لم تُدِن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سوى متهماً واحداً في قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. حوار مع روبير روت، القاضي السويسري في المحكمة الخاصة بلبنان بين عامي 2011 و2013، لفك لغز مجرى المحاكمة، التي استمرت سنوات وكلفت ما يقارب المليار دولار.
فردريك بوزنان
swissinfo.ch : هل فاجأك هذا الحكم، خاصة كونه يدين واحداً فقط من المتهمين الأربعة؟
روبير روت: كان اثنان من الأشخاص الثلاثة الذين تمَّت تبرئتهم مُتَّهَمين بتنظيم تَبَنٍّ كاذبٍ للتفجير من قبل مجموعة جهادية غير معروفة. واعتبر القضاة أنَّ هذه التهمة لم تكن مدعومة بأدلة. في حين كانت هناك أدلة كافية لإدانة أحد المنفذين لمشاركته في التفجير.
والمؤسف في الأمر هو أنَّه لم تتم إدانة المُدبِّرين. ولكن كان هذا متوقعاً تماماً منذ عدة سنوات. الأمر الذي لم تُخفه غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بتصريحها خلال حكمها بأنه لا يوجد دليل يسمح باتهام النظام السوري وقيادة حزب الله. وكان من المهم أن تقول ذلك.
swissinfo.ch : مع أنَّ الاتهامات في البداية كانت موجهة لجهات فاعلة ذات أهمية أكبر.
روبير روت: كان هناك ثلاثة محققين متتالين، أصبح آخرهم المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان. وكان للمحقِّقَين الأوَّلَين وجهات نظر مختلفة تماماً. وكان تقرير التحقيق الأول للأمم المتحدة قد أشار بوضوح إلى أنَّ سوريا مسؤولة. وسعى المحقق الأول للوصول إلى المستندات والأفراد لتعزيز التهمة، ولكنه فشل في النهاية. وعندما شرع الجانب القضائي بالتحقيق، لم يعد يرد ذكر سوريا. والتنويه الوحيد الذي يظهر في لائحة الاتهام كان بأنَّ المتهمين الخمسة (توفي أحدهم منذ ذلك الحين) كانوا أعضاء في حزب الله. إلا أنَّه لم يتم اتهام التنظيم بحد ذاته.
swissinfo.ch : وعلى الصعيد الشخصي، كيف عشت هذه الضغوطات؟
روبير روت: كان المدعي العام اللبناني قد شكك بشكل غير مباشر في استقلاليتي بسبب علاقاتي المزعومة مع الكيان الصهيوني. ولم يجرؤ رئيس المحكمة على تذكيره باستقلالية المحكمة المنصوص عليها في نظامها الأساسي. وبالتالي فتح تحقيقاً داخلياً. وهو ما زعزع المحكمة، بشكل جزئي على الأقل.
كما ارتكب هذا القاضي خطأ بسبب جهله بالواقع اللبناني. في حين يجب أن يُبقِ القضاة أعينهم مفتوحة على الحقائق والديناميكية الراهنة في لبنان.
على العكس من ذلك، يعتبر البعض منهم أنه لضمان استقلاليتهم، يجب عدم متابعة الوضع الراهن في لبنان خوفاً من التورط فيه. كان هاجسهم على وجه الخصوص هو استمرار حزب الله في مهاجمة المحكمة في الصحافة. إلا أنَّ هذا الحزب لم يستنكر على الإطلاق تمويل المحكمة، على الرغم من مشاركته في الحكومة منذ وقت طويل.
swissinfo.ch : هل كان هناك أمل في أن تُساهم التحقيقات الجارية في جرائم الحرب المرتكبة منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، بشكل غير مباشر، في تقديم أدلة إلى المحكمة الخاصة بلبنان؟
روبير روت: نعم، كان هناك هذا الأمل. في الفترة التي كنت فيها قاضياً، كان من الواضح أنَّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد محكوم عليه بالسقوط. وكنا نتساءل إن كان ذلك السقوط سيسمح لنا بالوصول إلى الوثائق الموجودة بحوزة النظام. وهو ما لم يحدث على الإطلاق.
فقد اختفت بعض الأطراف الفاعلة. حيث توفي الشخص الذي كانت تعتبره تقارير لجنة التحقيق على الأرجح المسؤول الرئيسي عن هذا النوع من العمليات السورية في لبنان، خلال شجار في مكتبه، وفقاً للرواية الرسمية. أما بالنسبة للمسؤول الأول ـ بشار الأسد ـ فهو لا يزال رئيساً لسوريا.
غير أنه، من الممكن أن تؤدي المحاكمات الجارية حول الجرائم المرتكبة في سوريا إلى ظهور أدلة جديدة. لكن شريطة أن يكون المتهمون متورطين في العمليات في لبنان. ولا شيء يدل على أنَّ المحكمة الخاصة بلبنان تستطيع الحصول على مثل هذه الأدلة حتى في حال تمَّ الطعن في الحكم الذي صدر الثلاثاء الماضي.
swissinfo.ch : لقد كانت مدة المحاكمة موضع انتقادات كثيرة. وهو نفس الانتقاد الذي تثيره معظم المحاكمات الدولية في جرائم الحرب. هل هذه الانتقادات مُبرَّرَة؟
روبير روت: بالنسبة للمحكمة الخاصة بلبنان، لم يكن استغراق كل هذا الوقت لمعالجة القضايا التي كُلّفت بها أمراً حتمياً ولا أعتقد أن تكون السياسة هي السبب الرئيسي لهذا التأخير. يعود طول هذه الفترة، قبل كل شيء، إلى صعوبة التحقيقات على الرغم من الجهود المبذولة في البداية للإسراع فيها. وهو ما يفسر خيار الحكم الغيابي، وللمرة الأولى، منذ محاكمات نورنبيرغ.
كان المُروِّجون للمحكمة، وبالتحديد أنطونيو كاسيس الذي كان في نفس الوقت الرئيس الأول للمحكمة الخاصة بلبنان والذي ساهم إلى حد كبير بوضع النظام الأساسي للمحكمة، يدركون تماماً أنَّ هناك احتمالاً كبيراً بألا يتم تسليم المُتّهمين إلى المحكمة.
وتنطبق صعوبة المحاكمات على معظم المحاكم المُنشأة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الأكثر خطورة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية (CPI). وقد تمرَّد عدد من قضاة المحكمة الجنائية الدولية مراراً وتكراراً على هذه الضغوطات. في العام الماضي، قدّم القاضي الإيطالي كونو تارفوسير وجهة نظر في غاية القوة يوضح من خلالها سبب عدم نجاح الاجراءات القضائية التي ينظمها القضاة.
المشكلة الرئيسية التي تواجه محاكمات مستوحاة من الدول الناطقة بالإنجليزية ومستمدة من قضية محكمة يوغسلافيا السابقة، والتي تُمليها الولايات المتحدة بشكل كامل، تأتي من الالتزام بإثبات جميع الوقائع، حتى الأكثر تفاهة منها، أمام القضاة.
معنى ذلك، أنه في كل مرة يُقدَّم فيها ادعاء، يجب إثباته وإخضاعه للنقض إن أمكن. فلو قيل بأن التفجير ضد رفيق الحريري قد وقع ظهر يوم 14 فبراير 2005، يجب إثبات أنَّه كان في وضح النهار في ذلك اليوم لأنَّ ذلك يؤثر على ما رآه الشهود. ولذا، استغرق التحقق من أنَّ الشاحنة التي استُعملت في التفجير كانت من نوع كذا وأنها كانت مُستأجَرة وقتاً طويلاً لدرجة لا تُصدَّق.
*
*
ما قالته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في هذا الشأن
«بناء على النتائج والتحقيقات التي توصلت إليها اللجنة والسلطات اللبنانية حتى اليوم، واستناداً إلى الأدلة المادية والوثائقية التي تمَّ جمعها، والقرائن التي جرت متابعتها حتى الآن، هناك التقاء في الأدلة يشير إلى تورط لبناني وسوري، على السواء، في هذا الهجوم الإرهابي. ومن المعروف جيداً أنَّ المخابرات العسكرية السورية كان لها وجود كاسح في لبنان، على الأقل حتى انسحاب القوات السورية عملاً بقرار مجلس الأمن 1559 (2004). وهي التي عيَّنت كبار المسؤولين الأمنيين السابقين في لبنان. وفي ضوء تغلغل دوائر الاستخبارات السورية واللبنانية، عاملةً جنباً إلى جنب، في المؤسسات اللبنانية والمجتمع اللبناني، من الصعب تخيل سيناريو تُنَفَّذ بموجبه مؤامرة اغتيال على هذه الدرجة من التعقيد دون علمهما».
موجز عن تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بقيادة ديتليف ميليس بيروت، نُشِرَ بتاريخ 19 أكتوبر 2005.