غياب الصوت « السنّي » يقلّص كتلة جنبلاط النيابية، ويضعف حظوظ « القوات » في عكار والبقاع الشمالي!
في خطوة لم تكن مفاجئة، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق سعد الحريري تعليق عمله السياسي، داعيا “عائلته” في “تيار المستقبل” الى تعليق عملها السياسي ايضا. الحريري غادر لبنان إثر اعلانه هذا، متوجّهاً الى « ابو ظبي »، حيث مقر اقامته بعد ان أبعدته المملكة العربية السعودية.
مراقبون شبّهوا خطاب الحريري، الاخير، بذلك الذي القاه من المملكة العربية السعودية في 4 تشرين الاول/أكتوبر 2017. يومها كتبت القيادة السعودية بيان الاستقالة وأرغمت الحريري على تلاوته. وبالامس، جاء خطاب الحريري، يشبه شكلا، ذلك الخطاب التشريني، حيث دخل الحريري قاعة منزله في وسط بيروت، متجهم الوجه والغصة في حلقه، وخرج بعد انتهاء خطاب التعليق وعيناه مغرورقتان بالدموع.
وخلافا لجري العادة، لم يصافح الحريري ايا من المدعوين لسماع كلمته، لا حين دخل القاعة ولا بعد الانتهاء من كلمته، وخرج حتى دون ان يلتفت الى اي منهم، وكأنه أراد ان يقول « لا حول ولا قوة »!
خطاب الحريري، بما حمله من مضمون دل على أزمة شخصية حاول اعطاءها بعدا سياسيا، بالاشارة الى ان لبنان واقع تحت النفوذ الايراني. وخلافا لما أشاعه أنصاره قبل الخطاب بأن الخطاب سيكون بمثابة إعلان عن “عصيان مدني سياسي“، جاء الخطاب وجدانيا وخاليا من اي أفق سياسي مستقبلي. وكل ما فيه انه علّق عمله السياسي، من دون الاشارة الى الاسباب التي ستدفعه لاحقا الى رفع التعليق او الى ايقائه معلقا الى ما لا نهاية!
فقدان المضمون السياسي والافق للخطاب، يجعل منه تعبيرا عن ازمته الشخصية، وليس عن أزمة البلد السياسية. فبدل التعليق والاعتكاف، كان يجدر بالحريري، بحسب مصادر سياسية لبنانية، العمل على خلق إطار لمواجهة النفوذ الايراني في لبنان، بلد التنحي جانبا والجلوس على ضفة النهر ينتظر مرور جثث اخصامه.
بحسب معلومات ذُكرت سابقا، فإن ولي العهد السعودي اشترط على الحريري الانسحاب من السياسة، هو و« تيار المستقبل »، لقاء تصفير ديونه في المملكة، التي تبلغ 3 مليارات دولار، حسب محكمة الرياض، التي أفلست شركة « سعودي–أوجيه »، التي يملكها الرئيس الحريري، بين ليلة وضحاها! وقررت، من جانب واحد، ان لها في حوزة الحريري ديونا ومستحقات قدرتها بثلاثة مليار دولار، وعملت على اصدار اذونات قضائية بملاحقته امام المحاكم، وصولا الى التهديد بملاحقته دوليا!
وكانت المعلومات أشارت منذ حوالي ثلاثة أشهر، الى ان الحريري لم يكن لديه خيار سوى العيش بقلق مصيري ووجودي قد ينتهي به في احد السجون، أو الانصياع لإرادة بن سلمان والتخلي عن كل ما هو سياسي، فكان لبن سلمان ما اراد.
تعليق الحريري العمل السياسي، سيترك من دون شك فراغا سياسيا، على الساحة الوطنية عموما والسنيّة. خصوصا ان قراره هذا، جاء قبل اربعة اشهر فقط من موعد الانتخابات النيابية، حيث لا وجود لقوى سنّية قادرة على تعبئة فراغ المستقبل، ولا يسمح الوقت ببروز قوى بديلة لتيار المستقبل تكون قادرة على تعبئة الفراغ الذي سيتبع قرار الحريري.
لكن تعليق الحريري عمله السياسي، سيترك ايضا تداعيات على « اصدقاء » الحريري من السياسيين، كي لا نقول « حلفاء »، بعد انفراط عقد تحالف 14 آذار، وفي مقدمهم رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، الذي غرد عقب اعلان الحريري تعليق عمله السياسي قائلا: « تيتّم الوطن اليوم والمختارة حزينة وحيدة ».
في حسابات الربح والخسارة، سيخسر جنبلاط الكثير بغياب الصوت السنّي الصديق، وترجح مصادره ان تتقلص كتلته النيابية الى خمسة نواب، او ستة في حدها الاقصى! ولا تستبعد مصادر في الحزب الاشتراكي ان يعتكف وليد جنبلاط ايضا، ويقرر تعليق العمل السياسي، في انتظار عودة الحريري عن قراره!
في خانة الاصدقاء والحلفاء السابقين، يخسر سمير جعجع وحزب “القوات اللبنانية“، بغياب الصوت السنّي، مقاعد نيابية اقلها في عكار والبقاع الشمالي، ويخسر ايضا فرصة تعزيز فوزه بمقاعد نيابية اضافيه في مناطق يستفيد منها جعجع من الصوت السني، مثل دائرة الشمال الاولى، وزحلة والبقاع الغربي.
ومع ان جعجع حاول استيعاب قرار الحريري تعليق عمله السياسي، مشيرا في كلمة له اليوم الى انه سيواصل التنسيق مع قيادة تيار المستقبل، من اجل الانتخابات النيابية المقبلة، فقد جاءه الرد سريعا من المستقبل بأن ” « التيار الازرق » ملتزم قرار رئيسه تعليق عمله السياسي، وتاليا، لا حاجة الى التنسيقَ
على المستوى الوطني سيترك غياب المستقبل فراغا، في منحى الاعتدال السني، الذي حمله الحريري بصدره، ودفع فيه كل رصيده الشعبي والمالي من دون مقابل ولا منّة. ما سيضع ما يُسمّى « الثنائي الشيعي « في مواجهة الناس من الآن وصاعدا، سواء قطعوا طريق الجنوب احتجاجا على غلاء المعيشة او قطعوا ما يسمى “طرق امداد” ما يسمى « المقاومة » لاي سبب كان! فلن يجد الحزب ضمانته لاعادة فتح الطرقات في « بيت الوسط »!
قرار الحريري تعليق عمله السياسي، ارفقه اليوم بنشر فيديو يتحدث عن “ولادة نسر من جديد“! فهل أراد الحريري الاشارة الى ان قرار التعليق مؤقت وأنه ستعقبه ولادة « نسر » جديد، هو سعد الحريري؟