(في نفس السياق، نقل « الشفاف » أمس مقالاً بالإنكليزية، بقلم الوسيط الأميركي (والعسكري السابق) فريدريك سي. هوف حذّر فيه إدارة بايدن من أن تخبّطها في سوريا سيقنع الروس والصينيين بأن أميركا عاجزة عن مواجهتهم، وسيزيد عدوانيتهم في أوكرانيا وتايوان! بالمناسبة، تحذير الشخصيات الأميركية السبع المؤثرة، وبينها مديران سابقان للسي آي أي، وقائد سابق للقيادة المركزية، يعبّر أيضاً عن تشاؤم المفاوضين الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين والبريطانيين!).
إعلان بشأن تحسين إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للتحدي النووي الإيراني
إعلان من: هوارد بيرمان، وميشيل فلورنوي، وجين هارمان، وليون بانيتا، وديفيد بترايوس، ودينس روس، وروبرت ساتلوف*
وصل التحدي المتمثل في منع إيران من حيازة سلاح نووي – وهو التزام تعهد به الرؤساء المتعاقبون من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الولايات المتحدة – لحظة حرجة. ويبدو أن الجهود الدبلوماسية تنحسر بعد أن قدّم ممثلو إيران في فيينا مطالب قصوى جديدة ترافقت مع تراجعهم عن التنازلات السابقة، حتى في الوقت الذي يتجاوز فيه علماؤها عتبات التخصيب الخطرة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن محقاً عندما قال إن الولايات المتحدة لن تقبل بأسلوب تُماطل فيه إيران في المحادثات وتحرز في الوقت نفسه تقدماً في برنامجها النووي. وبالفعل، توشك مفاوضات فيينا على أن تصبح غطاءً لإيران لكي تتمكن من امتلاك القدرة على بلوغ عتبة إنتاج سلاح نووي.
نحن نؤيد بشدة تفضيل إدارة بايدن استخدام الدبلوماسية لضمان بقاء البرنامج النووي الإيراني لأغراض مدنية فقط. ولا يمكن إيجاد حل مقبول من الطرفين لهذه المشكلة إلا من خلال اتفاق دبلوماسي، وهو أمر مهم بشكل خاص في وقت يتخبط فيه العالم بسبب التحديات الملحة لتهديدات روسيا لأوكرانيا وتنامي عدائية الصين.
وفي حين أقرت الولايات المتحدة بحق إيران في امتلاك طاقة نووية لأغراض مدنية، إلا أن سلوكها لا يزال يؤكد أنها لا تسعى إلى الحفاظ على خيار إنتاج أسلحة نووية فحسب، بل إلى العمل بنشاط على تطوير هذه القدرة. وبالفعل، كما قال المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافائيل غروسي، فإن قرار إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة وإنتاج معدن اليورانيوم ليس له أي غرض مدني مبرر.
ومن المهم التذكير بأن الحدّ الأقصى للتخصيب الممنوح لإيران بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، وهي الاتفاق الدبلوماسي الذي يمثل العمل به مجدداً الهدف من محادثات فيينا، كان 3.67 في المائة. وكان من المقرر أن تكون هذه النسبة أدنى بكثير من الخط الفاصل للتخصيب بنسبة 20 في المائة، الذي يفصل بين اليورانيوم المنخفض والعالي التخصيب والذي اعتُبر على نطاق واسع مؤشراً على نية إيران للانتقال إلى التخصيب القريب من صنع سلاح نووي. ويرى الكثيرون، بمن فيهم أولئك الذين دعموا «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أن التخصيب إلى نسبة 20 في المائة كان خطاً أحمر بالنسبة للولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات خطرة.
ويتمثل الواقع السائد اليوم الأكثر شؤماً بأن إيران تقوم حالياً بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة وتهدد برفع هذه النسبة إلى 90 في المائة؛ بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للمسار الذي تسلكه حالياً، يرى الخبراء أن طهران ستجمع، في غضون أشهر، كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة ومعرفة فنية كافية بعملية التخصيب، التي من شأنها أن تجعل تطبيق القيود، بشكلها الحالي، غير مؤثر. ومن شأن أفعالها هذه أن تدق ناقوس الخطر بسبب الخطر الملازم لها من جهة، ولأنها تشير إلى أن طهران لا تخشى أن تكون هناك أي تداعيات على اتخاذها هذه الخطوات من جهة أخرى.
ومن دون إقناع إيران بأنها ستتحمل تداعيات خطيرة إذا واصلت سلوك مسارها الحالي، ليس هناك سبب وجيه للأمل في نجاح الجهود الدبلوماسية. ونظراً إلى سرعة تقدّم برنامج إيران النووي، لا يمكن حصر هذه التداعيات بالعزلة السياسية، وقرارات الإدانة في المحافل الدولية، والعقوبات الاقتصادية الإضافية، وهي خطوات تُعتبر جميعها جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران ولكنها غير كافية في هذه المرحلة لإقناع القادة الإيرانيين بأن الثمن الذي سيدفعونه يقتضي منهم تغيير هذا المسار.
وبالتالي، ولكي تنجح الجهود الدبلوماسية التي نبذلها لحل هذه الأزمة، نعتقد أنه من الضروري إحياء مخاوف إيران مجدداً من أن مسارها النووي الحالي سيدفع بالولايات المتحدة إلى استعمال القوة ضدها. ويتمثل التحدي بكيفية إعادة بناء مصداقية الولايات المتحدة بنظر قادة إيران. إن الكلمات – بما فيها الصياغات الأكثر تحديداً ومباشرة من “جميع الخيارات المطروحة على الطاولة” – ضرورية أيضاً ولكنها غير كافية.
وفي هذا السياق، نعتقد أنه من المهم أن تتخذ إدارة بايدن خطوات تدفع بإيران إلى الاعتقاد بأن مواصلة سلوكها الحالي ورفض التوصل إلى حل دبلوماسي معقول سيهددان بنيتها التحتية النووية بكاملها، والتي حرصت على بنائها بعناية تامة على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وقد تشمل مثل هذه الخطوات تنسيق “القيادة المركزية الأمريكية” لمناورات عسكرية كبيرة، ربما بالاشتراك مع الحلفاء والشركاء، تحاكي ما يمكن أن تشمله عملية مهمة مماثلة، بما في ذلك التدريب على هجمات جو- أرض ضد أهداف محصنة وتعطيل بطاريات الصواريخ الإيرانية. وسيكون من المهم أيضاً تزويد الحلفاء والشركاء المحليين وكذلك المنشآت والأصول الأمريكية في المنطقة بقدرات دفاعية معززة لمواجهة أي إجراءات انتقامية قد تتخذها إيران، مما يُظهر بالتالي قدرة الولايات المتحدة على التحرك عند الضرورة. ولعل الأهم من ذلك، أن وفاء الولايات المتحدة بالوعود التي سبق أن قطعتها لاستخدام القوة ضد الهجمات الإيرانية الأخرى، مثل الهجوم بطائرة بدون طيار الذي نفذته الميليشيات المدعومة من إيران ضد قاعدة “التنف” الأمريكية في سوريا واحتجاز إيران غير القانوني لسفن تجارية وقتل بحارة غير مسلحين، قد يكون له أثر مفيد يتمثل بتسليط الضوء على جدية التزامات الولايات المتحدة بالتصرف في الشأن النووي.
ولنكون واضحين – نحن لا نحث إدارة بايدن على التهديد بـ”تغيير النظام” أو الدعوة إلى استراتيجية “تغيير النظام” تحت غطاء عدم انتشار السلاح النووي. ولا يتعلق الأمر بالعدائية تجاه إيران أو شعبها. ففي الواقع، نحث الحكومة الأمريكية على تقديم الدعم الإنساني، بما في ذلك لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد ومساعدات طبية أخرى حالياً – بغض النظر عن المأزق الدبلوماسي. لكن من الضروري كسر هذا الجمود ووقف التقدم الخطير الذي يحرزه البرنامج النووي الإيراني.
كما أننا نرى أن الاتفاق الدبلوماسي الذي يضمن بشكل كامل وإثباتي أن يكون البرنامج النووي الإيراني لأغراض سلمية فقط يبقى أفضل وسيلة لمواجهة التحديات النووية الإيرانية. كما أنه سيبقى أفضل طريقة لمنع حدوث موجة من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، والتي ستُشعر الدول الأخرى في المنطقة أنها مضطرة لمواكبة القدرات الإيرانية، مما يؤدي إلى تداعيات كارثية على أمن المنطقة والمعايير العالمية لحظر الانتشار النووي.
ولتجنب الصراع العسكري – من قبل الولايات المتحدة أو أي جهة فاعلة أخرى تعتقد أنها مهددة من قبل قدرة الأسلحة النووية الإيرانية – من الضروري تعظيم احتمال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وتحقيقاً لهذا الهدف، سيكون تقديم الحوافز لإيران أمراً أساسياً، للتأثير على الجدل الدائر في طهران والإثبات للعالم – خاصة الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي تتفاوض مع إيران – إلى أي مدى ترغب الولايات المتحدة بالتوصل إلى اتفاق.
لكن إحياء مخاوف إيران بشأن التداعيات الخطيرة التي ستتحملها إذا رفضت لا يقل أهمية عن توضيح المكاسب التي ستحققها طهران.
لقد حان وقت التصرف.
*المصادقون
هوارد بيرمان
الرئيس السابق لـ “لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي”
ميشيل فلورنوي
الوكيلة السابقة لوزارة الدفاع الأمريكية
للشؤون السياسية
جين هارمان
زميلة متميزة ورئيسة فخرية، “مركز وودرو ويلسون”؛
عضوة سابقة في “لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي”
ليون بانيتا
رئيس “معهد بانيتا للسياسة العامة”؛
وزير الدفاع الأمريكي السابق؛
المدير السابق لـ “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية
الجنرال ديفيد بتريوس (متقاعد)، الجيش الأمريكي
القائد السابق لـ “القيادة المركزية الأمريكية”؛
المدير السابق لـ “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية
دينس روس
مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز، معهد واشنطن
روبرت ساتلوف
هوارد پ. بركويتس رئيس كرسي هوارد ب. بيركويتز في معهد واشنطن والمدير التنفيذي للمعهد
يعكس هذا الإعلان وجهة النظر الجماعية للمصادقين عليه، المدرجين حسب الترتيب الأبجدي. وقد بادر بالإعلان وصاغه كل من السفير دينس روس والدكتور روبرت ساتلوف، بمساهمات من خبراء آخرين في معهد واشنطن. انتماءات المشاركين في هذا الإعلان هي لأغراض تحديد الهوية فقط ولا تعني المصادقة المؤسسية عليه.