قبل ثلاثة أيام شنّ موقع إيراني رسمي هو موقع « العالم » هحوماً على البطريرك الراعي تجاوز كل أصول التخاطب، فاتهمه بالعمالة، ولم يتورّع عن تهديده!
إلى درجة أن مستشار ميشال عون الذي أصبح وزير خارجية لبنان، السيد شربل وهبة، صرّح قائلاً: « فور عودتي من القاهرة، طلبت تزويدي تفاصيل ما نشر في قناة « العالم »، واتصلت بالسفير اللبناني في طهران الذي أطلعني عما صدر عن الحكومة الإيرانية من اعتذار وإدانة لما نشر » (أين نُشِر هذا الإعتذار، إلا إذا كان إعتداراً من نوع « سري للغاية »؟)! كما أعلن أنه استدعى السفير الايراني وسيجتمع به بعد غد الاثنين في وزارة الخارجية!
برافو « خوش وزير »!
بموازاة الهجوم « الإيراني الرسمي » المُقذِع على بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، « علمت “النهار” أنه سيتم إحياء لجنة الحوار ما بين البطريركية المارونية و”#حزب الله” وذلك لتخفيف الاحتقان السائد بعد مواقف البطريرك بشارة بطرس #الراعي الأخيرة، وتلبية لدعوته الحزب إلى الحوار، وسيشارك في اجتماع يعقد الأسبوع المقبل المطران سمير مظلوم والسيد حارس شهاب من بكركي، ومن الحزب عضوا المجلس السياسي محمد الخنسا ومصطفى الحاج علي. »!
باختصار، لم يتغيّر شيء بين عهد الاحتلال السوري وعهد الإحتلال الإيراني!
ماذا دار في حوار غازي كنعان مع سمير فرنجية ممثلاً للبطريرك صفير؟
في اعقاب « نداء المطارنة الموارنة » الشهير عام 2000، لجأت سلطات الإحتلال السوري يومها الى استنفار ادواتها في لبنان للرد على البطريرك الراحل، وتهديده وترهيبه. وعندما لم تنفع التهديدات مع صفير واستمر في مساره التصعيدي مطالبا بانسحاب الجيش السوري من لبنان تنفيذا لاتفاق الطائف، إضطر نظام الاسد للاستعانة بمخزونه الاستراتيجي، فشنّ نائب الرئيس عبد الحليم خدام هجوما على البطريرك صفير، مكررا التهم التي اوعز لعملاء نظامه في لبنان لاتهام البطريرك بها.
وبعد فشل ذلك كله، وامام اصرار البطريرك صفير، وصلابة موقفه، سعى نظام الاسد الى فتح قناة حوار معه في محاولة لاستيعاب مفاعيل النداء!
فكان ان طلب البطريرك صفير من الراحل سمير بك فرنجيه، تولي الحوار مع غازي كنعان رئيس جهاز الامن والاستطلاع السوري في لبنان، نيابة عنه.
الحوار مع غازي كنعان لم يمتد لاكثر من جلسة واحدة، أنهاها للواء كنعان بطريقة درامية حينما سأل سمير فرنجيه فجأة: « لماذا لا تنفتح بكركي على الرئيس اميل لحود وعلى رئيس الحكومة رفيق الحريري، وما يريده البطريرك يمكن تلبيته فورا »!
يومها أجابه فرنجيه: « بين لبنان وسوريا هناك زعيمان، مع الفارق في قدرات كل منهما، الرئيس الاسد في سوريا، والبطريرك نصرالله صفير في لبنان »!!
ما اشبه اليوم بالامس. البطريرك الراعي أطلق مبادراته التي اصبحت معروفة وتتلخص بـ”تحرير الشرعية اللبنانية من خاطفيها”، و”حياد” لبنان”، و”مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة”، لتطبيق قرارات الشرعية الدولية وحماية الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف.
فأي حوار ممكن مع حزب يمثّل الإحتلال الإيراني للبنان (والعراق وسوريا و« اليمن السعيد »)؟
وماذا سيقول السيد حارث شهاب والمطران مظلوم لممثّلي « الحرس الثوري »، السيدين محمد الخنسا ومصطفى الحاج علي؟
في العام ٢٠٠٠، طالب البطريرك صفير بانسحاب الجيش السوري من لبنان،وليس من « المناطق المسيحية »!.
فهل سيطالب المطران و« السيد » شهاب بانسحاب فيلق « الحرس الثوري » من لبنان؟ وهل سيطالبان الحزب الإيراني بتسليم سلاحه للجيش اللبناني، أو بـ« خروج الإحتلال الإيراني من قصر بعبداً »؟ أم، بالحد الأدنى، هل سيطلبان من ممثلي « الحرس » تسليم قتلة «جو بجاني » (الذي استقبل البطريرك عائلته قبل أسابيع، في بادرة مُلفِتة!) أو قتلة « لقمان سليم »؟
عدا ذلك، كل حوار سيكون عبثأً!
المطلوب من المطران مظلوم و« السيد » حارث شهاب أن ينقلا لممثلي إيران أن البطريرك الراعي الذي يريد إشاعة اجواء السلام لا الحرب، لن يرفض اي دعوة للحوار، ولكنه قطع خطوط الرجعة مع مرحلة ما قبل السبت الفائت.
بمواجهة « الإنقلاب بكل معاني الكلمة » الذي تحدث عنه بطريرك لبنان كله، كل محاولة لتحويل خطاب البطريرك إلى « حوار ديني » لن تخدم سوى الاحتلال الإيراني. و« لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ »!
ونقطة على السطر!