لم يعد يُلام من تحتل أفكاره نظرية المؤامرة وهو يتابع الاقترافات الدموية المستخدمة في الفجع السلطوي المحلي الذي يخدم المرمى الاقليمي.
ولماذا يُلام اذا كانت الإشارات حبلى بدلالاتها؟ حينها يصبح سوء الظن من حسن الفطن، وتحديداً لأن الرسائل المباشرة والوقحة تلعب على إيقاع معروف لمَن سوف تجيّر تداعياته.
فلا عملية إرهابية تحمل البصمات “الداعشية”، حتى قبل تكوُّن “داعش” في رحم معتقلات الممانعة، الا لتخدم أجندة الرأس الممانع.
ما جرى في طرابلس عشية عيد الفطر لا يخرج عن السياق. فالعملية الإرهابية ليست منفصلة في السياق العام الساعي الى تكريس المناطق السنّية منبعاً للإرهاب، بما يخفف الضغط عن الممانعة المأزومة برأسها وأذرعها. فالجريمة التي تم إعدادها وإخراجها، وانتهت بموت المجرم إما انتحاراً وإما قتلاً، لا تشذ عن القاعدة القائلة بأن الأمور بخواتيمها.
فـ”تدعيش” الطائفة السنية حجر يصيب أهدافاً تفيد أطرافاً معروفاً مربط خيلهم. وهو لا يختلف في جوهره عن مسيرة بدأت بتربية المتطرفين ورعايتهم في سجون الأنظمة التابعة للمحور، سواء في العراق او سوريا او لبنان، وإعدادهم للوظائف التي تنتهي غالباً بقتلهم او بطي ملفاتهم.
لدينا شاكر العبسي و”فتح الإسلام” والخط الأحمر للمخيمات. وما سبقه من جرائم فظيعة في حق الجيش اللبناني. وما لحقه من إخراج للعبسي عبر قافلة سيارات داكنة الزجاج في اتجاه سوريا.
لدينا عمر فستق الذي استنجد بـ”حزب الله” ليتولى النائب السابق نوار الساحلي الدفاع عنه وإطلاق سراحه.
لدينا أحمد الأسير الذي بدأ نشاطه المتطرف مؤيداً لـ”حزب الله” في حرب تموز.
لدينا أمير تنظيم “داعش” الإرهابي الموقوف عماد ياسين، الذي كان يطلق صواريخ مجهولة الهوية في إتجاه إسرائيل من الجنوب المسيطر على كل شبر منه “حزب الله”، قبل ان يتم “تدعيشه” في موجةٍ معروف اين تستثمر اندفاعاتها.
لدينا “دواعش” الجرود الذين، وبعد ارتكاب جريمتهم، غادروا في باصات مبردة في اتجاه الداخل السوري.
ولدينا قائد تنظيم “انصار الله” الفلسطيني جمال سليمان، وعنه تقول مصادر انه متورط في ملفات أمنية خطيرة تكاد توازي ما ارتكبه الوزير السابق ميشال سماحة، وهو يعمل بالتنسيق مع علي المملوك، الذي يوصف بالعقل المدبر لـ”انصار الله”. لتضيف ان الرجل متهم بإمداد الإرهابي بلال بدر بالسلاح. على رغم هذا، أخرجه “حزب الله” غانماً سالماً من الأراضي اللبنانية في إتجاه الداخل السوري.
لا تخرج سيرة عبد الرحمن مبسوط عن اللعبة المكشوفة لمن يريد ان يقرأ خباياها.
او ربما هو اجتهاد لبناء نظرية المؤامرة من منظور واحد؟ الله أعلم.
لكن يبقى ان مسلسلاً يستكمل منذ أواخر تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي بحلقات لا يصعب ربط مضامينها بما يصل اليه لبنان تدريجياً.
يقضي المسلسل في احد فروعه تمجيد شهداء الجيش مقابل استهداف لقوى الامن الداخلي.
لعل الحقد على إنجازات “شعبة المعلومات” في الكشف عن شبكة الاتصالات التي كشفت خيوط جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو النطفة التي نمت لتولد كراهية واستهدافاً لهذه القوى، مع اتهامها بأحداث الرمل العالي قرب مطار بيروت في عز الاستهداف المباشر لكل ما له علاقة بالجريمة.
ومع الاستهداف المباشر للطائفة السنية الذي عزز في بيئة الحزب الإلهي، ومن ثم في البيئة العونية-الباسيلية، يرفد المسلسل فصلاً يقود الى أهدافه التي تتجاوز لبنان الى الإقليم.
المهم ان يستكمل المسلسل، وينجرّ أهل السنّة في لبنان الى ردود فعل غرائزية طالعة من القهر، وسط انهزام جماعي في الإقليم، بما يخدم المشروع ويكرّسهم متطرفين لا حول لهم ولا قوة، مقابل عنصرية الجينات المتفوقة من جهة والتفوق الإلهي من جهة ثانية، فيغرقون في خطط الإرهاب المشبوهة محركاتها، ليعوضوا خيباتهم ويكسروا مظلوميتهم، ويشار بالبنان اليهم، فينسى أبناء الطوائف الأخرى من اللبنانيين كل الارتكابات الاجرامية وكل ملفات الفساد وكل انتهاكات السيادة، ويغرقون بدورهم في التقوقع والخوف من الآخر تحضيراً لحرب أهلية جديدة.
sanaa.aljack@gmail.com
النهار