منذ الاعلان عن تفشيه في الصين في يناير من العام الجاري، ووباء كورونا الجديد أو ما يعرف باسم “كوفيد 19” يرعب العالم، وتجتاح المجتمعات البشرية بسببه حالة من الخوف والقلق جعلتها تقدم على جملة من الاجراءات غير المسبوقة تحاشيا لتمدده، بما في ذلك الغاء العديد من الفعاليات والانشطة والمؤتمرات المقررة مسبقا ووقف الرحلات وحركة التنقل الجماعية، الأمر الذي انعكس سلبا على إقتصاديات العديد من الدول، ولا سيما تلك المعتمدة على السياحة كمصدر للدخل.
المفارقة هنا أن الهند، بتعدادها السكاني الضخم ومساحتها الجغرافية الشاسعة وحركة التنقل اليومية الهائلة بين أقاليمها وحدودها الشمالية المطلة بنحو 3 آلاف كيلومتر على الصين، وهي المصدر الأول لفايروس كورونا كما هو معروف، ظلت محصنة طويلا ضد الوباء.
فبينما سجلت آلاف حالات الإصابة ومئات حالات الوفيات في دول بعيدة عن الصين وذات إمكانيات وقائية وعلاجية ولوجستية أفضل من الهند بعشرات المرات، لم تسجل الأخيرة أي إصابة بالوباء المميت إلا في وقت متأخر وذلك حينما عثر على مصاب بالفايروس في ولاية كيرالا الجنوبية، تبين من سجلات حركته أنه كثير التردد على الصين.
هذه الحقيقة جعلت البعض يزعم أن الهنود لديهم مناعة طبيعية ضد المرض، وأن هذه المناعة ربما تكونت بفعل نظامهم الغذائي النباتي ومحتوياته من البهارات المعروفة أو بسبب ممارساتهم الإجتماعية التلقائية غير الخاضعة للوساوس الصحية المبالغة، وإلا لكانت حالتهم أسوأ من حالة بقية الشعوب التي تمدد الفايروس نحوها. ويبدو أن عين حاسدة غارت من صمود الهند فأصابتها. إذ لم يمض وقت طويل إلا وتزايدت حالات الإصابة المكتشفة في الهند. فطبقا لآخر بيانات وزارة الصحة الهندية ــ حتى لحظة كتابة هذه السطور ــ وصل عدد المصابين الهنود بالمرض اللعين إلى الرقم 30. لكن هذا الرقم يظل متواضعا بالمقارنة مع حالات الإصابة حول العالم التي وصلت إلى مائة ألف وحالات الوفاة التي تجاوزت الرقم 3000.
ومن نافلة القول أن هناك ثلاثة عوامل تساهم في إنتشار المرض وهي: الفايروس وحامله والبيئة، غير أن اولئك الذين تناولوا وضع الهند لجهة انتشار فايروس كورونا الجديد مقارنة بغيرها من الدول، ومنهم الدكتور أغاروال رئيس الصندوق الهندي لرعاية مرضى القلب ورئيس جمعية الأطباء الهنود، يرون أن الهند في مأمن من تفشي المرض على نطاق واسع كما هو الحال في الصين أو في بلد مثل إيران، ويعزون ذلك إلى الطقس الذي يرون فيه حائط الصد الأول. ودليلهم هو أن الأوبئة المشابهة الأخرى مثل إيبولا وسارس وانفلونزا الطيور وغيرها من تلك التي تفشت خلال العقد الماضي على نظاق عالمي لم تكن لها آثار ملموسة في الهند لأن الأخيرة تتميز بمناخها الحار ورطوبتها العالية وهما عاملان يصيبان فايروس المرض في مقتل. وبعبارة أخرى فإن ما يساعد الفايروس على البقاء والإنتشار ــ طبقا لبحث ميداني أجراه الدكتور أغاروال ــ هو المناخ البارد، وهذا يفسر، بحسبه، سرعة إنتشار الوباء في دول ذات مناخ بارد مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا. ويتفق الإستشاري الهندي المعروف سورين بانجا، وهو رئيس قسم الحالات الطارئة في مركز طاغور للقلب في كيرالا مع رأي الدكتور أغاروال مضيفا أن طقس الهند الحار والرطب هو الرادع الأول لفايروس كورونا الجديد، وأن الانتشار الجغرافي للوباء يؤكد أنه مقتصر على الدول المعروفة ببرودة طقسها في هذه الفترة من العام، مضيفا أن الأمر يدعو إلى بعض التفاؤل مع دخول موسم الصيف.
على أنه مقابل هذا التفاؤل يوجد بعض المشائمين الذين لئن أثنوا على الخطوات التي قامت بها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لجهة الإحتواء السريع للوباء، فانهم أبدوا مخاوفهم من احتمال أن يعمل ارتفاع معدلات الاصابة المعتادة بالالتهاب الرئوي في الهند كقناع لانتقال فايروس كورونا الجديد. من هؤلاء أستاذ الصحة العامة بجامعة هارفارد البروفسور الهندي فيسوانات الذي قال أن الهند قادرة حتى الآن على احتواء الوضع بجدارة، لكنها قد تواجه وضعا خطيرا إذا انتشر الوباء وتوحد مع الأوبئة الأخرى المعدية الموجودة أصلا في البلاد.
أما خطورة الأوضاع المحتملة فمردها الكثافة السكانية العالية (460 ألف شخص في كل كلم مربع)، وآليات الرعاية الصحية المتوفرة (متدنية وغير متاحة للجميع وتواجه تحديات جمة خصوصا مع الجهل بعادات النظافة العامة وقواعد الوقاية الصحية)، وحركة التنقل الداخلية الكثيفة (450 ألف شخص يتنقلون يوما من ولاية إلى أخرى).
Elmadani@batelco.com.bh
تويتر:@abu_taymour
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين