الصورة: قناة السويس تشكل أقصر طريق ملاحي بين إيران وسوريا، ولكنها لا تستوعب أية سفينة ثقيلة يزيد غاطسها عن ٢٠ متراً.
حينما أقدمت بريطانيا ومستعمرتها “جبل طارق”، الواقعة على المضيق الذي يربط البحر المتوسط بالأطلسي، على احتجاز ناقلة نفط إيرانية عملاقة متجهة إلى سوريا، فإن أحد أول الأسئلة التي طرحها المراقبون كان عن السبب الذي أوصل الناقلة الإيرانية إلى ذلك المكان البعيد جداً سواءً عن نقطة تحميلها في إيران أو عن وجهتها في سوريا!
إن السفينة التي تنقل شخنة من إيران إلى سوريا لا تحتاج إلى أكثر من الخروج من مياه الخليج الفارسي، والدوران حول شبه الجزيرة العربية، لكي تدخل إلى البحر الأحمر وتجتاز قناة السويس تمهيداً للرسو في مرفأ سوري. وتقطع في مثل تلك الرحلة ٣٥٠٠ ميل بحري. وهذه المسافة أكثر من رحلة يوم واحد، ولكنها تظل قصيرة بالمقارنة مع رحلة تقطع عدة بحار.
ومع ذلك، فإن الناقلة الإيرانية “غرايس ١” اتبعت مساراً أطول بكثير جعلها تدور حول القارة الإفريقية وتقطع ١٢٠٠٠ ميل بحري للوصول إلى سوريا- أي الرحلة التي كانت السفن تقوم بها قبل شق “قناة السويس” قبل حوالي ١٠٠ سنة!
وقد أكّدت عدة شركات متخصصة بتتبّع الناقلات، وبينها شركة Kpler وشركة TankerTrackers وغيرها أن الناقلة الإيرانية اتبعت فعلاً ذلك الطريق الطويل.
جدير بالذكر أن إيران كانت تزوّد نظام بشّار الأسد بالنفط الرخيص أو حتى المجاني منذ سنوات، لأن حقول النفط السورية المتواضعة الإنتاج خرجت عن سيطرة نظام دمشق.
واستناداً إلى أرقام حصل عليها “راديو فردا”، ففي الفترة بين يناير ٢٠١٧ وأكتوبر ٢٠١٨، قامت إيران بتوريد ٥٠ ألف برميل يومياً لنظام بشار الأسد. واستناداً إلى متوسط الأسعار في تلك الفترة، فإن ذلك يعادل ٣ مليون دولار يومياً، أو أكثر من ١ مليار دولار في السنة الواحدة. وتلك مبالغ لا تملكها حكومة الأسد نظراً لاستمرار الحرب الأهلية وللدمار الشامل للبلاد.
ولكن تدفّق الذهب الأسود إلى سوريا توقّف في نوفمير ٢٠١٨، حينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية. وعندها تعرضت سوريا لأزمة وقود حادة، وأفادت وسائل الإعلام السورية والعربية أن السيارات تقف في طوابير طويلة أمام محطات الوقود في دمشق.
وقد استؤنفت شحنات النفط الإيراني إلى سوريا خلال الشهرين الأخيرين. وأفادت تقارير شركة Tanker Trackers أن إيران قامت بتزويد سوريا بمعدل ١٠٠ ألف برميل من النفط الخام في اليوم.
وكان تقرير أخير قد أفاد أن ناقلة إيرانية تحمل ١ مليون برميل من الخام كانت تنتظر قبالة الساحل السوري لأن الأنبوب المغمور الذي ينقل الخام إلى مصفاة سورية كان قد انفجر. واتهمت وسائل الإعلام السورية “دولة أجنبية” بتدبير الإنفجار.
ولاحقاً، أكدت حكومة سوريا أنه تم إصلاح خط الأنابيب، كما أكد موقع Tanker Trackers أن الناقلة الإيرانية أفرغت حمولتها في ٢ يوليو الحالي وأن ناقلة إيرانية أخرى كانت متوجهة إلى سوريا.
ويبدو أن معظم الناقلات الإيرانية التي تحمل نفطاً إيرانياً كانت قد سلكت الطريق الأقصر عبر قناة السويس. فما الذي حمل الناقلة “غرايس ١”، إذاً، على اتباع الطريق الأطول للوصول إلى سوريا؟
إن الناقلات العملاقة قادرة على اجتياز قناة السويس، ولكن غاطسها لا يتجاوز ٢٠ متراً. وإذا حدث أن ناقلة نفط كانت أثقل من ذلك، فإنها تفرّغ قسماً من شحنتها قبل اجتياز القناة، ويتم ضخّ النفط الذي تم تفريغه إلى الجانب المقابل للقناة. ولكن المملكة العربية السعودية في ملكية الأنبوب الذي تتم عملية ضخ الفائض عبره، ولن تسمح للنفط الإيراني الذاهب إلى سوريا بالإستفادة من المرفق.
وحسب تقرير Tanker Trackers، فإن غاطس “غرايس ١” كان أكثر من ٢٠ متراً بسبب حمولتها الثقيلة! إن حمولة الناقلة هي ٢ مليون برميل من النفط “الخام”، الأخف من “الفيول أويل”. ويبدو أن الوزن الإضافي، الذي أوصل غاطس السفينة إلى أكثر من ٢٠ متراً، ناجم عن تحمليها بمادة “الفيول أويل” (زيت الوقود).
(إضافة من “الشفاف”: لا تملك إيران المصافي الكافية حتى لاستهلاكها الداخلي، ولذا فإنها مضطرة للتكرير في العراق، أو في الهند! أي أن إيران تتحمّل كلفة تكرير النفط الإيراني الخام الذي يحصل عليه نظام الأسد.. مجاناً! يعني ذلك أن “هبات” النفط الإيراني للأسد تتجاوز بكثير رقم ١ مليار دولار سنوياً).
وهنالك احتمال ثانٍ عدا الإعتراض السعودي وهو أن خط الأنابيب المصري الذي يتجاوز قناة السويس لا يُستخدم للفيول النقيل، بل يخصص للخام الخفيف أو شبه الخفيف.
أن “الفيول” الأنقل الذي كانت تحمله “غرايس ١” يصلخ للسفن أو لمحطات توليد الكهرباء.
لقد طلبت إيران من بريطانيا الإفراج عن الناقلة، ولكن قرار احتجازها استند إلى العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا في العام ٢٠١١. ولم تعلّق دول أوروبا حتى الآن على القرار البريطاني.