لا يحتاج المرء الى معلومات خاصة ليدرك حجم المخاطر التي تحيط بالمنطقة . فالانباء لا تتوقف عن متابعة فصول ما يجري في منطقة الخليج من حوادث الناقلات التي يفتعلها الحرس الثوري الايراني، وما تتركه من تداعيات على المستويين الاقليمي والدولي.لكن هذا الادراك يتسع أكثر، في ضوء ما ينقله زوار باريس من معلومات من مصادر وثيقة الصلة بما يجري من اتصالات ،لتجنيب الشرق الاوسط خطر حرب ،ليس على المدييّن المتوسط والطويل فحسب، وإنما على المدى القصير في الاسابيع المقبلة.فما هي هذه المعلومات؟
في البداية تشير هذه المصادر التي تحدثت اليها “النهار”،الى الانباءالمفاجئة حول وصول القوات الاميركية الى المملكة العربية السعودية بقرار من الملك سلمان بن عبد العزيز. ولفتت الى ان أهمية هذا الحدث ،لا تتصل فقط بحجم القوات التي ارسلتها واشنطن الى المملكة،وهو حجم مهم في حد ذاته،بل ترتبط بالظروف المحيطة به.وفي هذا الاطار ،تقول المصادر ان القراءة الغربية لهذا التطور المفاجئ ،تشير الى أحد إحتماليّن:إحتمال نشوب حرب وشيكة على خلفية التوتر الحالي في الخليج، أو إحتمال ان الولايات المتحدة الاميركية أكدت بهذه الخطوة ان مظلة الامان الاميركية صارت فعليا موجودة فيما يتصل بأمن المملكة.وفي سياق متصل ،تحدثت المصادر عن إنشاءات ضخمة تمت قبل وصول القوات الاميركية الى مواقعها الجديدة ، ما يجعل هذه المواقع فريدة من نوعها في المنطقة.
وبمعزل عن تمركز القوات الاميركية في السعودية ،تعيش دوائر القرار في العواصم الرئيسية في الاتحاد الاوروبي حركة ديبلوماسية محمومة ،تعبّر عن دقة الظروف التي يمرّ بها الشرق الاوسط.وأبدى زاور باريس إهتماما بما سمعوه من معلومات حول نشوب نزاع مسلح واسع النطاق ،على رغم الوساطة التي قام بها الرئيس القرنسي إيمانويل ماكرون مباشرة مع طهران من خلال موفده الشخصي إيمانويل بون.فكأن إستمرار القلق الاوروبي عموما، والفرنسي خصوصا، من خطر نشوب حرب في الشرق الاوسط، تعبير عن فشل الوساطات التي جرت حتى الان.
لا يجادل المراقبون في ان طهران، تمسك الان بزمام المبادرة في تصعيد التوتر في منطقة الخليج ،ردا على إشتداد تاثير العقوبات الاميركية.وبدا واضحا ان الحرس الثوري الايراني ، يتصدّر المشهد العسكري في تطورات الخليج ،بعيدا عن السلطة السياسية التي يمثلها الرئيس حسن روحاني .ومن اوضح الامثلة على تفرّد الحرس الثوري ، التي تعود إمرته الى المرشد الايراني علي خامنئي ،بإدارة دفة التطورات من الجانب الايراني حاليا، هو العتب الذي أبداه وزير الخارجية الايراني جيريمي هانت على نظيره الايراني محمد ظريف الذي قال طهران لن تسعى الى ما يشعل الحرب ،قبل ان يقدم الحرس الثوري على إحتجاز ناقلة النفط التي ترفع العلم البريطاني “ستينا إيمبيرو”. أما السبب الذي يدفع المرشد بصفته قائدا للحرس الى تهميش سلطة روحاني المنتخبة ، فيعود في رأي المراقبين الى الاضرار اللاحقة بالمصالح الضخمة التي تعود الى الحرس الثوري المدرج مباشرة على لائحة العقوبات الاميركية.
بالعودة الى معلومات زوار باريس ، ففيها خشية من إندلاع نزاع واسع النطاق يمتد الى خارج منطقة الخليج تصل الى سوريا ولبنان.وتحدثت هذه المعلومات عن تعزيزات إيرانية عبر أذرعها ،من بينها “حزب الله” ،على إمتداد الحدود من درعا بسوريا الى جنوب لبنان ، خلافا لما جرى الاعلان قبل أسابيع عن إنهاء الوجود العسكري الايراني المباشر وغير المباشر على هذا الخط الذي لا يقع حاليا مباشرة على خط التماس مع إسرائيل.
وتضيف هذه المعلومات ، إن هناك تكهنات حول مبادرة إسرائيل الى تصعيد النزاع ،إنطلاقا من حسابات داخلية على خلفية الانتخابات العامة المقررة في إيلول المقبل. وتتأرجح التكهنات بين قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشنّ حرب على الوجود الايراني وأذرعه في سوريا ولبنان قبل هذه الانتخابات، أي في غضون أسابيع قليلة ، لتعزيز اوراقه ، او تأجيل هذه الحرب الى ما بعد الانتخابات إذا ما ضمن الفوز فيها. لكن هذه المعلومات تشدد على ان حربا تشنّها إسرائيل ، تتطلب مساهمة واشنطن فيها ، والتي لا تبدو حتى الان مؤكدة.
وفي سياق متصل بحرب تشنّها إسرائيل، ذكرت معلومات ان الغارة المجهولة المصدر حتى الان ،التي تعرّض لها معسكر تابع ل”الحشد الشعبي” ، الميليشيا العراقية التابعة لإيران ،في محافظة صلاح الدين ، قد نفّذتها إسرائيل؟
ماذا عن لبنان؟يجيب زوار باريس بالقول ، ان العاصمة الفرنسية التي تبدي حرصا تقليديا على هذا البلد، تبدي أشد القلق هذه الايام من إنزلاق لبنان الى الحرب الاقليمية التي ستكون من نتائجها المؤكدة دمار شامل له ، يصعب الان التكهن بتأثيرها على المستقبل اللبناني ، فيما حاضر هذا البلد ، يعاني صعوبات جمّة على المستوى الاقتصادي.
هل هناك من آذان رسمية تلتقط هذه التحذيرات فتسعى للعمل على تفادي وقوعها؟ الجواب المنتظر قد يأتي او لا يأتي ،في بلد يقع في مهب عواصف المنطقة!
ahmad.ayash@annahar.com.lb