من هنا فإنَّ مُطالبته بطرد إسرائيل من الاتحاد البرلماني الدولي هو نوع من الخروج على القانون الذي قبل عضوية الكويت في ذلك البرلمان تماماً كما قبل عضوية إسرائيل، التي لها مُمثلياتها في نحو 150 دولة، وهي عضو في الأمم المتحدة، لذا كان الأجدى بالرئيس أن ينتقد اندونيسيا الدولة المسلمة الأكبر، التي استضافت هذا المؤتمر ولم تمنع مشاركة تل أبيب. لهذا، فإن الاستعراض بالمطالبة بطردها من هذا المحفل الدولي فيها الكثير من الغرابة، وهي مثار سخرية حتى من البرلمانيين الفلسطينيين الذين يتواصلون يومياً مع الكنيست الإسرائيلي. كما أن هناك اتصالات ولقاءات على أعلى المستويات بين الطرفين، فلماذا لم يطالبوا هم بطردها بدلاً من رئيس مجلس الأمة الكويتي، فهل هذا هو موقف الكويت الرسمي وسلطتها التنفيذية الموكلة إليها السياسة الخارجية، أم هو من عنديات رئيس المجلس؛ لأنَّ ثمَّة من أطلق اسمه على أحد شوارع غزة، أو امتدحه في رام الله؟
خلال الاحتلال العراقي، الذي تحدَّث عنه الغانم في مداخلته في المؤتمر البرلماني مُبرراً موقفه، ومُتناسياً أن صدام حسين حاول طمس جريمته بتوسيع دائرة الحرب عبر قصفه إسرائيل بـ19 صاروخاً، فيما كان قد رفع قبل ذلك شعار “طريق القدس تمرُّ بالكويت”. لكن تل أبيب فوتت عليه الفرصة، وهي بذلك ناصرت الحق الكويتي، بشكل أو آخر. في الوقت نفسه كانت التظاهرات المؤيدة للغزو الغاشم والمُمجّدة لصدام حسين تعمُّ مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، بل لايزال زعماء دول الخليج، ومنهم رموز الكويت، يشتمون إلى اليوم من على منابر غزة والضفة.
يعلم مرزوق الغانم أنَّ غالبية الدول العربية تقيم علاقات، مباشرة أو غير مباشرة، مع إسرائيل، وطائراتها تعبر كلَّ الأجواء العربية. كما أنها دولة مؤيدة من المجتمع الدولي الذي يوفر لها كل الدعم والتأييد، وهي اليوم أحد اللاعبين الإقليميين، إلى حد أن الذين يرفعون شعارات العداء لها يجرون اتصالات سرية معها، كإيران وغيرها من الدول، فيما اعترف بها الفلسطينيون الذين يحرصون على التعاون الأمني معها، بينما هناك مئات الآلاف منهم يعملون في مُدنها ومُستوطناتها، ولم يُطالبوا بإزالتها من الوجود.
ربما فات السيد مرزوق الغانم أنَّ الكويت دأبت منذ عقود على رفض الرَّبط بين القضايا المُختلفة، رداً على ربط النظام العراقي السابق بين احتلال بلدنا والقضية الفلسطينية. وبالتالي فإنَّ تخلي رئيس مجلس الأمة عن هذا المبدأ له تبعات إقليمية ودولية عدة، فهل يُدرك الغانم ذلك؟
صدق الخليفة عمر بن عبدالعزيز حين بلغه أن ابنه اشترى خاتماً بألف درهم فكتب إليه: “بلغني أنك اشتريت خاتماً بألف درهم فبِعه وأطعم بثمنه ألف جائع، واشتر خاتماً من حديد بدرهم واكتب عليه: “رحم اللهُ امرءاً عرف قدر نفسه”. فهل يضع الغانم بإصبعه خاتم ابن عمر بن العزيز كي يتذكر تلك المقولة الشهيرة؟