نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في كسر حاجز الكراهية والمبادئ التي عفا عليها الزمن، وقامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
(وردنا هذا المقال، بالعربية، من كاتبة إسرائيلية أصلها من العراق «مسقط رأس آبائي وأجدادي »، كما تقول)
خلافاً لمصر والأردن، نرى اليوم أنّ التقارب والتطبيع يبدآن من المستوى الشعبي، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت قنوات الحوار البناء الذي سرعان ما ينتشر إلى المستوى الرسمي. وبالفعل نشهد اليوم تطابقاً بين المسارين الشعبي والرسمي فيما يتعلق بالتطبيع بيننا وبين دولة الإمارات.
أنا شخصياً أتمنى أن تحذى السعودية حذو جارتها الإماراتية، وأن تتغلب على الحساسيات التي ممكن أن تثيرها خطوة كهذه. ما شهدناه مؤخراً من فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات الإسرائيلية ليس إلّا البادرة الأولى نحو هذا التحوّل المرجو، ونتمنى أن تعقبها المزيد من الخطوات لبناء الثقة بين الدولتين والشعبين.
لقد لاحظنا خلال العامين المنصرمين تحوّلات إيجابية في سلوكيات بعض الشخصيات السعودية تجاه إسرائيل وتجاه اليهود، حتى لو لم تكن شاملة. إضافة إلى ذلك، نشهد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تغييرا في نظرة جيل الشباب تجاه إسرائيل واليهود، حيث تتسم هذه النظرة بالبراغماتية والواقعية وإدراك أنّ الماضي انتهى بأحداثه، وأنّه حان الوقت بعد 1400 سنة لفتح صفحة بيضاء في العلاقة بين أبناء الأعمام والجيران.
أمّا العراق، وهو مسقط رأس آبائي وأجدادي، فنلاحظ منذ سنوات اهتماماً متزايداً بالمكوّن اليهودي العريق الذي عاش في هذا البلد، إلى جانب تغيير جذري في نظرة عدد غير قليل من الشبان العراقيين تجاه إسرائيل. هذا التغيير لم يأتِ من فراغ، وهو ناجم عن رؤية عقلانية في أوساط جيل الشباب ورغبة صادقة بالتعايش السلمي بين كل شعوب المنطقة (“تعبنا من الحروب. إسرائيل هي واقع، وأصبحت اليوم عامل استقرار في المنطقة“) – وجهة النظر هذه تتكرر في تعليقات الكثير من العراقيين على شبكات التواصل، وأحيانا يردد بعضهم مقولة مارتن لوثر كينغ: “علينا أن نعيش كالإخوة، أو أن نهلك معاً كالحمقى”.
مع ذلك، هذا التغيير الفكري لا يرتقي بعد إلى خطوات ملموسة، وهناك فجوة بين التواصل البناء الذي نشهده على المستوى الشعبي وبين توجهات الأوساط الرسمية والواقع المؤسف الذي تعيشه بلاد الرافدين.
فماذا بعد الإمارات؟
أعتقد أنّه في أعقاب التطبيع مع دولة الإمارات سيزداد التقارب بين إسرائيل والدول العربية، على مستويات مختلفة، مع التطبيع الكامل أو بدونه. لقد أصبح واضحًا اليوم أنّ الطريقة نحو تحقيق مصالح وتطلعات الدول والشعوب تمرّ عبر التكتلات الإقليمية، كما نراها في أوروبا وأمريكا، وأنّ الشرق الأوسط لن يخرج عن هذه القاعدة.
خلق الاتفاق مع دولة الإمارات معادلة مهمة، لم تكن حاضرةً في منطقتنا، وهي تقول كما يلي: يُمكننا أن لا نتفق في كل الأمور السياسية، وبنفس الوقت، يُمكننا أن نتعاون في أمور لا تحمل بالضرورة طابعاً سياسياً، ولكنها تكون حتماً في خدمة أبناء المنطقة: أمانهم، رفاهيتهم وأمنهم المعيشي.