فَعَلها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. ثَبَت في موقفه، وحصَّنَه بهيكل متين من الحُجج البديهية المُقنعة لإنقاذ لبنان. والأهمّ، أنه لم يتراجع عنه، بالرغم من مُسارعة مُمثّلي مِحور المُمانعة الى الحجّ في الديمان، مُحمَّلين بالرسائل، بدءاً بالسفير الإيراني، مُروراً برئيس الحكومة حسان دياب، وبالطبع ليس انتهاءً بالصهر الغالي جبران باسيل.
لكن يبدو أنّ الرسائل لم تصِل، هذه المرّة… وسِدْرَة الْمُنْتَهَى عندنا ألا تصل. لعلّها تنزلِق على مُنحدرات جِبال لبنان، فتجرِفها وتطويها. حينها، تفقد الوسائل الإلتفافية على دعوة الراعي مفعولها، فلا تتمكّن من استيعابها لتفريغها من أهدافها، أو تمييعها، أو تفخيخها، عبر فرض طاولة حوار شرطاً للإتفاق على “أي حياد يُراد للبنان”؟
ولنا في مسارات ما بعد الطاولات وحِواراتها العقيمة، خير مثال على التشاطُر واللعب في الوقت الضائع، وتذويب الهدف المُرتجى من حياد يضع البلاد على سِكةٍ، مسارُها يُمكن أن يُقوِّض خريطة طريق مِحور المُمانعة لتغيير هوية لبنان، بحجّة الشمّاعة الإسرائيلية التي تُتيح تدمير لبنان حماية لـ”المقاومة”.
فمثل هذه النغمة الخشبية تُذكّرنا بطاولات ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والحِوارات حولها كانت تخفي باطنية ولّادة لأهداف رأس المِحور، مع حرب تموز 2006 وما تلاها من إقفال لوسط بيروت، وصولاً الى يوم 7 أيار المجيد، ومن ثم إتّفاق الدوحة وحكومة الثلث المُعطّل، والغدر والإغتيالات الجسدية والسياسية، والقوطبة على المحكمة الدولية. كما تُذكّرنا بطاولة بعبدا، والتفاف “حزب الله” على توقيع إعلانها، تماماً كما إلتفّ على تفويضه “المقاومة الديبلوماسية” لرئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الذي أنجز لـ”الحزب” القرار 1701، ودعمه بالمساعدات والهِبات لإعادة الإعمار، حتى يُخرجه من جحيم الحرب التي تحوّلت نصراً إلهياً، لا نزال ندفع ضريبته.
وسبل المُمانعة للقضاء على الحياد، لا تكتفي بموسوعة الخطر الإسرائيلي الذي يُخوِّن أي مُغامر يتجاوز الخطوط الحُمر… ولا توفّر التهديد المباشر وإدانة “السخافة والنذالة لمن يتعاطف مع الخونة والعُملاء، تحت عناوين شتّى، تُريد تشويه صورة لبنان المُقاوم والمُنتصر على العدوّ الصهيوني، بُغية إخراجه من دائرة الصراع مع عدوّ ظالم”، مع تجاهل تامّ لظُلم ذوي القربى الأشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المُهنّد.
فهي تنهل أيضاً من خطر الإنقسامات والفتنة، وقد تتفرّع عنها وسائل ترهيبية، كإفتعال أحداث أمنية، وفبركة ملفّات تُحوِّل الإهتمام الى أولويات أخرى. واذا انحشرت جماعة المِحور أكثر فأكثر، فالأرانب كثيرة في قُبّعة الحاوي، بحيث يُصبح موضوع الحياد من خارج الواقع والمجرّة وهموم الناس الحقيقية، والمال المنهوب وحزب المصرف… و… و… ولا حدود لوحشية الموسوعة.. لذا، يجب إنهاء هذه الهمروجة بِحلال أو حرام. واليوم أفضل من الغد، مع الإشارة الى أنّ المِحور لا يزال ليّناً رحيماً، فهو يعرض فخّ طاولة حوار DEJA VU ليحفظ ماء وجه البطريرك، ويُساعده حتى يكوِّع بالحسنى… لذا، تقضي الحكمة بالإستثمار في سِعة صدره… وإلا… اتفرّج يا سلام.
sanaa.aljack@gmail.com