بقلم: أحمد فارس الشدياق
هل اشتمل « تفاهم مار مخايل » على بندٍ ضمني ينص على « كفّ يد الكنيسة »، أي « المسيحية »، عن الضاحية الجنوبية لبيروت؟ وهل خرق الأب جان عقيقي، بترتيله الجميل والراقي، بنداً « ذِمّياً » غير معلَن في « تفاهم مار مخايل » (المُسمّى « إتفاق القاهرة ٢ »)؟ وبذلك استفز الأب المحترم الحزبَ الإيراني المتعصّب دينياً إلى أبعد الحدود (رغم مزاعمه « التسامحية »)، والذي « لا يَهين عليه » أن يُقام « إحتفال » يُشبِه « قداساً مسيحياً » على روح شهيد « شيعي » مبدئياً، ووسط منطقته الشيعية!
هل نبالغ؟ كلا! وإلا فليفسّر لنا العونيون لماذا واجه حزب الله « شيعة ثورة ١٧ تشرين »، في النبطية، وفي بيروت، بشعار.. « شيعة، شيعة »!
وبذلك، فقد أحرج الأب الرائع (من غير أن يدري، ونحن فخورون به) « ذُمّيي » الحزب العوني الذين تنازلوا عن جزء من الوطن للحرس الإيراني ولمؤسسة « ولاية الفقيه » التي لا تمثّل سوى « أقلية صغيرة » من الشيعة في العالم؟
وأحرج، أيضاً ومن غير أن يدري، الكنيسة المارونية الام والراعية! ومفهوم الرعاية ان تتقدم الكنيسة قطيع المؤمنين لا ان يجر القطيع الكنيسة! عندها تخسر دورها في الامومة والرعاية وتصبح مؤسسة اجتماعية تدير عقاراتها واملاكها، وتخسر مبرر وجودها بالشهادة للمسيح، ويعمل احبارها، من مطارنة ورهبان وقساوسة على رأسهم بطريرك، على الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية ومكانتهم الاجتماعية، التي يعطيهم اياها الثوب الكهنوتي، من دون مبرر.
مناسبة الكلام البيان الذي اصدره (الراعي) الافتراضي لموارنة العاصمة اللبنانية بيروت، “المطران” بولس عبدا الساتر، يتبرأ فيه من الراهب جان عقيقي، الذي شارك في تأبين الناشط الشهيد لقمان سليم يوم الخميس امس، ولولا العيب، ولولا ان عبد الساتر يفتقر الى الصلاحية، لكان تجرأ ونزع صفة الكهنوت عن الراهب عقيقي.
المثير في البيان انه مستهل بجملة “بعد ورود اتصالات مستنكرة“، وحقيقة الامر لم يشرح لنا “السامي احترامه” الافتراضي، عبد الساتر، طالب السترة من الاتصالات المستنكرة، من هم هؤلاء الذين اتصلوا مستنكرين؟ ولماذا هم تجرأوا وهو خاف؟ وهل هذا دأب المسيحيين؟ الم يكن « آباء الكنيسة » مشاريع شهداء إقتدوا بـ« المعلم » السيد المسيح؟
لماذا خاف بولس عبد الساتر وطلب « السترة » من المستنكرين؟
وعلام خشي لومة لائم؟ وما هو الاثم الذي ارتكبه راهب العيش المشترك جان عقيقي؟
وهل ترتيلة “انا الام الحزينة” بعمقها الوجداني والانساني لا تنطبق على والدة الشهيد لقمان سليم، وكل والدة تضطر الى دفن ابنها الذي قُتل غدرا مثل لقمان سليم؟ (بالمناسبة، عائلة مرشاق، وهي عائلة أم لقمان، أصلها عائلة مارونية من البترون..!).
الاب يوحنا جحا، الراهب اللبناني الماروني، العضو في اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية فرع الموسيقى المقدسة، المدير السابق لجوقة الكسليك، يقول لجريدة النهار إن “ناظم هذه الطلبة هو المطران عبدالله قراعلي، مطران بيروت في القرن الثامن عشر، وهو أحد مؤسسي الرهبانية اللبنانية والرهبانية المريمية”، لافتا الى ان “طلبة الأمّ الحزينة ترافق مسيرة الشعب الماروني منذ نحو ثلاثمائة سنة، وهي طلبة توافق طبيعة المارونيّ ابنِ الجبل والأرض، محبّ المسيح ومريم، الشعب المجبول بالعاطفة والتضامن والمحبّ للصلاة”.
وهل محبة يسوع المسيح ومريم العذراء من قبل الشعب المجبول بالعاطفة والتضامن والمحب للصلاة إثم ارتكبه الراهب عقيقي ليتبرأ منه طالب السترة؟
وطالما ان راهب العيش المشترك لا يتبع لابرشية الراعي السامي الاحترام طالب السترة عبد الساتر، كما جاء في بيانه المنشور أعلاه، فلماذا أصدر البيان من الاصل؟ ولماذا لم يصدر بيان مماثل عن « أبرشية قبرص المارونية » التي لا يتبع لها، أيضاً، الأب الرائع عقيقي؟
ألم يكن حرياً بمطران بيروت « الماروني” ان يتبنى مشاركة الراهب عقيقي في تشييع مواطن في نطاق ابرشيته؟ اليس هو مطران بيروت؟ ألم يكن حرياً به ان يباهي بشهادة راهب العيش المشترك جان عقيقي للمسيح ومشاركته في دفن مواطن لبناني خرج من قوقعة وتزمت المتعصبين من مدعي التدين المزيف، الى رحاب الانسانية التي تعلي شأن الانسان، أو ليست هذه غاية ومنتهى المسيحية؟
البطولة!: مطران يرفع الغطاء عن كاهن!
ولكن يبدو ان المستنكرين أخافوا « طالب السترة »، فخشي الاقتداء بالمعلم السيد المسيح، الذي استشهد على الصليب، ولم يساوم، وهو البريء، بحسب جلاده بيلاطس البنطي.
وكما انصاع بيلاطس البنطي لتحذيرات وتهديدات احبار اليهود، الذين اختاروا في عيد الفصح ان يصلب “المعلم” السيد المسيح، بدلا من برباس او برنابا، انصاع طالب السترة، واختار الحل الاسهل، وهو التبرؤ من راهب العيش المشترك، وتركه يواجه سكاكين الجلادين، فرفع عنه غطاء الكنيسة وتركه نهشا لالسنة وتطاول الحاقدين.
من استنكر، أيها المطران؟
المستنكرون، هم إثنان، طرف جاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكشف هويته، من دون مواربة، وهم انصار التيار العوني، ولهؤلاء تجربة سيئة مع الصرح البطريركي، حيث هاجموا ذات يوم الصرح، وامتهنوا كرمة البطريرك مار نصرالله صفير، ووصفوه بابشع النعوت، ويومها كان الى جانبه المطران/البطريرك حاليا، بشارة الراعي وشهد على ما تعرض له البطريرك صفير، ويبدو ان ذلك المشهد لا يفارقه، ويخشى “ان يتم تجريد حملة” على الصرح، وهذا ما خشيه طالب السترة عبدا الساتر!
اما الطرف الثاني فهو الحزب الايراني، الذي ولاسباب عقدية، لا يحتمل هذا التلاقي المسيحي الاسلامي في دارة محسن سليم، لانه يتناقض مع مبررات وجود الحزب الايراني ويمثل خرقا لاسوار اجتماعية وثقافية ودينية عمل على اقامتها الحزب طوال عقود، وعمل لقمان سليم على تقويضها بقلمه ومنشوراته، وجسد تأبينه في دارة العائلة، المزيد من التقويض لاسوار الخوف والمكابرة والاستكبار الذي اوهم الحزب الايراني انصاره ان في استطاعته ان يقيمهم فيه الى الابد.
والتقى الطرفان، تيار الجهل العوني، وحزب التعصب الايراني، على افتعال قضية اعطوها طابعا دينيا وجروا اليها المتعصبين من الجانبين، خصوصا جماعة تيار الحقد والتعصب، لحرف الانظار عن هول جريمة اغتيال لقمان سليم!
فتحول النقاش حول جواز ترتيل “انا الام الحزينة” في تأبين لقمان سليم، شهيد الكلمة والموقف والشجاعة!
ألا تحض المسيحية على الشهادة بالكلمة والموقف والشجاعة؟
كلمة أخيرة، يكفي القارئ الشيعي من عائلة « الخليل » فخراً، حتى لو تعرّض للتهديد، وحتى لو اضطر لإصدار فيديو تراجع، أنه من عائلة « الخليل » التي تعيش في « الشياح » و »الحارة » منذ عشرات السنين،ـ وهي من أكثر العائلات الشيعية تسامحاً وتعايشاً مع « النصارى »!
وعزاؤه أنه، كشيعي « أصلي » من الضاحية، لم يكن يعرف بوجود البنود الذمّية غير المعلنة في « تفاهم مار مخايل »!
يا حاج: كل الشكر لإدائك الرائع في عزاء صديقنا « لقمان سليم »، وهو أيضاً، مثلك، من العائلات الشيعية « الأصلية » في « الحارة »، بعكس « الطارئين عليها »، و « الطائرين إليها » من طهران!
نحن فخورون بك كرجل دين شيعي، مثل فخرنا بالراهب الماروني! كل منكما شهد لدينه.. ولإنسانيته! « ولو كره الكارهون »!