يبدو أن الأزمة السياسية التي شهدتها ماليزيا خلال العامين الماضيين على وشك الانتهاء الآن باستقالة رئيس الوزراء محيي الدين ياسين الذي اتهمه المعارضون بفقدانه للشرعية لأنه جاء إلى السلطة بتعيينٍ من ملك البلاد وليس عبر آليات النظام البرلماني المعتمد.
وبأيلولة السلطة الآن إلى “إسماعيل صبري يعقوب” عضو البرلمان ونائب رئيس المنظمة الوطنية لشعب الملايو المتحدة (« أومنو »)، يبدو أيضا أن حزب « أومنو »، الذي حقق للبلاد استقلالها وحكمها منذ عام 1957 دون انقطاع باستثناء فترة قصيرة، قد استعاد شيئا من وهجه من بعد ما لحق به من انشقاقات وخسائر بسبب سياسات ودسائس وطموحات زعيمه الأسبق مهاتير محمد.
والحقيقة أن يعقوب، الذي حصل في 21 أغسطس المنصرم على ثقة 114 نائبا من أصل أعضاء البرلمان الاتحادي المكون من 220 عضوا لتشكيل الحكومة الجديدة كتاسع رئيس وزراء في تاريخ بلاده، ليس طارئا على المشهد السياسي، وإنما كان في صلبه. بدليل أنه شغل مقعدا نيابيا منذ عام 2004، وأمسك بالعديد من الحقائب الوزارية في الحكومات الماليزية المتعاقبة في الفترة من عام 2008 إلى 2021 مثل حقائب: التنمية الريفية والاقليمية، الزراعة والصناعات الزراعية، التجارة والاستهلاك والتعاونيات، الشباب والرياضة، الأمن، وصولا إلى تعيينه في منصب نائب رئيس الوزراء في يوليو 2021 بسبب دعمه لرئيس الوزراء المستقيل محيي الدين ياسين (سحب دعمه لاحقا وانضم إلى المعارضة بدعوى فشل حكومة ياسين في التصدي، كما يجب، لجائحة كورونا).
ويذكر الماليزيون للرجل، إبان توليه حقيبة التجارة الداخلية والتعاونيات والاستهلاك في حكومة « نجيب رزاق أنه ساهم في حصولهم على السلع الغذائية بأسعار متهاودة، كما يذكرون له أنه إبان توليه حقيبة الزراعة أطلق برنامج “الجهاد ضد الوسطاء” الهادف للقضاء على دور الوسطاء في القطاع الزراعي، الأمر الذي ساهم في حصول المستهلك على المنتجات الزراعية والبحرية الطازجة بأسعار أقل، وارتفاع مداخيل المزارعين وصائدي الأسماك من جهة أخرى.
بفوزه بالمنصب الأعلى في ماليزيا، يدخل يعقوب تاريخ بلاده كأول زعيم يقودها من الجيل الذي ولد بعد نيلها الاستقلال بـ 13 سنة، حيث انه ولد في 18 يناير 1960 بولاية باهانغ إبنا لمزارع من مزارعي مقاطعة تيمرلوه، وتلقى دراسته الجامعية بكلية الحقوق في جامعة الملايا التي منحته الدرجة الجامعية عن بحث حول “معاملة المعتقلين السياسيين في ماليزيا”، قبل أن يبدأ حياته العملية كمحام عام 1985. وأثناء عمله هذا، صار عضوا في مجلس مقاطعة تيمرلوه عن حزب « أومنو »، ثم عضوا في مجلسها البلدي. وفي الأعوام التالية تمّ تعيينه سكرتيرا سياسيا لوزير الثقافة والفنون والسياحة وعضوا بمجلس ترويج السياحة ورئيسا للمجمع الرياضي الوطني، وصولا إلى عام 2004 الذي ترشح فيه باسم أومنو في الانتخابات العامة ليفوز بأول مقعد للحزب في دائرة “بيرا”.
على أن الرجل يواجه العديد من التحديات الحزبية والسياسية والاقتصادية والشخصية. فعلى الصعيد الحزبي عليه أن يوحد صفوف « أومنو » من جديد كي يظل في السلطة دون صداع مثلما حدث مع معظم أسلافه من زعماء الحزب. خصوصا وأنه لا يملك سوى أغلبية برلمانية بسيطة يمكن أن تتبخر مع حدوث أي انشقاق ما يجعل حكومته على كف عفريت، دعك من ضرورة توحيد صفوف حزبه استعدادا لخوض الانتخابات العامة القادمة سنة 2022. وعلى هذا الصعيد يتوقع منه أن يشتري ولاء زملائه الحزبيين ــ لاسيما ولاء الفصيل الموالي لمنافسه أحمد زاهد حميدي ــ من خلال منحهم مسؤوليات حزبية وحكومية، مع استبعاد من تحوم حولهم شبهات الفساد مثل رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق وفريقه. كما يتوقع منه أن يكون أكثر تشاورا وتعاونا مع أعضاء البرلمان لتنفيذ برامجه، وذلك تنفيذا لتوجيهات عاهل البلاد لأن العكس سيجعل الأخير يوبخه كما فعل سابقا مع سلفه، ما يعني دخول ماليزيا مجددا في حالة من عدم الاستقرار.
وعلى الصعيدين السياسي والاقتصادي تنتظره التحديات الناجمة عن المشاكل الصحية والمعيشية التي خلقتها جائحة كورونا. وأخيرا فإن يعقوب بحاجة إلى استعادة ثقة الماليزيين من ذوي العرق الصيني، وهي ثقة تزعزعت بسبب تصريحاته ومواقفه المنحازة لعرقية الملايو. فمثلا أثار الرجل عاصفة من الاحتجاجات عام 2015 بسبب تعليق له على الفيسبوك حث فيه المستهلكين الملايويين على إجبار الأقلية الصينية على خفض أسعار بضائعها عن طريق المقاطعة! وفي العام نفسه أثار عاصفة أخرى باقتراحه انشاء مركز تجاري للأدوات الرقمية لا يضم سوى التجار الملايويين. وأثناء انتخابات 2018 العامة صرح بأن أي تصويت لحزب المعارضة المتعدد الأعراق (حزب عدالة الشعب المعروف اختصارا بـ “داب”) هو تصويت للقضاء على عرق الملايو والإسلام، محاولا تأطير الانتخابات على أنها معركة بين الملايويين والصينيين وبين الاسلام وأعدائه.
وبسبب مواقفه هذه فإنه بمجرد الاعلان عن ترشحه لقيادة الحكومة في 19 أغسطس الماضي أطلق خصومه عريضة عبر الانترنت تطالب ملك البلاد بعدم تمكينه من منصب رئيس الحكومة، وتتهمه بالعنصرية والتمييز وأيضا بالتقصير فيما خص التعاطي مع جائحة كورونا في الفترة الماضية بحكم منصبه السابق كنائب لرئيس الوزراء، علما بأن العريضة سرعان ما حظيت بتأييد مئات الآلاف.
وأخيرا فإن صعود يعقوب مثل هزيمة مُرة أخرى لزعيم المعارضة الطموح « أنور ابراهيم » الذي حصل على دعم 105 نواب فقط أي أقل من ستة أصوات لتشكيل الحكومة، رغم أن غريمه السابق مهاتير محمد صوّت لصالحه.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي