حذّر الشيخ صبحي الطفيلي، في فيديو، الطبقة السياسية من أن من يريد تحرير فلسطين عليه القضاء على الفساد أولا.
صحيح أن فلسطين لم تكن غائبة عن وعي وضمير الشباب الذين فجروا الثورات العربية في العام 2011، لكنها لم تكن عنوانها ولا قضيتها. ذلك أن الشباب العربي وعى بالسليقة أن من يريد أن يحرر كائنا ما، كان عليه أن يحرر نفسه أولا. كي يحرر العبيد أرضهم، عليهم تحرير أنفسهم قبل ذلك.
لم نتعلم بعد ولا وجدنا الطريقة المناسبة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. منذ ما سمي النكبة في العام 1948 كان الخيار العربي عموما تجاهل وجود إسرائيل وإنكاره. وصل بنا الأمر حد رفض الفلسطينيين الذين صمدوا في أرضهم وحملوا الجنسية الإسرائيلية. فما كان من العرب إلا أن نزعوا عنهم هويتهم الفلسطينية أيضا فسمّوهم باسم نكبتهم: “عرب 48”! وعوملوا كعملاء في الدول العربية ورُفِض استقبالهم أو التعامل معهم.
هذا الإنكار للوقائع لا يزال سلاح البعض من بقايا بعض اليساريين الممانعين من أجل تخوين من يخالفونهم الرأي فيسارعون لاتهامهم بالعمالة. لذا أحرقت خيمة “ملتقى التأثير المدني” في موقف اللعازارية في بيروت وتم الاعتداء الجسدي على الحضور. التهمة: التطبيع مع إسرائيل. والدليل اعتبار إسرائيل “دولة!”.
إسرائيل تطور تقنيات تدخل في عدد من الصناعات الإلكترونية التي تستخدم في الكمبيوترات المحمولة التي بين أيدينا، ونخوض الحروب ضدها فتحتل ونحرر الأرض من احتلالها. ومع ذلك هي ليست دولة ولا موجودة!
والآن مع خطة السلام الأميركية التي اصطلح على تسميتها شعبيا بـ”صفقة القرن” ستعلو المزايدات وتتحرر فلسطين يوميا بالخطابات الرنانة فيما يستمر البحث عن طريق جديد لتحرير القدس، بعد جونية والزبداني والقصير وحلب وغيرها. في الوقت الذي لا يستطيع فيها المواطن العربي، ولا الإيراني، أن يجد ما يحفظ حقه في العيش بكرامة، بما تعنيه الكلمة.
كتب الكثير من المقالات المؤلمة والجارحة في صدقها وصراحتها عن صفقة أو صفعة القرن. لكن المسؤولية الأكبر فيما وصلت إليه القضية الفلسطينية تقع أولا على التشرذم الفلسطيني الذي يرعاه محور الممانعة لصاحبته إيران التي تكاد تحل محل إسرائيل في الوعي العربي.
وتقع ثانيا على أوضاع العرب المزرية وتقهقر دولهم الفاشلة في معظمها. ما يعيق الشعوب عن الاهتمام بفلسطين وأهلها.
تتجاهل خطة السلام الأميركية أو “صفقة القرن” ثورات الشعوب العربية فلا تأخذ بعين الاعتبار سوى الأنظمة التقليدية المطبوعة بالاستبداد وتنسق مع بعضها. لكن هذه الثورات ـ لا سواها ـ من يملك القدرة على إخراجنا من هذا المأزق لتعيدنا إلى الخارطة العالمية بعيدا عن وصمة الفشل والعنف. أو ربما نحتاج معجزة تغلّب وجهة نظر الإسرائيليين السلميين، الذين يعترفون بالحق الفلسطيني بدولة سيدة مستقلة، على عنصرية اليمين الإسرائيلي. والأمران، ليسا ممكنين في المدى المنظور، حتى لا نقول مستحيلين.
وأمام هذا الكم من النقد الذاتي الموجع، الذي كان يجب أن يقال وأن يسمع ويمارس قبل وقت طويل، وقبل خراب البصرة وأخواتها، ارتأيت العودة إلى علم النفس وإلى عالم إسرائيلي ربما بحثا عن نفحة أمل أو نقطة ضوء، للسذج من أمثالنا.
من هنا اختياري لمقاطع من مقال، كان صديقي المرحوم قدري حفني قد ضمنه مقدمته لكتاب علم النفس السياسي الذي ترجم عن الإنكليزية (2009)، معرفا بالكاتب: أما دانييل بار-تال Daniel Bar-Tal أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة تل أبيب، فهو يهودي إسرائيلي، يعد من اليهود الإسرائيليين القلائل الذين اتخذوا موقفا محددا إلى جانب خيار السلام منذ كان طالبا بجامعة تل أبيب في أواخر الستينيات.
يتوجه بار-تال في خطاب مفتوح يحمل تاريخ 16 فبراير 2009 إلى يهود إسرائيل:
“لعلها واحدة من أقسى فترات حياتي السياسية كيهودي أعيش في دولة إسرائيل. لقد وجهت أحداث الحرب في غزة ضربة قاصمة لقناعاتي بأن ثمة أملاً في حل سلمي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يتحقق في المستقبل القريب، وفضلا عن ذلك فقد اهتزت ثقتي في إنسانية البشر حين شاهدت مدى السهولة التي يستجيبون بها لنداء الحرب معبرين عن مشاعرهم الوطنية العمياء، ورغبتهم في الانتقام، ونزعهم الشرعية عن الآخر، وانعدام حساسيتهم تجاه الحياة البشرية، مقابل الصعوبة الكبيرة التي تواجه عملية إقناع البشر بالتحرك نحو السلام”.
ويكمل بار-تال بالقول “لقد شاهدنا مرارا كيف أن الأمر يستغرق سنوات لإقناع الناس بأهمية السلام، في حين أن الأمر لم يستغرق سوى وقت قصير للغاية لإقناعهم بضرورة الحرب، بل لقد كان الأصعب هو إقناعهم حتى بمراعاة الاعتبارات الأخلاقية في حربهم“.
يكفي أن نخيف البشر من بعضهم البعض وأن نصوّر الآخر كعدو يرغب بسحقنا كي نثير غرائز العنف والتدمير. كما أن للإعلام دورا محوريا في التحريض وقلب الوقائع أو إغفال بعضها بما يجعل من الصعب تكوين رأي موضوعي أو الإحاطة بالواقع كما هو. وهذا ما يسمح لمن هم السلطة من الاستمرار في الهيمنة.
يضيف بار-تال أن “الحقيقة أكثر تركيبا بكثير من تلك الحكايات التي تروجها المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، والتي نجحت من خلالها في تشكيل أفكار الجمهور اليهودي في إسرائيل. إنه لأمر مثير للسخرية، لأن واحدا من أهداف الحرب كان التأثير على وعي الفلسطينيين بحيث يتبين لهم مدى الضرر الذي أوقعته “حماس” بحياة الفلسطينيين وبأهدافهم. وما حدث هو أنه بدلا من تحقق هذا الهدف، فقد أدت الحرب إلى تقوية دعم الصقور على الجانبين، مما أدى إلى مزيد من تحطيم العملية السياسية. إن تحليل الموقف نفسيا يبين حجم التحيز والتشويه والانتقائية الذي يشوب نقل وبث المعلومات عبر قنوات الإعلام الإسرائيلية. ولا يعني ذلك أن المعلومات الأخرى البديلة غير متاحة في إسرائيل، ولكن من يهتمون بمعرفة الحقيقة لا يتجاوزون قلة صغيرة“.
انتظر بار-تال معجزة لم تحدث للتوصل الى حل سلمي. وبعد أكثر من عقد على حرب غزة ما حدث هو صفقة من أجل تعقيده جاءت كنتيجة طبيعية لانهيار المنظومة العربية بدعم من المجهود الإيراني الذي اعتاش على قضية تحرير القدس. والآن، وعلى وقع مزايدات الممانعة، سيستمر البحث عن طريق جديد للقدس، ما يغرق بلداننا بمزيد من العنف والدمار.
فهل سينتصر الحق والأخلاق يوما؟ هل ستنتصر الشعوب؟ ومن بينها الشعب الإيراني، لتصويب بوصلة الأحداث في المنطقة المهتزة؟ أم علينا انتظار نفاذ مخزون النفط والغاز؟
monafayad@hotmail.com
الحرّة