(الصورة أعلاه: عنوان صحيفة Sözcü التركية: “فلوس مافيش”! وقد استوحينا منه عنوان المقال)
*
خاص بـ”الشفاف”
شهر واحد فقط انقضى بين الدعوة التي وجّهتها أنقرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والزيارة التي تمّت أمس. وعلّقت مصادر تركية موثوقة لـ”الشفاف” أن الإستعدادات التي سبقت الزيارة، والحفاوة التي أحبطَ بها الأمير السعودي، لا تقلّ عن الحفاوة التي كان سيُحظى بها الرئيس بايدن أو الملكة أليزابيث. وأعربت المصادر التركية عن استغرابها لأن بعض الوزراء المعنيين كان ينبغي أن يكونوا في موقع حريق عابات كبير في جنوب غرب تركيا، سوى أن الأتراك شاهدوهم “يقفون بالصفّ” في المطار لاستقبال محمد بن سلمان (الصورة أدناه)!
لكن ذلك كله ذهبَ هباءً!
تقول المصادر التركية أن أنقره بدأت تتقرّب من الرياض، ومن دول أخرى في المنطقة (بينها دولة الإمارات طبعاً)، منذ انهيار قيمة الليرة التركية ووصولها إلى مستويات لم يسبق مثلها، في أواخر سنة 2021. في ذلك السياق، قامت أنقرة، في أبريل 2022، بتسليم ملف مقتل “جمال خاشقجي” إلى الهيئات القضائية السعودية.
وتعلق المصادر التركية بأن تلك الخطوة ربما حرَمت تركيا من أقوى “ورقة مساومة” من تحت الطاولة كان تملكها، ووضعتها تحت رحمة ولي العهد السعودي!
وتلفت المصادر إلى أن الصحافة الموالية لإردوغان سبق أن اتهمت محمد بن سلمان بالتواطؤ مع الولايات المتخدة ومع إسرئيل للقيام بنشاطات مناوئة لتركيا، وحتى بتمويل إنقلاب 15 يوليو 2016 الفاشل، وباغتيال جمال خاشقجي. لكن الصحافة التركية لم تنشر سطراً واحداً ضد السعودية منذ أشهر. بل ونشر “كاراغول”، رئيس تحرير جريدة “يني شفق” الموالية لإردوغان، الذي كان أعنف منتقدي السعودية والخليج، خطاب استقالته في صفحات التواصل قبل شهر واحد. ما يعني أنه طُلِبَ منه تقديم استقالته! فـ”ليس مسموحاً لأحد” أن “يستقيل” من المؤسسات التابعة لإردوغان!
ولكن تعابير وجه محمد بن سلمان، وسلوكه، أثناء الزيارة توحي بقصة مختلفة عما كان الأتراك يتوقّعونه. ويبدو أن الأمير السعودي قد فهم نقطةً مهمة جداً: أن إردوغان الذي برعَ، في الماضي، باستخدام السياسة الخارجية من أجل تكييف الوضع السياسي الداخلي بات الآن أسير مشكلاته الداخلية!
وقد تناقلت مواقع التواصل السعودية مشهد محمد بن سلمان وهو يحيي حرس الشرف بكلمتي “السلام عليكم” بدلاً من تحية “مرحبا عسكر” (الأتاتوركية) الرسمية! كما تناقلوا أغنية “هذا السعودي فوق” التي أنشدها مغنٍ تركي أثناء العشاء الرسمي! وكذلك طاولة إردوغان وبن سلمان، اللذين بدا أنهما لم يتبادلا الحديث!
#ولي_العهد_محمد_بن_سلمان يكسر البرتوكول ويُحيّي حرس الشرف التركي بتحية #الإسلام بدلًا عن "مرحبا عسكر"#ولي_العهد_في_تركيا #السعوديه pic.twitter.com/bpi6iEW88b
— ZAEEM JO (@zaeem16064429) June 22, 2022
كل مظاهر الحفاوة لم تعطِ الأتراك ما كانوا يريديونه: وهو صفقة مالية وتجارية تنقذ الإقتصاد التركي الذي بلغ أسوأ درجاته قبل أشهر من إنتخابات حاسمة. وبعد أن وقّع، قبل يومين، اتفاقاً مع مصر بقيمة 7.7 مليار دولار لمضاعفة التبادل التحاري بين البلدين، فقد حرمَ محمد بن سلمان تركيا من أية أخبار سارة كانت متلهفة للحصول عليها.
وكان مسؤول سعودي قد ألمح في حديث لجريدة “الغارديان” البريطانية إلى أن إردوغان بحاجة للسعودية أكثر مما السعوديون بحاجة له!
ماذا كان الأتراك يريدونه؟ المبلغ المتداول، ويجده القارئ في الصورة أعلاه هو 30 مليار دولار!
وهذا المبلغ ضروري لإنقاذ الإقتصاد التركي، سواءً من السعودية وحدها أو من مصادر متعددة.
كل ما قدّمه محمد بن سلمان هو وعود بـ”استثمارات”!
ومع أن النقاشات تطرقت إلى بيع مسيّرات “بيرقتار” تركية للسعودية (ربما للإستخدام في اليمن)، فلم يتم إيرام أي إتفاق بهذا الخصوص!
ضوء أخضر روسي لعملية في سوريا!
تضيف مصادر “الشفاف” أن متاعب تركيا حالياً لا تقتصر على الإقتصاد. فقد سعى إردوغان مراراً للحصول على “ضوء اخضر روسي” لعملية عسكرية تركية في شمال سوريا. ولكن بوتين طالبه بتغيير موقفه من غزو أوكرانيا أولاً.
وتلفت المصادر التركية إلى أن محاولة الحصول على ضوء أخضر روسي لعملية في سوريا هو السبب الحقيقي لاعتراض تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف الأطلسي!
“صلح” مع “غولين”!
ما العمل؟ بانتظار إنتخابات حاسمة بعد أشهر، يمكن أن يقوم إردوغان بتقديم “عرضٍ لا يمكن رفضه” لخصمه اللدود، “غولين”! بهدف إضعاف “اللوبي” الأميركي المناوئ لتركيا!
أي عرض؟ العرض الذي لا يمكن رفضه هو بقاء “غولين” على رأس حركته، رغم بروز عدد من القيادات المعارضة له في “بنسلفانيا” حيث يقيم!
لكن هذا موضوع للأشهر المقبلة!