها ستحسن من قدراته في حرب لبنان الثالثة، في حال وقعت.
وفي المجال السياسي، يمكن لإسرائيل أن تسجل إنجازاً عندما نجحت في إنتاج تعايش وظيفي واتخاذ إجراءات لمنع الاحتكاك والتصعيد مع القوة العسكرية الروسية التي تحمي نظام الأسد، وهذا التعاون الذي يقوم على مبدأ «لا تضر بمصلحتي وشعبي ولن أضر بمصالحكم»، حيث استفادت بالشكل الأمثل من هذا الأمر، لكن يجب الاعتراف بأن الوجود الروسي في سورية يقيد بشكل كبير حرية العمل هناك، وفي وقت الحرب يجب أن نكون حذرين بشكل مضاعف.
ويضيف «روسيا التي حولت الحرب الأهلية إلى ميدان تجريبي لصواريخها وذخائرها الجوية، تزود الجيش السوري بأحدث المعدات، وبعضها يتدفق إلى حزب الله في لبنان، ومن المهم أن نلاحظ أن القرب الجغرافي بين إسرائيل ومنشآتها الحساسة والقوات الروسية في سورية يسمح لرجال بوتين بجمع معلومات استخبارية عن إسرائيل، بل وربما يقومون بعمليات هجومية عبر الإنترنت بسهولة أكبر».
وخلاصة القول «يبدو أن استراتيجية إسرائيل في سورية منذ اندلاع الحرب أثبتت نفسها رغم أنها لم تحقق كل أهدافها، ومن المشكوك فيه أن تكون إسرائيل صممت نظاماً أكثر راحة في دمشق من شأنه أن يزيل الإيرانيين من سورية.
يعد حدوث اضطراب كبير في نوايا إيران وجدولها الزمني من دون التورط في الحرب، إنجازاً جيداً بما فيه الكفاية».