يشكّل الاتفاق الذي أُبرم لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية على الأرجح الحدث الدبلوماسي البارز الأول من نوعه في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الانكفاء الأميركي. فكما أخبرني أحد الوزراء العرب: “إن القصة الأهم لا تتمحور حول الخطوة التي أقدمت عليها السعودية وإيران اليوم، بل حول حجم النفوذ الكبير الذي تتمتّع به الصين في المنطقة”.
في الواقع، تحتاج الصين، وهي أكبر مستورد للطاقة في العالم، إلى الاستقرار في الشرق الأوسط لضمان التدفق الحرّ لموارد الطاقة من المنطقة. ويُعتبر خفض حدّة التصعيد بين القوتَين الإقليميتَين الأساسيتَين المنتجتَين للطاقة ضروريًا لتحقيق هذه الغاية.
لكن لم يتّضح بعد إلى أي حدٍّ ستنخرط بيجينغ في تفاصيل هذا الاتفاق وحيثيات تنفيذه. ويبقى السؤال المطروح كيف سيكون الردّ الصيني في حال أقدم أيٌّ من الطرفَين على انتهاك بنود الاتفاق؟
تُعاني إيران من عزلة دولية شديدة، وتؤرقها منذ أشهر الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وتعتمد بشكل كبير على الصين استراتيجيًا واقتصاديًا. ولا شك أن هذا الاتفاق يسهم في التخفيف من عزلتها، ويُضفي شرعية على نظامها، ويعزّز نفوذ الصين الإقليمي على حساب الولايات المتحدة.
لكن من غير الواضح بعد ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية على استعداد لإدخال تغييرات يُعتدّ بها على سياساتها الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة.
أما السعودية، فقد علّمها الهجوم الذي نفّذته إيران في العام 2019 على منشأة تابعة لشركة النفط الوطنية السعودية “أرامكو”، أنها لم تعد قادرة على التعويل على الولايات المتحدة لحمايتها من إيران. ونظرًا إلى تأثير بيجينغ الكبير على طهران والمصالح الاقتصادية التي تجنيها الصين من الاستقرار في الشرق الأوسط، تأمل السعودية على الأرجح أن يكون هذا الاتفاق بمثابة درع صيني يحصّنها ضدّ أي عدوان إيراني. لكن الوقت وحده كفيل بإظهار مدى فعاليته.
إضافةً إلى ذلك، ترى المملكة أن الدور الذي تلعبه إيران في اليمن يشكّل تهديدًا وجوديًا لها، فيما يعتبر المسؤولون الإيرانيون أن قناة “إيران إنترناشيونال” الناطقة باللغة الفارسية والمدعومة من السعودية، والتي تُعدّ إحدى أهم القنوات الإخبارية الإيرانية، تشكّل مصدرًا أساسيًا لإثارة الاضطرابات الداخلية. لكن من غير الواضح إلى أي حدّ سيؤثّر الاتفاق على هاتَين المسألتَين.
في أفضل الأحوال، سيرسي الاتفاق نوعًا من السلام البارد جدًّا. وإذا أردنا استخلاص العبر من اتفاقيات أوسلو للعام 1993 والاتفاق النووي الإيراني للعام 2015، فلا بدّ من أخذ الحيطة والحذر حيال مدى تأثير واستمرارية اتفاقيات السلام التي تُبرم بين خَصمَين – هما في هذه الحالة السعودية وإيران – لا يثق أحدهما بالآخر.
كريم سجادبور | باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تركّز أبحاثه على الشؤون الإيرانية والسياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط.