لم يكد قائد معتقل الخيام زمن الاحتلال الاسرائيلي عامر الفاخوري يغادر لبنان، حتى تعرض مساعده أنطوان الحايك (٥٨ عاماً) للاغتيال في وضح النهار في محلّه الكائن في بلدة “المية ومية” بجنوب لبنان، علما ان الحايك كان سلم نفسه للسلطات اللبنانية عقب انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من لبنان، وامضى عقوبته في السجن، وخرج من بعدها ليتابع حياته.
عودة الفاخوري الى لبنان ما زالت لغزا، حيث لم تتضح اسبابها، الى الان!
وبالعكس، فطريقة خروجه اصبحت معروفة. حيث قررت المحكمة العسكرية سقوط التهم عن الفاخوري بمرور الزمن، وغادر المستشفى الذي كان فيه بسبب سوء وضعه الصحي، بمرافقة من حرس السفارة الاميركية، وقوى عسكرية لبنانية، الى مقر السفارة الاميركية في عوكر شمال بيروت، حيث اقلته مروحية عسكرية تابعة لقوات المارينز، الى قبرص ومنها الى الولايات المتحدة.
بيت في “الخيام” وصلات بشخصيات لبنانية
الفاخوري، وقبل عودته الى لبنان، كان ناشطا في الولايات المتحدة، وشيد منزلا في بلدته “الخيام” استعداد لعودته المرتقبة. في هذه الأثناء، كان ضيفا دائما على احتفالات السفارة اللبنانية في واشنطن، ما اتاح له الالتقاء بكبار الشخصيات اللبنانية التي كانت تقام لها حفلات استقبال في مقر السفارة، وسائر حفلات الاستقبال التي كانت تقام للبنانيين في واشنطن.
خلال تلك اللقاءات، تعرف الفاخوري الى قائد الجيش اللبناني، وعدد من النواب والوزراء، ومن بينهم وزير الخارجية السابق جبران باسيل. وقد طلب الفاخوري من باسيل استطلاع امكان عودته الى لبنان، الامر الذي وعد باسيل بمتابعته قانونا، ومن خلال الجيش اللبناني، والاجهزة الامنية المعنية. وبالفعل، وبعد مراجعات باسيل، تبين ان اسم الفاخوري لم يعُد مدرجا على لائحة المطلوبين للعدالة، بسبب سقوط التهم بمرور الزمن. فقد مضى زهاء عشرين عاما على فرار الفاخوري، ما شجعه على اتخاذ قرار العودة، حيث حط في مطار رفيق الحريري الدولي، فاعتقلته الاجهزة الامنية اللبنانية.
ومع ذلك، اذا كان الوزير باسيل طمأن الفاخوري الى امكان عودته، ألم يكن الفاخوري يعرف ان العديد من ضحاياه ما زالوا احياء يرزقون، في دولة يسيطر حزب الله على قراراتها الامنية والسياسية؟ هل هو من الغباء ليقرر العودة الى لبنان في ظل هكذا دولة؟
الفاخوري “تطوّع” لمهمة استطلاع.. ونجح في مهمته!
معلومات تشير الى ان عودة الفاخوري لا تحكمها السذاجة ولا التسرع، ولا تطمينات الوزير باسيل! وترجّح المعلومات ان يكون الفاخوري “تطوع” للقيام بمهمة استطلاع بشخصه لامكان عودة الفارين الى اسرائيل، بعد الانسحاب الاسرائيلي، والذين انتشروا من اسرائيل الى اصقاع العالم. وانه “تطوّع” مدعوما بجنسيته الاميركية، وعلاقاته السياسية بالادارة الاميركية خصوصا نواب واعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي في ولاية نيوهامشير، إضافة الى مرضه العضال، وتطمينات وزير الخارجية السابق.
دخل الفاخوري الى لبنان، وتم توقيفه، وتعرض لنكسة صحية استوجبت نقله الى المستشفى للعلاج، وبقي فيه الى يوم مغادرته. ومن يوم دخوله لم تهدأ المطالبات باطلاق سراحه لان قانون الجزاء اللبناني يعطيه هذا الحق، في معزل عن مزايدات المزايدين، والذين استفاقوا بعد عشرين عام على الفاخوري متهمينه بالعمالة لدولة اجنبية، وتعذيب وقتل مقاومين لبنانيين في معتقل الخيام اثناء إدارته للمعتقل قبل عشرين عاما.
من جهتها، هددت الولايات المتحدة بمعاقبة كل من له علاقة بملف الفاخوري، واعتبرته معتقلا لدى السلطات اللبنانية. وتسلّح فريق الدفاع عنه بالقانون اللبناني، للمطالبة بالافراج الفوري عنه وتوقيف كل اشكال التعقب في حقه. وهذا ما تحقق لاحقا في قرار المحكمة العسكرية، بوقف التعقبات في حق الفاخوري، واطلاق سراحه بعد ان اسقطت التهم بمرور الزمن.
نجح الفاخوري وهو على سرير المرض في تحقيق الغاية من عودته الى لبنان، حيث سجل سابقة قانونية تتيح لاي راغب العودة، بالافادة من قرار اطلاق سراحه الفاخوري، لوقف التعقبات ومنع المحاكمات على كل متعامل مع قوات الاحتلال الاسرائيلي قبل عشرين عاما.
استفاد الفاخوري من مرضه فامضى معظم فترة توقيفه في المستشفى، واستفاد من علاقاته الديبلوماسية مع الادارة الاميركية ليشكل “لوبي” ضاغطاً على السلطة اللبنانية وافلت من محاكمة متأخرة عشرين عاما على تعامله مع دولة اجنبية، وأسس لعودة آخرين.
قرار اغتيال “الحايك” صدر من “حارة حريك”!
ولكن فات الفاخوري، ومن يعمل معه، ان حزب الله الذي تعرض لكثير من الاحراج بسبب قرار المحكمة العسكرية، لن يسمح بعودة هؤلاء، وهو يقرر من يعود ومن لا يعود! وحسب أحد الناطقين بلسان الحزب فإن “إغتيال الحايك رسالة للداخل اللبناني: لا لعب مع محور المقاومة”!
ولذلك كان الرد الفوري باغتيال جورج الحايك مساعد الفاخوري، في بلدة “المية ومية”، من قبل مجهولين في وضح النهار، باكثر من عشر طلقات من مسدسات مزودة بكواتم للصوت.
وتلك رسالة لكل من تسول له نفسه العودة الى لبنان على طريقة الفاخوري، مستفيدا من قرار المحكمة العسكرية اطلاق سراح الفاخوري، دون المرور ب”البوابة المعتمدة” لهوءلاء في “حارة حريك”.