لأول مرة منذ نشوء ما يسمّى “حزب الله” فقد انتفضت “بيئته” في وجهه، ولم تنفع إطلالات امين عام الحزب المكثفة في بدايات الثورة للربط بين ما يجري في لبنان، وما يجري في “ساحات الاقليم”، محاولا استيعاب حركة الشارع المطردة، وغامزا في الوقت نفسه، من قناتين: الاولى، ان حزبه يقف في وجه الفساد، ويحارب الفاسدين في الدولة اللبنانية، وهي مقولة لم تقنع أحداً من ثوار ١٧ شباط. او من خلال نظرية المؤامرة الأميركية بالتواطؤء مع حزب “القوات اللبنانية“، او الحزب التقدمي الاشتراكي، وصولا الى تيار المستقبل، برئاسة الرئيس سعد الحريري.
محاولات نصرالله لم تلق الآذان الصاغية.، فزادت الانتفاضة الشعبية، لتبلغ عتبة الثورة، وانتفضت البيئة الشيعية في وجهه، فشهدت بلدات جنوبية وبقاعية، حيث الاغلبية الشيعية، والتي يصادر قرارها حزب الله وحركة أمل، برئاسة نبيه بري، رئيس المجلس النيابي اللبناني، اعتصامات وتظاهرات بدأت خجولة تم توسعت بفعل مثابرة المتظاهرين، من جهة، وتنكر الدولة، حتى اللحظة، لوجعهم ومطالبهم، من جهة ثانية.
ولعل ابلغ ما يخيف الحزب الالهي، وتوأمه، زعيم حركة المحرومين، نبيه بري، هو تلاقي الساحات، فكل صرخة تحية من طرابلس–السنية، بالعرف اللبناني، وجل الديب–المسيحية، ايضا بالعرف اللبناني، لساحات النبطية وكفرمان وبعلبك وصور وتعلبايا، كانت تزيد من خشية الثنائي الشيعي، من تلاقي اللبنانيين، خارج الاصطفافات والتهديدات.
وحين قرر الثنائي الشيعي، كتم صوت الثورة والثوار، بالشراكة مع التيار العوني التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون، تعهد انصار الثنائي، بساحات مناطق نفوذهم، في حين تعهد انصار التيار العوني، بساحاتهم ايضا.
وفي ليلة ليلاء، انطلق عشرات الرعاع الى الساحات في بيروت والبقاع والجنوب، وامعنوا فيها تخريبا، وحرقا وتكسيرا لكل ما بناه الثوار خلال اكثر من شهر، مرددين هتافات “شيعة شيعة شيعة، والله ونصرالله والضاحية كلا“، وهي هتافات قد تثير حفيظة المسلمين السنة والمسيحيين في بيروت والمناطق المسيحية، إلا أنها لا تثير حفيظة المنتفضين الشيعة، من بيئة الحزب، التي لم تخف غضبها من جر الحزب ابناءها الى الاقتصاد الريعي المرتبط بالمعاشات الشهرية التي تصل الى نصرالله من ايران، وحين تراجعت التحويلات الايرانية، نفض نصرالله يديه من الانصار والاتباع، وحصر التقديمات بالذين يخدمون حزبه حصرا من مقاتلين واداريين ولوجستيين وسواهم….
في بعلبك اعتصم المتظاهرون بحبل سلمية ثورتهم، ولم يواجهوا رعاع الثنائي. إلا أنهم وفي اليوم التالي أعادوا وبهدوء تركيب خيمهم، ونظّفوا “ساحة خليل مطران” في وسط المدينة، من نتائج اعمال شغب الرعاع، ورفعوا من جديد الاعلام اللبنانية، واعلام الجيش اللبناني، غير آبهين، بما ستكون عليه ردة فعل “الثنائي”.
وكذلك في صور والنبطيه وفي ساحة الشهداء وغيرها من الساحات التي تعرضت للتدمير.
وللتعبير عن حبهم للفرح، وعن رفضهم لثقافة التجويع الممهدة لجر الشباب الى الموت “استشهادا“، دفاعا عن الخامنئي، ومصالح ايران في الاقليم، لجأ الثوار الى تحويل الساحات الى واحات تلاقي للفرح، فكان بينهم الفنان مرسيل خليفة، وواحمد قعبور، وعبدو شاهين وبديع ابو شقرا وغيرهم وغيرهم. فغصت “ساحة خليل مطران” بالمنتفضين على الحزب اولا، وعلى جوعهم ثانيا، تظللهم للمرة الاولى دون قرار حزبي الهي، الاعلام اللبنانية، ورايات الجيش اللبناني.
ومن بيروت الى صيدا الى النبطيه وصور وبعلبك يجول خليفه وقعبور وشاهين وابو شقرا يزرعون الامل في قلوب الثوار ويعطونهم زخما لطالما افتقدوه في مواجهة جلاديهم من الاهل اولا، السلطة المتحالفة مع اهل القربى ثانيا.