لم يعد خافيا على المراقبين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان وراء إسقاط قرار رئيسيّ الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب الذي كان مقررا إتخاذه الجمعة الماضي والقاضي بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وأتى سقوط هذا القرار على رغم الدعم الذي وفّره “حزب الله” لهذا القرار الذي هو في نهاية المطاف قرار الحزب.فما هي خلفية هذه التطورات ؟
كان واضحا ان تسارع إنهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي غداة القرارات التي إتخذها مجلس الوزراء الخميس الفائت والتي شملت التعيينات في المصرف المركزي ،أدى مباشرة الى توجيه أصابع الاتهام الى الحكم والحكومة برعاية “حزب الله” بالتسبب بهذا الانهيار. ولم يتأخر الحزب في شن حملة لا سابق لها على سلامة مستخدما الضاحية الجنوبية لبيروت منصة لهذه الحملة بدأت بتدبير تجمعات حاشدة من عناصر الحزب الذين توالوا على توجيه الشتائم لحاكم المركزي ثم إنتقل هؤلاء الى مسيرة ضمت مئات من راكبي الدراجات النارية التي جالت بيروت لمواصلة إطلاق السباب بحق سلامة.وتزامنت حملة الحزب مع دعوة عاجلة لعقد جلستيّن متتالتيّن للحكومة في السراي وقصر بعبدا الجمعة الفائت وتخللهما لقاء للرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري.
أدرك الحزب قبل اجتماعات الجمعة ان تغطية رئيس مجلس النواب لقرار إقالة سلامة شرط أساسي لتمرير هذا القرار. وإلا، فإن إنسحاب وزيريّ حركة “أمل” مع مقاطعة وزيريّ “المردة” التي تمت مسبقا، كانت ستؤدي الى تصدّع الحكومة ومن ثم الى إنهيارها ، الامر الذي يحاذر “حزب الله” الوصول اليه حاليا.
في سياق متصل ، أتى المقال الذي اورده موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب عشية لقاءات الجمعة والذي جاء فيه :”قرار إقالة سلامة هو قرار سياسي. من الواضح أن هناك رئيسين متفقين على هذا الأمر، لكن القضية تحتاج الى إجماع.”
ما هو مهم ما جرى تداوله من معطيات ، وفق ما وصل الى “النهار” ، وهي ان بري سأل عون ودياب في إجتماعهم: من يضمن ألا يقفز سعر صرف الدولار الى عشرة الاف ليرة إذا ما تمت إقالة سلامة؟ ” فلم يأت أي جواب من عون ودياب، ما أخذ البحث الى مكان آخر حيث تقرر تهدئة سوق الصرف بدءا من هذا الاثنيّن. لكن قرار ضخ سيولة بالدولار في السوق بدا وكأنه محاولة لشراء الوقت تنفيسا للاحتقان الذي تم تمويهه بمخطط الحرائق في وسط بيروت إمتدادا لمسيرة دراجات “حزب الله“. وإستباقا لما سيشده سوق الصرف هذا الاسبوع نقل موقع الحزب الالكتروني عن مصادر وزارية في خلية الأزمة التي شكّلها مجلس الوزراء الجمعة ردا على سؤال عن جدوى خطة ضخ الدولارات من قبل البنك المركزي في السوق، قولها : “لا شيء مضموناً مئة بالمئة. “
ويبقى مطروحا السؤال :لماذا عطل بري قرار إقالة سلامة على رغم وقوف “حزب الله” وراءه؟
جوابا على هذا السؤال يقول وزير سابق لـ“النهار” ان رئيس البرلمان في الوقت الراهن هو في موقع أقوى بما لا يقاس من نظيريّه على المستوى الرئاسي. واوضحت ان ما ورد في تقرير “لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري” في مجلس النواب الأميركي ، والذي نشرته مواقع الكترونية عدة في الايام الماضية، بدا قديما بعض الشيء بسبب التحديثات التي طرأت عليه منذ مطلع هذه السنة وحتى اليوم. ففي اول نسخة لهذا التقرير وردت توصية بفرض عقوبات على شخصيات رسمية لبنانية متحالفة مع النظام السوري بموجب “قانون قيصر ” الذي سينطلق تنفيذه هذا الاسبوع مثل “رئيس مجلس النواب اللبناني وحركة أمل نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وجميع البرلمانيين الحاليين أو المستقبليين ووزراء حزب الله في الحكومة بمن فيهم من يصنفون أنفسهم مستقلين عن الحزب…” ويضيف هذا المصدر ان معلوماته تفيد ان الرئيس بري لن يكون مشمولا بالعقوبات الاميركية المتوقعة، بل ستشمل في صورة اساسية رئيس “التيار الوطني الحر” باسيل. وعزا السبب الى ان رئيس مجلس النواب لم يقم علاقات مباشرة مع النظام السوري منذ فترة طويلة ، خلافا لما فعله ولا يزال الوزير السابق باسيل.
قبل أيام أصدرت “حركة المبادرة الوطنية” بيانا ورد فيه فقرة تنطوي على اهمية وفق المراقبين وهي “ان تطور الاوضاع في سوريا يُظهر ان الاميركيين قطعوا شوطاً هاماً في دفع الروس للتخلي عن بشار الاسد والتوجه لحل سياسي تبدأ معه الجهود العربية والدولية لاعمار سوريا. وبالتالي وعلى عكس ما يحاول البعض اشاعته فإن تداعيات قانون “قيصر” على لبنان ستكون مفيدة للاقتصاد اللبناني لأنها ستلعب دوراً مهماً في مكافحة الفساد بدءاً من التهريب مروراً بتبيض الاموال والمخدرات والاموال الناتجة عن نهب موارد الدولة وخصوصاً تهريب المحروقات والمواد الغذائية الى سوريا التي تستنزف الاقتصاد اللبناني ومعيشة اللبنانيين. والاهم ان عقوبات قانون “قيصر” ستمنع الحرب الاهلية لأنها سيشدد الحصار على منابع تمويل الميليشيات خاصة تلك التابعة لايران.”
انها مرحلة جديدة سيشهدها لبنان مع بدء تنفيذ “قانون قيصر” بمعطياته السورية واللبنانية على السواء.وفي رأي المراقبين ان “حزب الله” الذي قام بدور محرّك الاحداث الاسبوع الماضي ، بدا وكأنه في وضع سباق مع الوقت قبل إنطلاق تنفيذ هذا القانون ، بما في ذلك ما يتصل بالتعيينات التي طالت المصرف المركزي. لكن الحزب كان يدرك سلفا إستحالة المس بموقع حاكم المصرف الذي بموجب المادة 24 من قانون النقد والتسليف يستمر في اداء مهماته إلا إذا كان مستحيلا “لعجز صحي أو الاستقالة المقبولة من الحكومة أو عدم تجديد الولاية أو الوفاة“.
ولما كان الامر كذلك ، فلماذا إندفع “حزب الله” في مخطط إقالة الحاكم؟
قد يكون الجواب الحاسم غير متوافر حاليا.لكن تسارع الاحداث يشير الى ان الحزب يحاول فرض وقائع تسمح له بالامساك بناصية النفوذ في لبنان قبل ان يفرض “قانون قيصر” تراخي قبضة الحزب قريبا. ومن العينات على هذا السلوك الاطلالة الاخيرة لرئيس الحكومة حسان دياب الذي تلا بيانا ليس بعيدا عن مسيرة الدراجات النارية التي إجتاجت بيروت قبل أيام!
ahmad.ayash@annahar.com.lb
النهار