تجربة السلطة الدينية في إيران على مرور العقود الأربعة الماضية أدخلت المذهب الشيعي في الانحطاط نتيجة أنّ رجال الدين الذين كانوا يُعتبرون رمزاً دينياً لمقارعة الظلم و السلطان في إيران تحوّلوا إلى رمز سلطان “ولي الفقيه” الذي يُعتبر ظل الله في الأرض و لديه الحق في أن تكون في حوزته جميع ما يملك الشيعة من مال، عرض و حتى مقدراتهم طبقاً لما يردده رجال السلطة الدينية من جملة شهيرة في إيران طيلة العقود الأربعة المنصرمة بأن الولي الفقيه” مالك جان، مال و ناموس شماست” أي أن الوال الفقيه” يملك حياة، ثروة وعرض الشيعي”!
تحت هذا الاستدلال يصدر رجال الدين الشيعة فتاواهم للحرس الثوري في نهاية الثمانينات عندما سُجنت الألاف من الفتيات العذراوات من مناصري منظمات مناوئة للنظام الإيراني بأن تتم عملية اغتصابهن قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقهن لانّ إعدام الفتاة العذراء لا يجوز طبقاً للمذهب الإثنى عشري.
الانحطاط الأخلاقي للسلطة الدينية في إيران جرّ وراءه المرجعية الشيعية للوحل، حيث تحول رجل الدين الشيعي من مجرد خطيب، فقيه (شابلين) يعظ الناس ويحذرهم من عذاب الله الى رجال أمن، مخابرات، تجار مخدرات، أسلحة وحتى تجار نخاسة في الأسواق الإيرانية!
فقد بات رجل الدين يباشر عمليات التعذيب في ردهات وزارة الأمن والمخابرات الايرانية التي تعرف بـ”اطلاعات”، وصار رجال الدين يمتلكون محاكم قضائية خاصة بهم يطلق عليها “دادگاه ویژه روحانيت”؛ أي المحاكم الخاصة برجال الدين. فيحق لرجال الدين الزنا بالمحصنات، القتل، التجارة بالممنوعات و كل ما يحلو لهم في حين لا يحق محاسبتهم في المحاكم المدنية لأن لديهم “حصانة إلهية” ويحاكمون خلف الأبواب في المحاكم الخاصة بهم، علادة على أنهم يُبرّأون في أكثر الحالات من التهم التي قد توجه لهم إلا إذا كان رجل دين خرج من سلك الولاية المطلقة للفقيه، ولا نقول جزافا إذا قلنا أنّ عدد هؤلاء لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في أكثر الحالات.
إنّ سقوط المرجعية الدينية الشيعية في الحضيض بات أكثر وضوحاً من قبل بعد أن ساهمت المرجعية الدينية في قمع المظاهرات للشباب الشيعي الذي خرج يطالب بإصلاح ما افسده موالون لنظام ولي الفقيه في إيران. حيث أمرت المرجعية الدينية الشيعية في قم وطهران، وأغمضت تلك المرجعية في النجف وكربلاء أعينها عما يجري من قتل و سفك لدماء الشباب الشيعي المنتفض على يد ميليشيات تابعة لفيلق القدس الإيراني وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري والتسليحي للمليشيات العراقية وميليشيا حزب الله في استخدام الرصاص الحي لقمع المظاهرات التي تجري الآن على قدم وساق في تلك البلدان. وحتى تلك التي انطلقت قبل سنوات و الأخيرة منها في إيران والتي استخدمت فيها الميليشيات الإيرانية التي تستند في قتلها للمحتجين بفتاوى شيعية الأسلحة الثقيلة. تلك الممارسات أوضحت للعيان بأنّ المرجعية الشيعية تمر في أسوأ أيامها منذ الصفوية و إلى يومنا هذا المنحدر الآيل بالسقوط يعتبر الاقسى على أتباع المرجعية الشيعية.
كانت المرجعية في تاريخها الطويل تتشدق بأنها هي التي نأت بنفسها عن دنس السلطة وأن ذلك يعود لأنها تنتظر “ظهور المهدي المنتظر”، وأنّ ترك السلطة في وحل السلطة الدنيا والإفساد يعجّل بظهور المهدي!
ولكن الآن، بعد أن أفسدت السلطة المرجعية و أتباعها، فهل ما زالت المرجعية تدعو بنفس الدعاء القائل “أللّهم عجل لوليك الظهور وفرج بظهور المهدي لكي يملأ الأرض عدلاً كما مُلأت ظلماً وجوراً”. أليس من ملأ الأرض ظلماً هم المعممون ورجال السلطة الدينية التابعة للمرجعية؟ فإذاً، كيف الخلاص من سلطة المرجعية الفاسدة؟
الإجابة هي بيد الشباب الشيعي المنتفض ضد هذه المرجعية ورجالها في العراق، إيران ولبنان.
*محمد حسن فلاحية سحين سياسي سابق في سجن “إيفين” بطهران، بدأ يكتب لـ”الشفاف” بعد خروجه من السجن في العام ٢٠٠٩.