:من الجمل الشعبية المنتشرة في اللغة العامية المصرية حينما يخطئ شخص في حق شخص آخر أو في إعطاء معلومة معينة، فإنه يدافع عن خطئه بأن يقول: “يعني هو إحنا غلطنا في البخاري”! وهذا أعطى للبخاري وضعا خاصا وقدسية تصل إلى قدسية الأنبياء والرسل، حيث أن معظم المسلمين يعتبرون كتابَ “صحيح البخاري” أعظم كتاب بعد القرآن الكريم!
ونحن، كمسلمين، درسنا وعرفنا كل شيء تقريبا عن القرآن وكيفية نزوله على محمد (صلعم) وكيفية جمعه بعد وفاته، وعن « مصحف عثمان ». ولكننا لم نعرف الكثير عن ثاني أهم كتاب من ناحية القدسية الدينية ألا وهو كتاب “صحيح البخاري“. وسوف أحاول في هذا المقال القصير أن أعطي فكرة بسيطة عن حياة البخاري وعن كتبه ورحلاته وسفرياته وأرقامه.
…
هو “محمد بن إسماعيل البخاري“. ولد في مدينة بخارى (مدينة في أوزبكستان حاليا) في 13 شوال عام 194 هجرية، الموافق 20 يوليو عام 810 ميلادية، وتوفي في مدينة سمرقند (مدينة في أوزبكستان حاليا) في أول شوال عام 256 هجرية، الموافق أول سبتمبر عام 870 ميلادية (أي أنه ولدَ بعد وفاة الرسول بحوالي 183 سنة هجرية، ومات وعنده 60 سنة ميلادية).
وسوف أقتصر هنا على التركيز على الأرقام في حياة البخاري كما جاءت في كتب التراث، وأعتقد أن البخاري هو أهم شخصية دينية إسلامية بعد الرسول، لأن ما جمعه من أحاديث في كتابه صحيح البخاري أصبح أهم مرجع ديني بعد القرآن. وبعض المتشددين يأخذون من البخاري (أكثر مما يأخذون من القرآن) ما يناسب أفكارهم، وكلما حاولتَ مناقشتهم بالمنطق العقلاني يشهرون في وجهك كتاب البخاري ويقولون لك: “أوعى تغلط في البخاري“!
ولد ونشأ في مدينة بخارى وعنها أخذ لقبه “البخاري” ويقال أن جده الأكبر كان فارسيا، وكان والده رجل علم توفي وهو صبي صغير فنشأ يتيما في حضن أمه. ويقال أنه أصيب بفَقد البصر وهو صبي صغير، ثم رأت أمه في المنام سيدنا أبراهيم عليه السلام فقال لها: « يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك وكثرة دعائك »! وقد رد الله عليه بصره… وهذه القصة، سواء كانت صحيحة أم لا، أضفت قدسية على شخصية البخاري… لذلك فنحن غير متأكدين إن كان قد عاد إليه بصره بالفعل أم لا، أو إذا كان بالفعل فقد بصره!
وتقول كتب التراث أنه حفظ القرآن في العاشرة من عمره، وهذا غير مستبعد، ولكنني أردت معرفة من أين جاء البخاري بنسخة من القرآن الكريم في مدينة « بخارى »!
فإن كُتب التراث أيضا تقول عن جَمع القرآن في عهد عثمان أنه: لما قام المسلمون بغزو أرمينيا واذربيجان ظهر خلاف في قراءات القرآن وأنكر بعضهم على بعض ما يقرأون. فلما بلغ هذا الأمر الخليفة عثمان بن عفان طلب من حفصة بنت عمر نسخة المصحف لديها، وطلب من بعض الصحابة أعادة كتابته على لهجة قريش، وقاموا بإرسال نسخ من هذا المصحف (مصحف عثمان) إلى كل من مكة، الشام، الكوفة، اليمن، البحرين وأبقى عنده نسخة واحدة في المدينة. لذلك لست أدري من أين جاء الصبي البخاري بنسخة من القرآن الذي حفظه في العاشرة من عمره! وللعلم، فإن أول طباعة حديثة للقرآن تمت في مدينة البندقية عام 1530 ميلادية (660 سنة بعد وفاة البخاري) وتمت تلك الطباعة بآلات طباعة حديثة في بيئة مسيحية. لذلك لم يرضَ عنها كثير من علماء المسلمين، أما أول نسخة تمت طباعتها في كتاب واحد على ورق حديث فكانت في مدينة سانت بيترسبيرج عام 1787 ميلادية بأمر من الأمبراطورية الروسية كاترينا الثانية، وهذه النسخة تمّت تحت إشراف علماء مسلمين.
لذلك فإنه، باستثناء عدد محدود من الصحابة الذين حفظوا القرآن بصفة شفهية وأطلق عليهم لقب « حفظة الصدور »، فإن كل من أفاد بأنه حفظ القرآن قبل بدء عصر الطباعة الحديثة يجب أن نعيد النظر في قوله هذا!
وقد أجمع معاصرو البخاري بأنه كانت لديه ذاكرة سمعية لا تُبارى. وقيل أنه كان يذهب إلى مجالس المشايخ وهو غلام صغير ويستمع فقط، ويحفظ بمجرد السماع ولا يكتب شيئا. فقال له زملاؤه إنك تحضر معنا ولا تكتب شيئا، فقال لهم بالحرف الواحد: “إنكم قد أكثرتم على وألححتم فأخرجوا إلي ما كتبتموه“! فأخرجوا إليه ما كان لديهم وبلغ 15 ألف حديث، فقرأها كلها وحفظها عن ظهر قلب!! ودعوني أتوقف هنا قليلا: نحن نتحدث هنا عن العام 820 ميلادية قبل اختراع الورق الحديث والذي ظهر بعد عهد البخاري بحوالي 400 سنة. لذلك، لست أدري على أي ورق كتب زملاؤه الـ 15 ألف حديث! وبأي لغة كانوا يكتبون في « بخارى » في ذلك الوقت! حيث كانت اللغة السائدة في بلاد بخارى هي اللغة الفارسية! وكم أستغرق كتابة 15 ألف حديث بخط اليد من الوقت!
وقيل عنه في كتب التراث أنه قال: “أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح“! أي أنه حفظ ثلاثمائة ألف حديث بين صحيح وغير صحيح! والسؤال هو لماذا وضع فقط في صحيحه 7563 حديثا إن كان قد حفظ مائة ألف حديث صحيح؟ وتقول كتب التراث أيضا أنه كتب « صحيح البخاري » بعد أن فحص 600 ألف حديث. وطبعا هذا الأرقام الضخمة يؤمن بها معظم المشايخ وينشرونها من دون أن تمر على “فلتر العقل“. فكتب التراث تقول أنه قام بجمع الـ 600 ألف حديث خلال 16 سنة بعد أن عاش في مكة فترة ست سنوات ثم سافر إلى مصر وبغداد والشام في عشر سنوات، وتذكروا أنه كان يتنقل على ظهر بغلة أو حمار لآلاف الكيلومترات، وأترك لكم حساب المدة التي يحتاجها المرء للسفر لمثل هذه المسافات على ظهر حمار أو بغل!
وإذا أفترضنا صحة أنه جمع 600 ألف حديث في خلال 16 سنة، فبحسبة بسيطة نعرف أنه كان يقوم بجمع 37 ألف حديث سنويا أو 107 حديث يوميا! ولو أنه كان يعمل 8 ساعات يوميا بما فيها ساعات ركوب البغال، فإنه كان يعمل 13 حديثاً في الساعة؟ فإن كان هذا معدلا معقولا يدخل العقل، يبقى الله يكرمه!
والسؤال الثاني: أين كان يجمع الـ 600 ألف حديث؟ هل كان يجعها في الذاكرة حيث أنه قال أنه يحفظ 300 ألف حديث فقط؟ هل كان يجمع الـ 300 ألف حديث الأخرى في أوراق، وفي أي نوع من الورق؟ هل تتخيلوا معي حجم المجلد الذي سيجمع 600 ألف حديث؟
وقيل أيضا أن البخاري تلقى العلم عن ألف شيخ في ترحاله، وقد حسبت عدد الأساتذة الذين تلقيت أنا عنهم العلم منذ المرحلة الإبتدائية وحتى مرحلة ما بعد الدراسة الجامعية، فوجدت أن عددهم يتراوح بين 50 إلى 60 مدرسا وأستاذا!
وسئل البخاري مرة عن صحة حديث، فقال: « يا أبا فلان تراني أدلس؟ تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر لغيره فيه نظر » لأنه كان يتحرى الدقة في نقل الأحاديث، بدليل أن ما وضعه في كتابه صحيح البخاري يتجاوز قليلا نسبة الواحد بالمائة مما جمعه (600 ألف حديث)!
هذه كلها أرقام ليست من اختراعي، ولكنها موجودة في كل مراجع التراث الإسلامي. فإن كانت هذه الأرقام تدخل العقل فهنيئا لنا بالبخاري! ونحن لم نغلط أبدا في البخاري ولكننا نحاول عرض الأرقام بطريقة حسابية بسيطة باستخدام آلة حاسبة من القرن العشرين.
….
وبمناسبة الأرقام، يبدو أن كثيراً من الناس حتى يومنا هذا لا يعرف الفرق بين الألف والمليون والمليار والتريليون. وأذكر قصة طريفة عن خالتي أم محمد (رحمها الله) وكانت تعيش معنا في القاهرة بعد وفاة زوجها، وكانت قروية غير متعلمة وفي غاية من الفقر، وكان أكبر رقم مالي في حياتها هو مبلغ العشرة جنيهات التي كانت تتقاضاها شهريا من معاش السادات. ويبدو أنها مرة سمعت في التليفزيون من يتحدث عن مبلغ ألف جنيه فلم تتخيل ماذا يعني مبلغ الألف جنيه. فجاءت وسألتني أجمل سؤال في حياتي: “ألا يا سامي يا أبني، هو الألف جنيه فيهم كام عشرة جنيه“؟ فلما قلت لها : « الألف جنيه يا خالتي فيهم ميت عشرة جنيه » كاد أن يغمى عليها!!
جزاك الله خبرا على هذه المعلومات الضرورية لتنوير الناس
من روائع صحيح البخاري:
أن النبي صلى الله عليه وسلم: “لعن الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى.
يعني يجب على المرأة ألا تتزين بال( ميك اب) وتطلق العنان للشعر ينمو في وجهها، ولا تفرش اسنانها اطلاقاً..
يعني قمة القذارة والبشاعة
هكذا يحترم بخاري الاسلام المراة..!!!
مقال علمي ضروري رائع
تحياتي للاستاذ الفاضل سامي البحيري..