كان حسين الحسيني سياسيّاً قديراً متمكّناً من أصول الحرفة وكان وطنيّاً صادقاً مستمسكاً بالعروة اللبنانيّة. ولمّا كان بين هذين الأمرين من التوتّر، في الحالة اللبنانيّة، ما قد يعزّ حصوله في حالاتٍ أخرى فإنّ موقع الرجل في حلبة السياسة اللبنانيّة ترواحَ مرّاتٍ ما بينَ المتنِ والهامش.
أتاح له تصميمُه واقتداره وتقبّله أحلافاً وتسوياتٍ وتنزّلاتٍ كان بعضها يترجّح ما بين شبهة الإشكال وخيار الضرورة أن يحتلّ، لشوطٍ غير قصير، موقع الصدارة في السعي اللبنانيّ إلى الخروج من دوّامةِ الموت. احتلّ هذا الموقع مصلحاً دستوريّاً، وسياسيّاً يحسنُ نسجَ الوفاق ولا يهملُ الدستور، وإنساناً ليّن الجانب وطيّب المعشر. وقد كانت وطنيّته حدّاً ثابتاً لسلوكه في هذا المضمار، وهي ما أخرجه، مرّةً أخيرةً، من موقعه في السياسةِ السياسيّة وألزمه، طوال العقدين الأخيرين من حياته، بلزومٍ متزايدٍ لموقع “الحكيم”، المعتدّ بخبرته، بعد أن جرّده إيثار الداعي الوطنيّ، حيثُ وجبَ الحسمُ، من القدرةِ والسلطة.
عرفتُ الرجلَ في أعوام الحرب وفي غدواتها الأولى ونشأت بيننا مودّة انطلقت من الصداقة التي جمعتني بأخيه طلال وانتشرت إلى سائر العائلتين.
وإذ يصلني نبأُ رحيله وأنا بعيدٌ عن لبنان، يزيدُ من أسفي أن لا أتمكّن من المشاركة في مواساة طلال وعلي وحسن وأحمد ورندة. فإليهم منّي ومن عزّة، من حيث نحن، خالص المحبّة، ولفقيدنا ذُخْرُ أعماله الجليلة وذكراه الباقية ومكانه العزيز في قلوب عارفيه.