بين “الهدوء الحذر” على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وهمروجة الانتصار “الحزب إلهية”، حقيقة ساطعة عكستها ساعات أربع شهدت “بروفة نزوح” من جنوب الليطاني على طرق ازدحمت بسيارات حملت العائلات الجنوبية الهاربة باتجاه المناطق اللبنانية “الآمنة” بعد سقوط القرار 1701 الذي لم يعد نافعاً لوقف العمليات الحربية.
المشهد لا يكذب، ويتناقض مع “العينة المجانية” الصالحة للاستخدام أكثر من مرة، ليصار إلى تضخيمها واستغلالها لغايات شعبوية تسمح بإمساك خيوط اللعبة تحركها الدويلة التي قزَّمت الدولة، وبأقل ضرر ممكن هذه الجولة، ولله الحمد.
على رغم المكابرة والاستلحاق بالزجل والدبكة وما الى ذلك من مظاهر فرح تتناقض وطقوس ذكرى عاشوراء، سقطت نغمة الصمود والاستخفاف والتهكم على إسرائيل وتوزيع الهريسة والحلويات في الضاحية الجنوبية لبيروت. فكل هذه “الترتيبات المدروسة” والمعدة بالتكافل والتضامن مع الاعلام المرئي اللبناني، لم تخفِ حالة الهلع التي انتابت أهالي منطقة جنوب الليطاني وحولت طرقها “one way”، ينظم شباب “الحزب” حركة السير عليها باتجاه معاكس للحدود التي يسودها الهدوء الحذر وتتأرجح فيها احتمالات الحرب .
خلال الساعات الأربع، مساء الأحد الماضي، تقوضت أضلع المعادلة الذهبية القائمة على وحدة “الجيش والشعب والمقاومة”، وانكشف زيف معدنها. الجيش غائب عن المشهد تماماً. ولا يلام بالطبع، لأن الدولة غابت قبله ونأت بنفسها عن أي قرار سيادي، لذا خاف الشعب، لا سيما ان قوات “اليونيفيل” انسحبت من المناطق التي تحولت مرمى للقصف الإسرائيلي الحارق للبساتين والأحراج.
أما “المقاومة”، فقد ضربت ضربتها وبدأت تروج لنجاح “العملية المحسومة” رافعة سقف توقعاتها بصيد ثمين يوجع العدو قبل الحصول على معلومات واضحة وصحيحة بشأن الإصابات. وإذا سجلنا هذا الاجتهاد في خانة الحرب النفسية والإعلامية المتزامنة مع الحرب العسكرية، لا بد من إعادة النظر بمصطلح “المقاومة” واستبداله بـ”جيش الدويلة”.
والأهم ان “الدولة” التي “قاومت وانتصرت” في تموز 2006 وصولاً الى القرار 1701 بمضامين انقلب عليها “حزب الله” وخوَّن بطله قبل صياح الديك، وانتصرت بإرسال الجيش اللبناني الى الجنوب الذي كان محرماً عليه بقرار من الوصاية السورية ومن خلفها الإيرانية، وانتصرت بجمع الأموال اللازمة لإعادة إعمار منازل الجنوبيين وأهالي الضاحية من هبات الدول العربية، لا وجود لها اليوم. فقد تم اغتيالها بالتدريج لمصلحة الدويلة.
اليوم، سقط القرار 1701 رسمياً من على جانبي الحدود. ولم تعد المعادلة كما كانت عليه في السابق، ولم يعد ممكناً تبرير التفجيرات الغامضة بقارورة غاز فقدت صلاحيتها. فالقرار الدولي هو من فقد صلاحياته وكشف الحدود لمرحلة استنزاف غير محمودة مفاعيلها، عبر تبادل الضربات المحدودة في المرحلة الراهنة، وفق مصلحة اللاعبين ومتطلبات الظروف الإقليمية للمرحلة، ما يطلق رصاصة الرحمة على أي احتمال بإنقاذ اقتصادي للدولة السائرة الى الانهيار مع توقعات بتصاعد العقوبات الأميركية.
sanaa.aljack@gmail.com
نداء الوطن