“شفاف” خاص
في حين دعا وزير الاستخبارات الإيراني السابق، “علي فلاحيان”، أئمة صلاة الجمعة أن ينصحوا رجال الدين بتعلّم رياضة الدفاع عن النفس، بعد تزايد حالات الاعتداء عليهم، معتبراً أن إهمال موضوع “الحماية” أمر خطير للغاية، قال “جواد علوي بروجردي”، أحد مدرسي الحوزة العلمية في “قم”، في إشارة أيضا إلى الهجمات الأخيرة ضدهم، إن رجال الدين لا يشعرون بـ”الأمن” في كثير من مدن إيران ويخافون مغادرة منازلهم.
ويبدو كلام “فلاحيان” و”بروجردي”، وغيرهما الكثير، مؤشرا واضحا على أن فئة كبيرة من الشعب الإيراني تربط سوء الحياة السياسية والاجتماعية والمعيشية للمواطن الإيراني بالملالي. بل هناك من يرفض إسلام هؤلاء الملالي برمته، باعتباره ينافي معايير الحياة الحديثة، خاصة في جانبي الحقوق والحريات.
وقال “علوي بروجردي” خلال كلمة ألقاها في “قم”: “لم يحدث من قبل أن تم دهس رجال الدين بسيارة بمدينة “قم” في الشارع الذي توجد فيه جميع مكاتب مراجع الدين وكبار رجال الدين. وبعد ذلك ينزل الجاني ويجهز عليه بالسكين، حتى يتأكد من أن الضربة قاتلة. هل هذا يعبّر عن مشاعر الناس حيالنا؟“.
وأكد أن “الفجوة” بين رجال الدين والشعب اتسعت، وفقد الشعب الإيراني “ثقته” تجاه هذه الفئة، مضيفا أن أوضاعها الأمنية “ليست جيدة”. كما أكد أنه إذا زادت الهوة بين الناس وطبقة رجال الدين يوما بعد يوم، فهذا “خطير”. وقال إن العديد من عائلات الملالي يأمرونهم بعدم ارتداء تلك الملابس بل وبعدم الخروج من المنازل.
وفي الأيام الأخيرة، تصاعدت الهجمات على الملالي في مدن مختلفة في إيران. فقد أفادت وسائل إعلام إيرانية قبل أيام باغتيال “عباس علي سليماني”، الممثل السابق للمرشد الأعلى في بلوشستان وعضو مجلس خبراء القيادة، في مدينة “بابلسر”.
وبالتزامن مع ذلك، دهست سيارة أحد الملالي في طهران. كما دهس شخص بسيارته صباح السبت الماضي رجلي دين في محطة للحافلات بشارع الشهداء في مدينة “قم”، ثم نزل هذا الشخص من سيارته وهاجم أحدهما بالسكين.
As the protests in Iran continue, there's a trend of clerical "turban throwing" #عمامه_پرانی
Iranians are uploading videos of themselves knocking off or stealing a cleric's turban and (usually) running away.
(Song is Toomaj Salehi’s "Rathole")#MahsaAmini pic.twitter.com/hCN3fnZGKH
— Holly Dagres (@hdagres) November 7, 2022
إن تدهور الحياة الاقتصادية والمعيشية والحقوقية للمواطن الإيراني يأتي على رأس الأسباب الي جعلته يكره رجل الدين الذي يدير البلاد من خلال نظام فقهي-سياسي، ما أدى إلى تنامي حالات الاعتداء عليه كلما سنحت الفرصة. فهذه الظروف أدت به إلى رفض إسلام “ولاية الفقيه”، الذي يُفرض عليه بالقوة والقمع. فالمواطن الإيراني على قناعة بأن “المُعمّم” أو “الملاّ” أو “الفقيه” هو الملام الرئيسي عن كل الظروف التعيسة التي يعيشها. ونتيجة ذلك تمثلت في تزايد حالات الإحتجاجات الشعبية وقمع عشرات آلاف المحتجين ومقتل وسجن الآلاف وتراجع سجل حقوق الإنسان، وحصول تراجع شديد في معظم المؤشرات الدولية المتعلقة بالوضع الاقتصادي والمعيشي والحقوقي في إيران.
على سبيل المثال، تحتل إيران، في قائمة مؤشر “جودة الحياة” لعام 2022، المرتبة 86 ضمن 87 دولة تم قياسها.
ووفقا لتقرير البنك الدولي، سيرتفع التضخم في إيران من 46٪ عام 2022 إلى 49٪ عام 2023، فيما قالت وكالة “رويترز” إن معدل التضخم السنوي في إيران ارتفع في 2022 إلى أكثر من 50 بالمئة وفقدت العملة الإيرانية، الريال، ما يقرب من 45 بالمئة من قيمتها منذ اندلاع الاحتجاجات في أعقاب مقتل “مهسا أميني”.
وقال الخبير الاقتصادي الإيراني “سعيد ليلاز” (الذي قدم استشارات لعدد من الرؤساء الإيرانيين، بمن فيهم حسن روحاني) إن إيران لم تشهد تضخما كما تشهده الآن. وقال إن “الفقراء يتعرضون لضغوط هائلة”.
ولا يزال معدل البطالة بين الشباب في إيران مرتفعا مع تدني أوضاع أكثر من 50 بالمئة من الإيرانيين إلى ما دون خط الفقر، وفقا “لرويترز”.
وأدت إعادة فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العقوبات الأمريكية في 2018 إلى إلحاق الضرر باقتصاد إيران من خلال الحد من صادراتها من النفط والوصول إلى العملات الأجنبية. واختلف الإيرانيون حول أسباب محنتهم الاقتصادية والمعيشية، فمنهم من يشير إلى العقوبات الأمريكية ويتحدث آخرون عن “سوء الإدارة”.
وأشار أحد التجار إلى أن سوء الإدارة هو السبب الرئيسي للتراجع الاقتصادي والمعيشي، وقال إن “النظام الإيراني” هو السبب في معاناة الشعب. وحمل آخرون العقوبات الأمريكية المسؤولية.
وأكد “ليلاز” أن النظام الإيراني يحب استخدام الولايات المتحدة كـ “كبش فداء”، لكن كل الألم في شوارع إيران يأتي مباشرة من “سوء الإدارة”.
وقال ليلاز “لرويترز” إن “اللصوص يحكمون هذا الاقتصاد وهذا البلد”. وأشار إلى أن “التضخم الجامح في إيران ناتج عن مقدار الأموال التي تطبعها الحكومة لتمويل إنفاقها، والفساد في البنوك المملوكة للدولة”.
ويعمل فقط ما يزيد قليلا عن ثلث السكان في إيران حسب البنك الدولي.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد النساء الإيرانيات الحاصلات على تعليم عال، تعمل واحدة فقط من كل 10 في الأسواق والمؤسسات في البلاد.
واستنادا إلى تقرير سنوي للبنك الدولي بعنوان “النساء، والتجارة والقانون”، يتناول وضع القوانين المتعلقة بأعمال وموارد دخل النساء، فإن ترتيب النظام الإيراني من بين 190 دولة في العالم يأتي في نهاية الصف الخامس من هذا التقرير الذي نُشِر في 3 مارس 2023.
وبالإشارة إلى احتجاجات النساء الإيرانيات للتخلص من التمييز بين الجنسين ولتمتعهنّ بحقوق متساوية مع الرجال في بيئة الموارد والأعمال، يمتاز النظام الإيراني فيما يتعلق بثلاثة مؤشرات بشأن المرأة، وهي القوانين المقيدة لحرية السفر، والقوانين التي تقيد حرية تحديد مكان العمل، والقيود القانونية المتعلقة بالزواج، أنها بلغت الصفر في هذا التقرير.
كذلك تُظهر التغييرات والإصلاحات المتعلقة بتحسين القوانين في بيئة أعمال وموارد النساء من عام 1970 فصاعدا أن النظام الإيراني قد حصل على نقطتين فقط في السنوات 53 الماضية. ومن حيث الأجور والقوانين الأخرى التي تحكم بيئة العمل المفتوح، هي من بين أسوأ دول العالم.
وشبّه بعض الخبراء ظروف العمل الصعبة والمرهقة للنساء العاملات بـ”الرق الحديث”. وتعتبر الأجور المنخفضة والدرجات الوظيفية المتدنية وانعدام الأمن الوظيفي من بين المعضلات التي تعاني منها النساء العاملات في إيران.
وأخيرا، يمثل “حجاب” المرأة التحدي الرئيسي المفجّر للاحتجاجات الأخيرة المستمرة تبعاتها حتى اليوم. فهو أحد التحديات الوجودية لنظام ولاية الفقيه في قدرته على احترام حقوق النساء، أي النساء اللائي يرفضن التقيد باللباس الإسلامي ويطالبن بالحرية في ارتداء ما يفضّلن، ويرفضن هيمنة الإسلام السياسي الفقهي ورجل دينه على شؤونهن.