إننا نواجه إسلاماً جديداً، إسلاماً غاضباً، معادياً للعالم، علي يدي أبناء لم نحسن تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم، يحملون مشاعر كارهة للحياة والأحياء، ولم تفلح مناهجنا الدينية والدراسية في غرس قيم المحبة الإنسانية في قلوبهم ونفوسهم فارتموا في أحضان التطرف والعنف وأصبحوا أدوات مسخرة ينفذون توجيهات وفتاوي وتعليمات أئمة الكراهية والعدوان..
قالوا لهم: العالم يعاديكم ويعادي إسلامكم، وحضارة الغرب تريد القضاء علي هويتكم ودينكم وشريعتكم فجاهدوا من أجل نصرة دينكم وكان الحصاد المر أنهم أصبحوا مفجرين لأنفسهم ولغيرهم من الأبرياء.
لقد كان العالم فيما مضي مبتلي بالعمليات الانتحارية، ولكنه تخلص منها، فلا أحد يفجر نفسه في النساء والأطفال، في مطعم أو مستشفي أو قطار أنفاق- الآن- إلا المسلمين الذين لايزالون يفعلون ويرهبون. وليس كل المسلمين بالطبع، إنما الإسلام السنّي، وليس كل « السنّة »، إنما طائفة سميت « الجهادية السلفية » هي وليد أو مزيج من حاكمية قطب الاخوانية وسلفية تكفيرية وهابية، وهي التي جمعت المغربي مع الشامي والمصري والباكستاني والسعودي واليمني في مشاعر عدائية واحدة وثقافة واحدة ودفعتهم لتفجير أنفسهم في المسلمين في العراق والسعودية وأفغانستان والشيشان، وفي غير المسلمين في أمريكا ومدريد وبريطانيا والفلبين.
ولكن لماذا يقتل الإنسان نفسه؟!
فرويد يقول: إنه انتصار غريزة الموت علي الحياة. وعند بعض علماء الاجتماع إنه حاكمية الموت. وهناك ثقافة اليابان التي تجد الانتحار بطريقة الكاميكاز ولكن الياباني لا ينتحر، تقرباً إلي الله، ولا طمعاً في جنته، ولا شوقاً إلي الحور، لأنه لا يؤمن بكل ذلك، وهو لا يقتل الآخرين. أما الانتحاريون المسلمون فيفجرون أنفسهم في الآخرين، طريقاً إلي الجنة وتقرباً إلي الله.
ولكن هل يقبل ديننا فكرة الانتحار؟! وهل يجوز أن يفجر المسلم نفسه في الآخرين لأنهم أعداء؟!
النصوص المقدسة تجعل ذلك من الكبائر وكل أدبيات الجهاد علي مدي 14 قرناً لا تجيز التعرض للأبرياء والنساء وللأطفال، بل وحتي إذا لجأ العدو إلي انتهاك الحرمات فقتل النساء والأطفال فلا يجوز أن نرد بالمثل لأن الجهاد عندنا مقيد بالأخلاق والفضائل ويحرم علينا مجاراة العدو في جرائمه. وهذا أمر ثابت في كتبنا الفقهية وفي مناهجنا التعليمية وفي أبواب الجهاد وقد أكده علماء ومشايخ السلفية، بن باز، وبن عثيمين، وآل الشيخ، وكذلك كبار مشايخ الأزهر، شلتوت، وأبو زهرة، ود. طنطاوي. فقد قال الشيخ عثيمين حين سئل عن العمليات الانتحارية إنه قاتل لنفسه وأنه سيعذب في النار. وقال آل الشيخ لا أعلم لها وجهاً شرعياً، وقال الشيخ العبيكان تسمية العمليات الانتحارية بالاستشهادية، خاطئة وهي محرمة . وقال د. زقزوق – وزير الأوقاف المصري الانتحاريون ليسوا شهداء، بل يرتكبون جريمة مزدوجة، في حق الله واهب الحياة، وفي الاعتداء علي الآخرين .
لقد ظل هذا الحكم الشرعي بتحريم التعرض للمدنيين، حكماً ثابتاً، حتي فتح الشيخ القرضاوي وجماعة من الفقهاء ثغرة خطيرة في باب الجهاد، حين أفتي بمشروعية العمليات الانتحارية في المدنيين- تأييدا لحماس- وقال: إنها من أعظم أنواع الجهاد، وهي من الإرهاب المشروع، بحجة أنه لا فرق بين مدني وعسكري ولأن أطفال إسرائيل اليوم، هم مقاتلو الغد، وهم جميعاً محتلون. وهي نفس الفتاوي التي جيرها لصالح العمليات في العراق حين قال: لا فرق بين مدني وعسكري أمريكي في العراق لأن المدني في خدمة العسكري ثم عممها لتشمل كل المدنيين الذين لهم علاقة بقوات الاحتلال: مسلمين وغير مسلمين، حين أفتي بقوله: من تعاون مع المحتل يأخذ نفس حكمه. وهي نفس الأساس الفقهي والفكري الذي يستند إليه أصوليون مثل: الزرقاوي والمقدسي، وأبي قتادة وحامد العلي – راجع: مشاري الزايدي، الشرق الأوسط 15/،7 وجمال خاشقجي، الاتحاد 19/7- هذه الثغرة الدامية، شكلت أزمة فكرية وخلقية كما يقول خاشقجي وعادت بأكبر الأضرار علي الإسلام والمسلمين. إذ بلغ الانحدار الأخلاقي بهم أن فجروا الأطفال في بغداد، ونسفوا ركاباً آمنين في مواصلات لندن. وتلك الفتاوي – في تصوري- تمثل سوءة خلقية وفكرية علينا أن نبريء إسلامنا منها. وكما يقول أحمد عبدالملك: هل هذا هو الشرف الذي نباهي به الأمم؟!- الاتحاد 21/7- ولكن السؤال: لماذا أباح هؤلاء المشايخ العمليات الانتحارية؟ يقولون إنها سلاح ندمي به العدو، ونبث فيهم الرعب، ونثأر لكرامة المسلمين المستباحة في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان بسبب السياسات الغربية والأمريكية الظالمة.
بئس القول والتبرير ويا حسرة علي علم وتعليم ودعوة إلي الله بالحسني. أهكذا ينتهي بنا المطاف إلي تبرير عمليات وحشية لأننا مظلومون وضحايا؟! هل نحن- وحدنا- الذي نعاني ظلما في هذا العالم المتصارع؟! وأليس لنا دور في هذا الظلم الذي نشكو منه؟! وهل نحن ملائكة وهم شياطين؟!
هل بالعمليات الانتحارية نثأر لكرامة الأمة؟! هل يقتل أطفال العراق والهجوم علي مزارات الشيعة بالعراق نرد الاعتبار لكبرياء الأمة الجريحة؟! ما علاقة قتل مسلمين أبرياء في الجزائر والسعودية والمغرب وتركيا وباكستان والشيشان بالظلم الأمريكي لنا؟! يقف الخطيب علي المنبر صارخاً: انظروا كيف يقتلون المسلمين في كل مكان! تري من يقتل المسلمين؟! الانتحاريون هم الذين يقتلون المسلمين كل يوم في الساحة، وبمعدل 33 قتيلاً في العراق وقد بلغت ضحاياهم خلال عامين 30 ألف مدني عراقي، 20% منهم نساء وأطفال. فهل بقتل المسلمين نثأر للكرامة؟! يتحدثون عن الظلم الغربي والأمريكي فهل هم حقاً يعانون من الظلم؟ إذن ماذا يفعلون في أوروبا والعاصمة اللندنية تغص بأئمة الأصولية؟ لو كان السبب كما يقولون ظلماً غربياً أو أمريكياً فلماذا لا نجد فلسطينياً أو شيعياً انتحارياً، يفجر نفسه في الأمريكيين والأوروبيين مع أنهم الأكثر معاناة من ذلك الظلم المزعوم؟! أمريكا ضربت أفغانستان حسناً: لماذا تضرب أمريكا أفقر دولة إسلامية ولا تضرب ماليزيا وهي القوة الاقتصادية الإسلامية المتصاعدة؟! لماذا تضرب طالبان والقاعدة وتسقط صدام وقد كانوا في مراحل سابقة حلفاء؟! يرددون الأنشودة الباكية: ما حدث في أمريكا ومدريد ولندن وما يحدث علي الساحة العربية، سببه الاستعمار، والسياسات العدوانية! هذا الفكر المريض الذي تروجه فضائياتنا- كما يقول – أحمد عبدالملك- هو الذي يجعل العالم فاقداً للثقة فينا.. أدنا العمليات الانتحارية وليتنا لم نفعل، لأنها إدانة مربوطة ب ولكن الحزينة، فعدمها أفضل، لأنها تقدم خدمة مجانية لدعاة الإرهاب وتهيئ المناخ الثقافي لنمو التطرف.
إن جنون هتلر قتل 50 مليوناً لأجل كرامة الأمة الألمانية المهانة! وغرور صدام تسبب في قتل مليونين دفاعاً عن كرامة الأمة العربية! فكم يجب أن يقتل من البشر علي أيدي الجهاديين لأجل كبرياء الأمة الإسلامية الجريحة؟! الانتحاريون قتلوا في نيويورك ومدريد ولندن 4 آلاف وقتلوا في الساحة الإسلامية نصف مليون ، فمتي تقوم الأغلبية الصامتة برفع صوتها ضد الإرهاب؟! دفاعاً عن دينها وكرامتها.
كاتب قطري
الدكتور الأنصاري، بعد التحية لأخلاقيتك وإنسانيتك،
أليس هنالك أصل إسلامي لهذا العنف الحديث؟ في الآيات المدنية مثلاً، أو في السيرة النبوية كما وردتنا؟ أم أنه تم « خطف الإسلام »، كما يزعم البعض؟
في اليهودية أيضاً، هنالك أصول للعنف، مثل قصة إسقاط أسوار أريحا وذبح كل من فيها من بشر وحيوانات.
كيف تم تحديث اليهودية وإبعادها عن أصولها العنيفة؟ وكيف يتم إبعاد الإسلام المعاصر عن أصوله في الغزوات وغيرها؟