خاص بـ”الشفّاف”
لعل أخطر ما تمارسه المرجعيات الدينية هو العمل على تغييب، وإلغاء، العقول لدى الشيعة بكافة أطيافهم ونُخبهم باسم “ولاية الفقيه”، ونشر ثقافة “التقديس”، وهي أكبر معوِّق من معوّقات الاصلاح. فتجد الغالبية العظمى من المتدينين لا تستطيع أن تبني قناعاتها بنفسها في الأمور المصيرية الجلية الواضحة التي يعتمد عليها مستقبل ابنائها واحفادها، بل لا بدّ لها من اخذ رأي “مقلّدها” او مرجعها الديني، وان كان هذا المرجع ينتمي الى أمةٌ أخرى تختلف تماما في تركيبها التاريخي والاجتماعي والثقافي، وحتى اللغوي والنظام السياسي!
***
امام الكويتيين الموالين لـ(الولي الفقيه) في هذه المرحلة المفصلية الحرجة حل واحد فقط لا ثاني له: إما ان تكونوا كالمواطن السويدي والدنماركي والالماني والياباني الذي لديه ارتباط نفسي والتزام واعٍ تجاه وطنه يتجلى في ممارسات مسؤولة تحرص على حماية الوطن واستقراره وتطوره؛ أو أن تتورطوا في الانتماء الديني والنعرات الطائفية المدمرة! فلقد زلزلت الارض زلزالها في ما لا يقل عن تسعة بلدان عربية بإسم “الاسلام “و”العروبة” و”البعث” و”الاشتراكية” والطائفية و”المذهب”، بحيث بلغ العنف فيها حداً غير مسبوق من الوحشية والهمجية.
مزّق الاقتتال في سوريا والعراق وليبيا واليمن مجتمعات بأكملها. والأدهى أن التوتر آخذ في التصاعد حتى في البلدان التي تنعم بسلام نظرياً.
باتت مخاطر انزلاق الوضع في الخليج أكثر خطورة بسبب الثقافة الأسطورية للجمهورية الاسلامية الايرانية! ففكرة (ولاية الفقيه) تعتمد في حكمها على حكاية تقليدية خارقة للعادة بطلها (المهدي المنتظر) وسيناريو ظهوره عند الشيعة دموي ومدمر لأبعد الحدود. ثقافة تُدَّرس بشكل مكثَُف في مدارس ايران منذ ٤٠ سنة. هذا رئيس ايران السابق (احمدي نجاد) يصرّح علناً في مقابلة تلفزيونية أنه، عندما كان يخطب في الامم المتحدة، كان يشعر بشعاع نور “الإمام المهدي” من خلفه! بمعنى آخر ان “المهدي” كان يلقّنه ما يقول! هذا ليس بكلام خطيب مسجد او منبري او مدرس بل كلام رئيس جمهورية تم نشره في صحيفة (كيهان) الرسمية. فإيران دولة لا تستطيع ان تؤمن بالقوانين والاعراف الدولية في ظل هذه الثقافة الغيبية غير الطبيعية، وهذه حقيقة مغيّبة للأسف عن معظم الشعوب وحتى دول أوروبا وامريكا وروسيا ويابان والصين.
انا شخصياً لا أستبعد أيَّ عمل عدواني من جانب الجمهورية الاسلامية الايرانية لدول الجوار وان كانت صديقة، كالكويت!
فقد اظهرت ايران العنف اللفظي ضد دول الجوار منذ بداية قيامها في ١٩٧٩. والعنف اللفظي في معظم الاحيان ينتهي بالعنف الصلب (استخدام القوة). فالعقيدة الاستراتيجية للجمهورية الاسلامية الايرانية قائمة على الهلع الشديد والرهبة من عدم بقاء النظام! لهذا ينظّر الحكم في ايران ان افضل حماية للنظام هي التعسف والقمع الداخلي والحروب الخارجية لتحقيق استراتيجية تطهير الجوار الجغرافي من كل احتمالات التهديد المتخيل. وقد ساهمت تدخلات ايران الاقليمية في الاربعين سنة الماضية في تشتيت الطاقات وتبديد الموارد الطبيعية في ايران ودول الخليج، اضافة الى الدمار واستنزاف الموارد البشرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن..!
الكويت والسعودية هما الدولتان الوحيدتان، من اصل خمس دول (ايران، العراق، السعودية، الكويت، فنزويلا) مؤسِّسة لمنظمة (اوبيك) في 1960، اللتان حافظتا على استقرار عِملَتَهما وقوتهما الشرائية في الـخمسين سنة الماضية!
وهذه نعمة عظيمة! فقد ثبتت وكالة (موديز) Moody’s الدولية للتصنيف الائتماني تصنيفها الائتماني السيادي للكويت عند المرتبة (ايه.ايه) AA لعام 2019 مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأوضحت ان النظرة المستقبلية المستقرة تعكس توقعات الوكالة بأن تحافظ الكويت على القوة المالية الكبيرة جدا في ظل تقلبات أسعار النفط والضغط الديموغرافي على المدى الطويل. بالمقابل البوليفار الفنزويلي و”التومان” الايراني والدينار العراقي في الحضيض والى الأسوأ يوماً بعد يوم!
وكسائح كويتي زرت حديثا مع عائلتي مدينتي “مشهد” و”طهران”، فقداكتشفت أن “الملاذ الآمن” للمواطن الايراني، الذي لا يثق اطلاقا بـ”التومان” الايراني، هو الدولار الامريكي! يقول لي المسؤول الاداري للفندق الذي اقمت به في طهران: “انتم، الكويتيون، تنتظرون العطل الصيفية بفارغ الصبر حتى تُصيّفوا في ربوع النمسا الخلابة وريف سويسرا الساحر ولندن وفرنسا، اما نحن الايرانيون فإننا ننتظر شهري محرم وصفر ووفيات الأئمة للبكاء والنحيب على الماضي..”!
هل تريدون ان يكون مصيركم مصير فنزويلا وايران والعراق والدول المصنفة بـ”الدول الفاشلة” Failed States او “الدول الهشة” Fragile States حسب مؤسسة Fund for Peace؟
يا جماعة حكّموا عقولكم، ولا تتهوروا..!
تحياتي لكم