ويلاقيه وزير الدفاع الياس بو صعب، فيعلن انه “طالما هناك أطماع إسرائيلية بأرضنا ومياهنا، لا يمكن الحديث عن استراتيجية دفاعية، وعن الجيش قوة وحيدة مسلحة”.
أما الاستراتيجية الدفاعية، فتأتي على سيرتها مصادر من يحمي سلاح الحزب غير الشرعي ويشرعنه كثمن لوصوله الى السلطة، فقط لرفع العتب. فهي لم تعد نجمة طاولات الحوار منذ العام 2005 بعد خروج النظام السوري من لبنان، لـ”تنفيس” الازمات بين “حزب الله” الذي حل محل هذا النظام في الحياة السياسية اللبنانية، وبين أحزاب “14 آذار” التي كانت قد بدأت منذ تلك الفترة عدّها التنازلي عن السيادة، بمجرد قبولها بطاولة حوار تلغي مؤسسات الدولة.
بالتأكيد لا نيات سليمة لإنهاء الانتهاك للسيادة.
فهذه الاستراتيجية لم تعد أولوية، وتحديداً بعد نيل “حزب الله” وحلفائه اكثرية مريحة في مجلسي النواب والوزراء. تالياً لا حرج مع سلاح الحزب، ولا مصلحة توجب البحث عن لبنانية مزارع شبعا، التي توفر ذريعة لمصادرة لبنان لمصلحة محور الممانعة.
على أي حال، عبثاً يبحث فريق لبناني في قضايا مصيرية وسيادية، حتى لو كانت تتعلق بالحدود اللبنانية. كلنا يذكر استباق القيادات الإيرانية موقف لبنان الرسمي بالايحاء للمجتمع الدولي ان ايران هي التي تحدد الاستراتجية الدفاعية بموجب وصايتها على هذا البلد. كأنها تذكِّر بأن سلاح “حزب الله” يؤدي دوره من ضمن اللعبة الكبيرة، في إطار المعادلة الإقليمية.
ستبرز أكثر فأكثر وظيفة هذا الدور مع مواجهة إيران تشديد العقوبات عليها بتحريك “الدواعش” من سري لانكا، مروراً بتهديدات حزب إلهية للغرب بتصدير اللاجئين السوريين اليه، مع الغمز من قناة الإرهاب المقرونة بهذه التهديدات، وصولاً الى ظهور خليفة المسلمين وقائد “الدواعش” المغيّب أبي بكر البغدادي بلحيته المحنّاة في شريط فيديو وفي صحة جيدة وقيافة وأناقة سوداء تدل على الرخاء، ليؤدي هذه المرة أيضاً وظيفته التي نسجها وخاطها وألبسه إياها مَن خطط لقتل الثورة السورية وارغام المجتمع الدولي على عدم إطاحة بشار الأسد، وها هو اليوم يوسّع دور فزّاعته ليزرع الرعب والموت أينما تمكن، فيلوّح بحروب بالاعارة، وبأساليب يحسب انها ترعب الغرب، وليست بالضرورة مواجهة مباشرة بين معسكر ولاية الفقيه ومعسكر الاستكبار الذي يقوده الشيطان الأكبر الأميركي، ما دام هناك من يحارب عنه.
بعض من يحارب عنه، يلعب ورقة حدودنا الجنوبية ومزارع شبعا الباحثة عن هويتها، ولا يضيره التباهي بالنفق الثالث الذي أدانت الأمم المتحدة وجوده، مطالبة الدولة اللبنانية بتطبيق القرار 1701 الذي يكلف 800 مليون دولار سنوياً، تدفع الولايات المتحدة 45% منها.
لكن الى أي مدى سيطول حبل الانتصارات الإلهية مع احتدام لعبة الدول؟
مع الجنون الدائر حولنا، يصبح التشاطر على الطريقة اللبنانية سخيفاً ومكشوفاً وخطيراً، ولا ينفع فيه الترقيع على الطريقة الحالية، اذا صحت قراءة تصريحات وليد جنبلاط عن انه لا ينطق عن الهوى بل يقرأ في خرائط المنطقة، سواء لجهة العقوبات على إيران، او لجهة صفقة القرن. ولا يكفي حينذاك تخوينه وتهديده بمصير مشابه لمصير أبيه!
كلمة السر تكمن في الاستحقاقات الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة ومن ضمنها لبنان.
“حزب الله” قلق في هذه المرحلة العاصفة، هو الذي حسب ان كل السلطة بين يديه، وان لا قدرة لأي طرفٍ سياسي يفكر حتى تفكيراً عابراً في الانقلاب عليه.
قلقه يعود الى خوفه من الرمال المتحركة للسياسة الدولية. حينها لا يكفي اعلان لبنانية مزارع شبعا ليشرعن سلاحه الى أبد الأبدين. فهو ومعه رأس محوره يعرفان ان هذه الرمال قد تطيح موازين القوى التي حسب انه ضَمَنها. ومن يواليه اليوم ليبقى في السلطة، سينقلب عليه اذا صحت القراءة، أيضاً ليبقى في السلطة. ومن تعوَّد نقل البندقية من كتف الى كتف، لن يضيره ان يعود الى مواقفه القديمة التي ترفض حصرية اتخاذ قرار الحرب والسلم بالحزب خارج المؤسسات بحجة انه يحمي السلطة الرسمية والشعب اللبناني من التورط بما يقوم به. حينها لا ينفعه أي طرح لمصير سلاحه مع مَن ينقلب يومياً على تفاهماته.
بعيداً من لبنانية مزارع شبعا والاستراتيجية الدفاعية. هذه المرة يشعرنا أداء الحزب على رغم التهديد والوعيد تارة واللين واعتناق الخوف على الوضع الاقتصادي طوراً، بأن الحكمة تدعوه الى ان يحذر اعداءه مرة وحلفاءه المنتفعين ألف مرة، ولا سيما انهم حلفاء مصلحة وطموح يمكن الاستثمار به. لكن الى متى؟؟
sanaa.aljack@gmail.com
“النهار”