(الصورة: « خط فقر: ٩ مليون تومان »!! في عهد الشاه كان سعر الدولار ٨ تومان، أصبح الآن ٤٠ ألف تومان! للمقارنة، الدينار الكويتي يساوي الآن ١٠٠ ألف تومان! كما في طهران.. كما في لبنان المُحتلّ! لكن المقاومة تسير من إنتصار إلى إنتصار.. إلى ما بعد حيفا! كم « تومان » يساوي حزب الله؟)
معاناة الإنسان الإيراني مؤلمة داخل إيران وخارجها، فقد يفني الشخص عمره قبل أن يحقق أي هدف! فجواز السفر الإيراني محارَب ومن يتعامل مع اقتصاد إيران أو يستثمر فيها قد يتقدم خطوة لكنه ما يلبث أن يتراجع خطوات بسبب الفساد المهيمن والعملة المتراجعة.
إلى متى يستمر ابتلاء الإيرانيين وعرب الخليج والدول العربية والعالم كله بمغامرات الحرس الثوري الإيراني وسياسات ولاية الفقيه وتخبط هذه الدولة الإسلامية الكبرى المؤسف؟ منذ عام 1979 عندما نجحت الثورة الإسلامية قبل أكثر من أربعين عاما، ولا يسمع من داخل إيران وخارجها إلا قعقعة السلاح وفرقعة البارود ودوي القنابل وأزيز المقاتلات ومختلف صيغ التهديد والتهجم ضد هذا الجار وتلك الدولة، ولا يرى أحد منها منذ تسلمت قيادتها السلطة إلا البوارج الحربية والمناورات والاستعراضات العسكرية التي لا تنتهي، ولا تملأ شاشة الأخبار الإيرانية إلا الأفواج المسلحة وفرق المدفعية وصنوف المدرعات والصواريخ التي استنفدت الألقاب الدينية وأسماء الشخصيات المقدسة!
فإلى كم سنة سيستمر هذا الاستعراض العسكري والتوتر السياسي الذي لا آخر له؟
أليس في مخازن إيران وثورتها وسياساتها إلا التهديد والتدخل والتحريض على القريب والبعيد؟ ألا تكفي أكثر من أربعين عاما ونيف من التوتر المتواصل والعسكرة المستمرة والتدخل في شؤون الدول الصغرى والكبرى والتلاعب بمصير لبنان والعراق وسورية وفلسطين واليمن، وتبديد ثروات إيران على الصراعات العراقية وعلى تخريب الاقتصاد اللبناني والهيمنة على دول وجماعات لا شأن لإيران بها ولا مصلحة للشعب الإيراني في مصيرها؟
ألا تمتلك دول أخرى بحجم إيران الإمكانات والقدرات نفسها وأكثر مثل تركيا والهند وإندونيسيا وباكستان واليابان وتركز هذه الدول كلها، بعكس إيران، اهتمامها وثروتها وجهودها على تطوير شعوبها والتقدم ببلادها في مجال الصناعة والزراعة والتعليم. في حين لم تبرز إيران منذ أربعين سنة وأكثر في كل هذه المجالات، ولم يبرز في الأسواق منتج واحد ولا حتى مادة ذات مردود كبير من المنتجات الكيميائية أو البترولية، دع عنك الإلكترونيات والسيارات والمصنوعات التي تدر الملايين والمليارات؟
ولم تبرز الصناعة الإيرانية حتى في مجال الأسلحة المتقدمة كالطائرات والمدرعات والصواريخ التي تستنسخ من أجلها النماذج الروسية والكورية الجنوبية ربما بأعلى الأثمان. ورغم تهديداتها المتصلة والمستمرة ضد إسرائيل، فإن إيران لا تزال بعيدة عن اللحاق بإسرائيل في التطور العلمي والمخترعات وفي مستوى الجامعات والخدمات والبحوث العلمية والإلكترونيات وحتى في مستوى دخل الفرد!
كان باستطاعة “الجمهورية الإسلامية” خلال هذه العقود الأربعة أن تضع خطة رصينة لتطوير بنيتها التحتية وأن تتبنى أهدافا تنموية متقدمة مسالمة وإدارة عصرية حديثة تنقلها إلى مصاف البلدان المتقدمة. غير أنه اليوم، بعد أربعين عاما ونيف منذ 1979، لا تزال حياة الإنسان الإيراني متراجعة، ورواتب المعلمين والعاملين في الحضيض، والعملة الإيرانية في تدهور متواصل.
معاناة الإنسان الإيراني مؤلمة داخل إيران. وحتى إذا خرج منها، أو هرب، فقد يفنى عمره قبل أن يحقق أي هدف! جواز سفر الفرد الإيراني محارَب ومن يتعامل مع اقتصاد إيران أو يستثمر فيها قد يتقدم خطوة لكنه ما يلبث أن يتراجع خطوات بسبب الفساد المهيمن والعملة المتراجعة، حيث كان الدولار يقارب سعره ثمانية “تومان” أيام ثورة 1979 الإسلامية المباركة، واليوم يحتاج الإيراني أن يدفع نحو ثلاثين أو أربعين ألف تومان للدولار ونحو مئة ألف تومان للدينار الكويتي. وما من سيدة كويتية تذهب إلى إيران في زيارة دينية أو سياحة إلا وتتحول فورا إلى مليونيرة وربما بليونيرة بعشرة دنانير! ولولا أن إيران دولة نفطية كبرى وبلد زاخر بالإمكانات والثروات، ولولا نشاط شعبها المكافح المبتلي بنظام الولي الفقيه، لعانت البلاد بؤسا كاملا محطما كبعض دول العالم الثالث الأخرى.
وقد أشرنا مرارا إلى الإحصاءات التي توردها المراجع الدولية المعتمدة والتي تقول إن ناتج إيران الوطني أو ما يسمى GDP أقل من 600 بليون دولار، في دولة بترولية ذات إمكانات زراعية وصناعية ولشعب عدده 83 مليون نسمة مقابل تركيا بسكانها المماثل في العدد ولكن بلا بترول تقريبا. ورغم ذلك يزيد الدخل القومي التركي على 760 مليار دولار، وفيما يقل متوسط دخل الإيراني السنوي عن 13 ألف دولار يزيد دخل التركي على ضعف دخل الإيراني إذ يبلغ 28 ألف دولار.
انظر: The Economist Pocket World Figurs,2022 Edition
إن تركيا ليست أفضل دول العالم ولا أكثرها رفاهية كأوروبا الغربية مثلاً. ولكن أين حال الإيرانيين وحرياتهم، أو بالأصح تعاسة الإيرانيين داخل بلادهم وفي المهاجر، من حال وحريات الشعب التركي؟ وأين أنقرة وإسطنبول وإزمير ومدن وبلدات تركيا من سكان المدن الإيرانية وقمع الشرطة الدينية وعيون أجهزة البوليس السري وإجبار المثقفين على السكوت والنساء على الحجاب!
لقد ابتليت تركيا لسوء الحظ ببعض علل وأمراض الإسلام السياسي التي جلبها الحزب الحاكم وتحالفاته وسياساته. وكانت تركيا كذلك على وشك أن تكون في صدارة الدول المتقدمة قبل أن يدخلها الإسلام السياسي في نفق مظلم ربما برفقة إيران المعادية لدول العالم، باستثناء فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وغيرها.
اشتكى سفير الجمهورية الإسلامية لدى دولة الكويت “د. محمد إيراني” من أن تجارة إيران مع الكويت كانت قبل جائحة كورونا نحو 600 مليون دولار سنويا ثم انخفضت إلى 300 مليون، حتى وصلت إلى ما دون 100 مليون دولار (« القبس »، 2022/2/8). وكان الميزان التجاري الكويتي التركي كذلك 600 مليون دولار عام 2020، ولكن إجمالي تدفقات الاستثمار الخليجي المباشر في تركيا نحو 12 مليار دولار منذ عام 2003. وهناك 400 شركة كويتية في تركيا، والكويتي ثالث أكبر مستثمر في تركيا بعد السعودية والإمارات (« الأنباء »، 24/ 11/ 2021) بينما العلاقات الدبلوماسية الإيرانية الخليجية إما مقطوعة أو ضعيفة، دع عنك استثمار الخليجيين شركاتٍ وأفراداً في إيران إن غامر أحدهم!
لا يمكن أن تكون هذه حال إيران أربعين سنة أخرى!!
« الجريدة » الكويتية