كان لوجوه بارزة على صعيد المحور السياديّ أن خاضت استحقاق الانتخابات النيابية في 15 أيار المنصرم، من دون أن يُكتَب لها جسر العبور إلى الندوة البرلمانية: فارس سعَيْد في دائرة كسروان – جبيل، مصطفى علوش في دائرة طرابلس، وأعضاء لائحة “بيروت تواجه” بمفتاحها الأساسيّ خالد قباني في “بيروت الثانية” (باستثناء خرق واحد).
لم ينته مشوار هؤلاء عند المفترق الانتخابي. لا يلغي ذلك التوقّف برهة أمام محطة الانتخابات واستطلاع أسباب الخسارة… وبعد ذلك المضيّ في طريق استشراف المرحلة المقبلة.
يتنبّه سعَيْد سريعاً إلى المعاني التي عكسها دخول “حزب الله” إلى جبيل وكسروان، وحصوله على مقعد نيابيّ من شأنه أن يتحوّل دخولاً إلى الإرادة والإدارة السياسية في المنطقة. لم يكن ما حصل في جبيل بمثابة مسألة بسيطة، في رأيه، حيث ستظهر الانعكاسات مع تحوّل نائب “حزب الله” مرجعية خدماتية أساسية في المنطقة. سيواجه سعَيْد من خلال “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني”. وتشير المعطيات إلى أنّ “المجلس الوطني” سيعمل على إعادة تكوين الوحدة الداخلية، بعدما انحسر نشاطه في الأسابيع الماضية لاعتبارات عدم دخوله في المعركة الانتخابية. يستكمل سرديته السياسية بعد انتهاء الانتخابات، انطلاقاً من تبنّيه عناوين حاجة لبنان إلى أحزمة أمان في ظلّ التبدّلات التي تشهدها المنطقة، من خلال ضرورة اتّجاه المنتَخبين وغير المنتَخبين إلى التمسّك بوثيقة الوفاق الوطني ونهائية كيان لبنان وعروبته. ويطالب “المجلس الوطني” بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية 1559، 1680، 1701. ويقرأ في هذه العناوين مساراً للخروج من الأزمة الوطنية. ويدعو “المجلس الوطني” إلى استقالة رئيس الجمهورية.
ويقول سعَيْد لـ”النهار” إن “المسألة لا تقتصر على تصدٍّ جبيلي فحسب، بل العمل باتجاه تصدٍّ وطنيّ. لا يرتبط الموضوع بالحديث عن السلاح غير الشرعي؛ فإذا كان لديّ بارودة غير مرخّصة في المنزل، ذلك لا يشبه 150 ألفاً من صواريخ إيران المنتشرة على الأراضي اللبنانية بإمرة إيرانية. إنّه بمثابة احتلال موصوف بواسطة “حزب الله” للقرار الوطني اللبناني. ولا يكون التصدّي له بإعادة تكوين أحزاب شبيهة بـ”حزب الله” داخل كلّ طائفة، بل من خلال إعادة تكوين إطار سياسي وطني جامع يؤمن بنصوص مرجعية من اتفاق الطائف إلى الدستور اللبناني وتنفيذ قرارات الشرعية العربية والدولية. وإلّا الذهاب إلى صيغ تلفيقية. لست مؤمناً أنّ المجلس النيابيّ الجديد سيحدث تغييراً في الوضع اللبناني”. ويدعو كلّ القوى والأحزاب السيادية إلى “ترؤّس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، من خلال إطار وطني جامع يؤمن بشراكة وطنية وضرورة تطبيق الدستور والتمسّك بوثيقة الوفاق الوطني وقرارات الشرعية الدولية. وإذا لم يعتبروا أنّ المجلس الوطني بمثابة المكان المناسب، فليذهبوا إلى إطار سياسي واحد في هذا الاتّجاه للتوحّد حول النصوص المرجعية، ونحن جميعاً إلى جانبهم”.
خاض مصطفى علوش الانتخابات من دون أن تسعفه المعركة حتى على صعيد ظروف اللائحة التي شكّلها في دائرة “الشمال الثانية” (طرابلس، المنية، الضنية). يستمرّ في حضور اجتماعات “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني” المرتقبة. ويعتبره بمثابة إسهام صغير يمكن أن يتطوّر مع دور وطني واسع بدءاً من انطلاقته كحركة احتجاجية نخبوية. ولا يبحث علوش عن دور سياسي. ويستعدّ للانخراط في أيّ مسألة لها طعمها وفائدتها المرجوّة. ويشير لـ”النهار” إلى أنّ “المشكلة مع “حزب الله” لا علاقة لها بالأكثرية النيابية، لكن من المفيد خسارته أكثرية مجلس النواب لعدم نيله الأكثرية الدستورية”، معبّراً عن هواجس لجهة “التشرذم السياسي الحاصل في مجلس النواب والأجندات المتنوّعة، بما يؤكّد أنّ الأوضاع ليست ذاهبة باتجاه الاستقرار. ويبقى التعويل في أن تساهم الأسابيع المقبلة في بروز أطر سياسية جديدة في مرحلة ما بعد الانتخابات، في ظلّ متغيّرات على صعيد القوى السياسية الجديدة التي انتقل الدور اليها برلمانيّاً”.
من جهتها، انطلقت لائحة “بيروت تواجه” في دائرة “بيروت الثانية” من عناوين سيادية كبرى، لكنّ نتائج الانتخابات لم تأتِ لمصلحتها باستثناء خرق يتيم.
وتقرأ مصادر اللائحة لـ”النهار” في الأسباب التي أدّت إلى عدم القدرة على تحقيق نتائج انتخابية وازنة، انطلاقاً من قصر مدّة التحضير للاستحقاق التي استغرقت 45 يوماً فحسب، في وقت كانت غالبية من القوى التي شكلت اللوائح الأخرى على أهبّة استعداداتها قبل أشهر لخوض الانتخابات. وتمثل المعطى الطارئ الأبرز في كيفية مقاربة انسحاب الرئيس سعد الحريري واعتكافه في ظلّ مشاورات واسعة عقدها أعضاء اللائحة مع ثلاثين جمعية واتّحاد على صلة بدائرة “بيروت الثانية” لاستطلاع مقاربتهم حيال موضوع الانتخابات واتّخاذ القرار المناسب في هذا الصدد. وقد كانت “بيروت تواجه” اللائحة الأخيرة التي تسجّلت لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي، بعد كلّ المساعي التي قادتها لتوحيد أكثر من لائحة من دون أن ينجح مسعاها. ويعتزم أعضاء اللائحة استكمال تواصلهم في المرحلة المقبلة مع 18 ألفاً من الناخبين الذين اختاروا التصويت لها، على أن تبقى على تماس مع الناس بمعاني الالتزام واستشراف المرحلة. وتتداول في أفكار عدّة لناحية البحث في صيغ تشكيل كتلة نيابية تضمّ عدداً من النواب الذين دعمهم الرئيس فؤاد السنيورة ووصلوا إلى سدّة البرلمان شمالاً وبقاعاً، مع إشارة المواكبين إلى دور اللوائح التي دعمها في وصول عدد من النواب الجنوبيين. وتتركّز الأنظار على استكمال الأطر التنظيمية للعمل على بناء جسر تنسيقي بين عدد من النواب، في مرحلة ترتيب الشؤون النيابية والتموضعات البرلمانية.
النهار