خاص بـ« الشفّاف »
من الصعب الاحاطة بكامل تجربة الحريرية السياسية في مقال، ولكنها محاولة لقول بعض ما لها وما عليها، مرورا بمحطات سريعة في تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأخرى لنجله الرئيس سعد الحريري.
منذ دخل الرئيس الشهيد رفيق الحريري السياسية كانت الاعين عليه! هو من خارج نادي السياسيين المعروفين للطائفة السنّية، ويستند الى ثروة مالية طائلة نجح في الاستفادة منها لنسج شبكة علاقات دولية وعربية ومحلية أمّنت له شبكة أمان مرحلية لاطلاق اكبر ورشة اعمار لاعادة بناء ما هدمته حروب الميليشات اللبنانية وما قال عنه الراحل غسان تويني يوما أنه « حروب الآخرين على أرض لبنان ».
لعل ابرز شعار رد فيه الحريري الاب على كل الحملات التي تعرض لها جاء في محطته التلفزيونية “المستقبل” وملخّصه “البلد ماشي، والشغل ماشي، والحكي ماشي، ولا يهمك“!
نجح الحريري الاب في حصد جائزة “اسرع عملية اعمار لمدينة هدمتها الحرب“، ولكنه لم ينجح في كسب ثقة حاسدين من جماغة نظام الوصاية السورية، الذي كان يهيمن على لبنان، والعديد من السياسيين اللبنانيين، من كل الطوائف. وكانت تُكال له تهم شتى، من ابرزها سعيه الى « أسلمة الارض »، لانه اشترى عقارا في منطقة « فقرا » في جرود كسروان ليبني عليها قصرا له، وسرت شائعات بأن « القصر » هو « مسجد »، لتحريض المسيحيين على مشروع الحريري. كما انه وافق على « تشريع الزواج المدني » في لبنان رغم الاعتراض عليه من سائر المؤسسات الدينية في لبنان التي وجدت في الزواج المدني انتقاصا من صلاحياتها وسطوتها على اتباع الطوائف! ولكن الحريري بما له وزن سياسي، استمر بموافقته على المشروع، ليتعرض لاحقا لضغوط شتى، مارسها نظام وصاية سوريا على لبنان، ليتأجل بت المشروع الى اليوم.
وحده البطريرك صفير وجد في الحريري ضالة لبنان المنشودة، ورافعة انقاذ للبلاد، من ازماتها، حيث أسّر العميد الراحل ريمون اده لاحد زواره في منفاه الاختياري في باريس، قائلا إن تفاهم صفير الحريري، سينقذ لبنان.
البطريرك الراحل نصرالله صفير، قال يوما لاحد زواره، « هل تعلم ان رفيق الحريري ساهم في اعادة بناء وترميم اكثر من نصف الاديار والكنائس التي هدمتها الحروب؟ حتى كنيسة سيدة النجاة التي تعرضت لتفجير مريب اودى بعدها بحزب القوات اللبنانية وسجن رئيسه، رممها رفيق الحريري، وكان الحريري يصر على عدم ذكر هذا الموضوع على الاطلاق »!
تفاهم صفير الحريري، أثمر غطاءا محليا وازنا لاتفاق الطائف بعد ان انضم اليه زعيم الدروز وليد جنبلاط، الذي ربطته علاقة عضوية برفيق الحريري، ورفضه احد قادة الموارنة، الجنرال ميشال عون، الذي كان ليرضى بالاتفاق لو انه اسفر عن انتخابه رئيسا للجمهورية! في حين وافق عليه حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الذي حيكت مؤامرة عليه وسجن قبل ان يحصد سياسيا ثمار موافقته على الاتفاق.
بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صرخت جموع المشيعين بالمبايعة لنجله البكر بهاء، ولكن يدا قيل أنها سعودية، نصح بها وزير الخارجية السعودي يومها سعود الفيصل، حوّلت وراثة الاب السياسية الى سعد الحريري، فانكفأ بهاء، وتقدم سعد ليجلس على مقعد والده.
***
صمت الرئيس سعد الحريري، فقامت الدنيا ولم تقعد، واذا تحدث الرئيس الحريري، تقوم الدنيا ولا تقعد!!!
ينشغل الرأي العام اللبناني منذ فترة بصمت الرئيس الحريري وتكثر الشائعات بشأن ترشحه الى الانتخابات النيابية المقبلة، هو او اي مرشح من تيار المستقبل، وصولا الى تسريب معلومات بشأن اتخاذ الرئيس الحريري قرارا بشأن حل تيار المستقبل.
الرئيس الحريري شاغل الدنيا اللبنانية هذه الايام.
سواء ترشح الرئيس الحريري ام لم يترشح الى الانتخابات المقبلة فهو ما زال يمثل الثقل السني الوطني المعتدل الوحيد في لبنان.
ما زال الرئيس الحريري وتيار المستقبل حاجة وطنية، بدليل حالة الخوف التي تعتري جميع القيادات السياسية في لبنان من قرار الحريري عدم المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في حال قرر عدم خوضها مع تيار المستقبل، وتسأل معظم القيادات: من هو البديل السني؟ ويأتي الجواب: الجمعيات الاكثر تنظيما خلف تيار المستقبل، وهي « الجماعة الاسلامية » و « جمعية المشاريع » و« الاحباش »، وسواها من جمعيات محلية لديها من التنظيم والقدرة ما يجعلها الاكثر جاهزية لتعبئة الفراغ الذي سيخلفه تيار المستقبل.
ولكن ايضا هل هذه ما يريده السنّة في لبنان؟ ام سائر الاطراف السياسية؟
بالطبع ليس هذا ما يريده السنّة، ولا اي فريق سياسي لبناني. حتى حزب الله، المتهم رسميا باغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، يحث نجله سعد على عدم ترك الساحة السياسية لانه يجد فيه محاورا معتدلا، يعلي المصلحة الوطنية ولو على حسابه.
سائر الاطراف السياسية، يتقدمها رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي ما انفك يناشد الحريري عدم ترك الحياة السياسية.
« القوات اللبنانية »، الشريك الآخر للحريري، تلتزم الصمت ازاء ما يتم تسريبه عن قرار للحريري بالاعتكاف واعتزال السياسة! ويستمر انصار « القوات » في مهاجمة الحريري وتياره، محملينه اخطاء الجمهورية كاملة!
ولكن في حال اعتزل الحريري السياسة من هو الشريك السني الذي ستمد القوات يده له؟ وهل سيُنتخب سمير جعجع رئيسا للجمهورية من دون الصوت السنّي؟
صمت الحريري سيف ذو حدين! فهو من جهة احرج الخصوم والحلفاء على حد سواء، ومن جهة ثانية يعكس حجم محنة الرئيس سعد الحريري.
محنة الحريري بدأت فور دخوله السياسة، بطريقة غير مألوفة، فوق جثة والده المضرجة بطنين من المتفجرات، ووسط ذئاب السياسة اللبنانية الذين لم يكن قد خبر منهم احدا، ووثق بهم!
حتى حسن نصرالله الذي قتل والدَه، وجاء الى قريطم للتعزية به!
وضربت عين الحسد ايضا الحريري الإبن ،على غرار الحريري الاب، من الاقربين ومن الابعدين، حلفاء وأهلا وأقارب وخصومأ. ففي حين انتقلت عائلة الحريري التي اقتسمت ثروته المالية الى قطاع الاعمال، وغابت عن السياسة كليا، تحَمَّلَ سعدُ الحريري الذي حصل على جزء من ثمانية اجزاء ثروة والده الشهيد المالية، اعباءَ الزعامة والعلاقات المحلية والعربية والدولية كاملة!
زوجة الرئيس الشهيد « نازك »، وقبل احياء ذكرى اربعين زوجها الشهيد رفيق الحريري، جمعت بعض الصحافيين والاعلاميين الذين كانوا يجالسون زوجها الشهيد، وسألتهم رأيهم في توليها هي حمل راية زوجها الشهيد، قائلة ان العديد من الانصار يطالبونها بتولي زاما الامور السياسية من بعده.
ولكن الارادة السعودية يومها، وما كان لوزير الخارجية السعودية من مَونة، حسمت الامر لصالح الرئيس سعد الحريري. فغادرت « نازك » لبنان ولم تعد اليه، وهي تقيم الآن في فرنسا. ويقتصر نشاطها مع ابنتها « هند »، الاحب الى قلب والدها الشهيد، على مراكمة الثروة، وعلى « رسائل » في مناسبات محددة تخاطب فيها اللبنانيين مذكّرة بفضائل زوجها الشهيد، بعد ان اقفلت جميع المؤسسات الخيرية التي أنشأها زوجها. في حين ان ابنته « هند » تعرض ما ورثته من عقارات للبيع لتزيد من استثماراتها الخارجية في اوروبا.
بهاء النجل البكر، وشقيق سعد الاكبر، انبرى ايضا لمراكمة ثروات فوق ما ورثه عن والده، وكذلك الشقيقان ايمن وفهد. ولم يسمع اللبنانيون عنهم سوى عندما يعرضون عقارا للبيع في لبنان، او استثمارا تجاريا لبهاء في بيروت، من دون ان يصدر عنهم ما يشير الى وقوفهم الى جانب شقيقهم في حمل بعض من عبء التركة السياسية، التي اودت بحصة سعد الحريري، من ثروة والده. فضلا عن قرار القيادة السعودية الحالية بإفلاسه ووقف جميع استثماراته في المملكة وابرزها شركة “سعودي أوجيه” التي تمت تصفيتها أسوة بشركة “بن لادن“، على يد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
الحريري الداخل الى عالم السياسة اللبنانية وجد الى جانبه حزبين رئيسيين وشخصيات مستقلة، من المسيحيين والمسلمين. وبحجة انه جديد على السياسة وجد نفسه مطالباً بالكثير! ولانه وثق بهم، من خلال علاقاتهم السابقة بوالده الشهيد، راح ينفذ طلباتهم الواحد تلو الآخر، من دون ان يسأل عن أي مقابل لا سياسي ولا معنوي! الحريري قصد منزل جعجع ذات يوم، وحمل قضية إخراجه من السجن، ورشح زوجته ستريدا على لوائح تيار المستقبل، وانتخب سنة الشمال ستريدا جعجع وفازت بالمقعد النيابي.
وقال الحريري ايضا ذات يوم ان حلف 14 آذار مع جعجع والقوات ووليد جنبلاط معمد بالدم ولن ينفك الى الابد.
في السياسة الخارجية، كان الحريري حليفا موثوقا للملكة العربية السعودية، ولقيادتها، وعمل بما أشارت عليه تلك القيادة. خصوصا ما لامه عليه الكثير من الحلفاء، في ما عرف بـ« السين سين » (أي، السعودية وسوريا)، حين حمله الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود الى سوريا، وجاء ببشار الاسد الى لبنان لانهاء موجة الاغتيالات التي بدأت بالوزير والنائب مروان حماده ولم تنته مع « السين سين »، كما كان يرغب الملك عبدالله!
حلفاء الحريري وقفوا الى جانبه يومها، مقدرين عدم قدرته على الوقوف في وجه ارادة المملكة العربية السعودية، والتي كان « السين سين » يومها اتفاقا لصالحها، على حساب قوى 14 آذار في لبنان. فدفع الرئيس الحريري الثمن!
وفي المعلومات ان بشار الاسد كان يعتقل اكثر من الف وخمسمئة سعوديا من انصار تنظيم « القاعدة » الارهابي، من الذين كانوا يتوجهون الى العراق لمواجهة القوات الاميركية. فكان الاسد يعتقل البعض ويسمح بمرور البعض الآخر الى العراق، وصولا الى ابلاغ السعودية انه سيعيد المعتقلين الى المملكة ولتتدبر امرها معهم! ما اثار خشية الملك عبدالله من عودة اكثر من « 1500 مشروع انتحاري » الى البلاد من دون تسليمهم الى القوى الامنية السعودية! وطالب الاسد المملكة بانهاء حالة 14 آذار يومها، مقابل تسليمها مواطنيها من انصار « القاعدة »، وكان ما كان من ما يعرف بـ« السين سين »!
من كوارث « السين سين » أن السعودية طلبت من الحريري إقصاءَ ما كان يسمّى « صقور 14 آذار » عن اللوائح الانتخابية لتيار المستقبل!
فتم التخلي عن « الدكتور مصطفى علوش » في طرابلس، و « احمد فتفت » في الضنيه، ولكن الاخير استمر بترشحه. والراحل « سمير فرنجيه » الذي آثر الانسحاب من النيابة، وبقي يعمل لصالح وحدة 14 آذار. وامين سر حركة اليسار الديمقراطي « الياس عطالله »، الذي تم استبداله بالنائب السابق « أمين وهيه » عن الحركة. وتُرِكَ الدكتور فارس سعيد ليواجه جحافل التيار العوني منفردا من دون غطاء 14 آذاري، متحالفا مع « القوات » ومن دون دعم مالي!
عشية اعلان نتائج الانتخابات وفوز قوى 14 آذار بالاغلبية النيابية، تحدث سعد الحريري، المفترض انه زعيم الاغلبية النيابية، فمدّ اليد للخصوم في الداخل مجاناً، ومن دون تنسيق مع الحلفاء في النيابة، سواء القوات او الاشتراكي، او المستقلين الذين انضووا في قوى 14 آذار!
لم يُعرَف الى الآن من الذي نصح الحريري بسياسة « مد اليد » هذه. لعلها من تداعيات « السين سين » ايضا. الايام قد تكشف عن هذا الخطأ الذي ارتكبه الحريري، من دون حتى العودة الى الحلفاء، او مفاوضة الخصوم لتحصيل بعض المكاسب لقاء سياسة « مد اليد ».
بعد « السين سين »، واثر تلقي الرئيس الحريري تهديدات امنية جدية وموثوقة بتعرضه للاغتيال غادر البلاد ليقيم في المملكة العربية السعودية لاكثر من خمس سنوات، كانت السلطات السعودية خلالها تمنعه من العودة الى لبنان بحجة الحرص على أمنه. فتسلم تياره من بعده ابن عمته نادر الحريري، وشقيقه احمد. وكان الرئيس الحريري يدير التيار من المملكة ويترك التفاصيل لابناء عمته نادر واحمد.
وعندما اغتيل اللواء وسام الحسن، همّ الرئيس الحريري بركوب طائرته الخاصة عائدا الى لبنان للمشاركة في تشييع الحسن، فما كان من السلطات السعودية الا ان منعته!
فرنجية أم.. عون!
وعندما استفحلت ازمة الفراغ الرئاسي، سعى الرئيس الحريري الى المبادرة لحل هذه الازمة، بعد ان كان سمير جعجع اعلن عن ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية من دون التنسيق مع الحلفاء، وفرض امر ترشيحه أمراً واقعا عليهم!
فبادر الحريري الى تبني ترشيح حليفه واقترع نواب المستقبل لصالح جعجع لاكثر من 50 دورة انتخابية من دون أن يتأمن النصاب!
وكان نواب المستقبل يشاركون في جميع الجلسات، وكان واضحا ان لا امل في الخروج من دوامة الفراغ الرئاسي الا بتسوية، بادر الحريري الى السعي اليها من خلال التفاوض مع الجنرال عون اولا، في روما! وعندما تسرب خبر لقاءات الحريري-عون، ثارت ثائرة القوات اللبنانية، ووسّطت المملكة العربية السعودية لثني الحريري عن مفاوضاته، ليعود الحريري لاحقا ليسعى الى ترشيح سليمان فرنجيه! وهنا ايضا ثارت ثائرة القوات اللبنانية من جديد، وانطلقت مفاوضات تفاهم “أوعا خيك“، بين ملحم رياشي عن القوات وابراهيم كنعان عن التيار العوني، وصولا الى توقيع ما سمي “اتفاق معراب” الذي انتهى الى تبني القوات ترشيح الجنرال عون للرئاسة.
فشلت مساعي الحريري في ايصال فرنجيه فرضخ لارادة المسيحيين المجتمعين تحت عباءة بطريرك الموارنة الذين سموا مندوب الطائفة المارونية لمنصب الرئاسة الجنرال ميشال عون، بحجة انه الاقوى تمثيلا في طائفته، لتكريس عرفٍ مخالف للدستور ولاتفاق الطائف، عرف فرضه فائض قوة سلاح حزب الله امرا واقعا، على اللبنانيين، حين قال امين عام الحزب الايراني يوما، “عبثا تحاولون انتخاب رئيس للجمهورية، عندما تقتنعون بانتخاب الجنرال عون رئيسا يصبح للجمهورية رئيسها في اليوم التالي“.
أخطأ الحريري بالتفرد في مفاوضة عون اولا ومن ثم فرنجيه من دون التشاور مع الحلفاء! وبعد سكرة « اتفاق معراب، انطلقت حملة تخوين و« رد إجر » قواتية في حق تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري الذي حاول التملص من الاقتراع لصالح عون رئيسا، وصولا الى تخوين رئيس جهاز التواصل والاعلام شارل جبور « تيارَ المستقبل » ما لم يقترع المستقبل ورئيسه لصالح « رئيس اجماع التفاهم المسيحي » كما وصفه جبور الجنرال عون!
وعلى غرار القوات انجز نادر الحريري تسوية مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، من اجل تأمين وصول عمه الى سدة الرئاسة، وعلى غرار تحالف “أوعا خيك” السيء الذكر، كان هناك تفاهم بين نادر الحريري وجبران باسيل، ايضا سيء الذكر، وتنكر باسيل لكلا التحالفين يوم استوى عمه على كرسي الرئاسة.
بعد ان انكر باسيل كل التفاهمات التي انجزها والآليات التي سوّقها مع غيره من القيادات المسيحية بضرورة ان يكون « الاقوى في طائفته » على رأس الموقع المخصص لكل طائفة في تركيبة الحكم في لبنان، تنكر « القواتيون » ايضا لكل مقولاتهم عن « القوي في طائفته » وضرورة ان يكون « الاقوى سنّيا » على رأس الحكومة على غرار الاقوى مسيحيا وشيعيا، بعد اندلاع الاحتجاجات في 17 تشرين الاول، العام 2019. استجاب الرئيس الحريري لصرخات المعترضين، واعلن عن استقالة حكومته. وعند الاستشارات النيابية الملزمة تراجع حزب القوات عن تسمية الحريري رئيسا للحكومة مع انه الاقوى ورئيس اكبر كتلة نيابية في طائفته وتضم نوابا مسيحيين، في حين سمى جبران باسيل شخصية سنية مغمورة لتولي رئاسة الحكومة هو حسان دياب!
بعد استقالة حسان دياب ايضا، « القوات » لم تسمِّ الحريري! وانطلقت حملة لتشويه صورته واتهامه بالفساد وتحميله مسؤولية ما اقترفته « القوات » من غلطة ايصال عون الى سدة الرئاسة!
التباعد بين القوات والمستقبل تعمق مع محنة الحريري في السعودية، حيث طالب رئيس القوات يومها رئيس الجمهورية بقبول استقالة الرئيس الحريري التي اعلنها من الرياض، وتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار بديل عنه، في حين بدا عون أرحم في حق الحريري من الحليف الذي عمد الحريري الحلف معه بالدماء!
واستمر التباعد بين القوات والمستقبل، حيث يعيب القواتيون على الحريري عدم معاملتهم بمثل ما يعامل حزب الله حليفه الماروني، التيار العوني!
ولكن، يجيب « المستقبل »: هل تعاملت « القوات » يوما مع « المستقبل » كما تعامل التيار العوني مع حزب الله؟
ويضيف هؤلاء، نحن كتيار نستطيع في حال تحالفنا مع القوات ان نكبّر حجم الكتلة النيابية القواتية! في دائرة الشمال الثالثة مثلا، هناك اكثر من 8000 ناخب سني ولا يوجد تمثيل نيابي لهم، وهؤلاء يوالي معظمهم تيار « المستقبل ». واذا تحالف « المستقبل والقوات ستستفيد القوات حكما من هذا التحالف، وكذلك المقعد الماروني في طرابلس، الذي يحسم وضعهَ تيارُ المستقبل، اضافة الى مقعد الروم في عكار ومقعد الموارنة في البقاع الشمالي، وفي دوائر زحله والبقاع الغربي، حيث الصوت السني وازن! ويستوردون: لتقل لنا « القوات » اين تستطيع ان تقدم لنا اضافة واحدة في الشأن الانتخابي؟
ومع ذلك، الكل يريد من الحريري، ولا احد يريد ان يعطي الحريري شيئا!
بل على العكس من ذلك، عند اول مفترق او غلطة ارتكبها الحريري من اي نوع كانوا يتخلون عنه ويمعنون خناجرهم في ظهره! حتى وليد جنبلاط تخلى عن الحريري في « حكومة القمصان السود »، وشارك في الحكومة ووجد لنفسه التبرير.
قد يكون الحريري اخطأ في تقريب مستشارين اليه من دائرته الصغرى، والوثوق بهم من دون مساءلة، ليكتشف لاحقا انهم تسببوا بضرر عميم عليه وعلى تياره، في مقدمهم ابن عمته نادر، الذي تخلى عن خدماته الاستشارية في اعقاب انتخابات 2018. وكذلك حينما أبعد آخرين، ولم يعد يستمع اليهم، وربما في مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة!!
أخطأ الحريري في تنازلاته السياسية، التي اعتبرها واقعية سياسية، تصب في النهاية في مصلحة تمرير الوقت بأقل الاضرار على المستوى الوطني! فكانت تنازلاته تمثل تراكما ربحيا في سلة الخصوم، واعتبروها مكاسب وحقا مكتسبا، تؤهلهم للمطالبة بالمزيد من التنازلات.
أخطأ الحريري وجعجع معا، بدخولهم الى التسوية الرئاسية مع عون بواسطة جبران باسيل، منفردين، ما سهل على باسيل لاحقا الفتك بهما، الواحد بعد الآخر.
قد يكون الحريري اخطأ ولا أحد معصوم، ولكن الحلفاء ايضا يخطئون، وهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ.
فلماذا دائما تحميل الحريري كامل المسؤولية عن كل مصائب البلد، وإذا اراد الانسحاب من السياسة يتهافتون عليه طالبين منه البقاء؟
انها فعلا محنة الرئيس سعد الحريري: اذا بقي في السياسة فهو مطالب بكل شيء ومن دون مقابل!
واذا قرر الخروج من السياسة، فهو ايضا مطالب بالبقاء في الساحة السياسية لحاجات الحلفاء والخصوم… وايضا من دون مقابل!
الضرورة الوطنية تحتم بقاء الرئيس الحريري وخيار المستقبل لانه الأكثر انضباطا ولم يحمل سلاحا ولبنان عنده اولا …والله معه.