ما لا يعرفه كثيرون أن هناك أيضاً مسيحيّين أكراداً (بالكردية: کوردە مە سیحیە کان)
العراق كلّه مشغول بزيارة البابا فرنسيس التي أعلن الحبر الأعظم في رسالة وجّهها إلى العراقيين أنّها بمثابة “حج”، إذ قال: “آتيكم حاجاً تائباً لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب”. وحول دلالات هذه الزيارة التاريخية، قال مسؤول كردي كبير يعمل في مكتب رئيس إقليم كردستان لـ”نداء الوطن”: “زيارة البابا فرنسيس تُسدل الستارة الختامية على مسرحية ما سُمي بـ”الدولة الإسلامية” ومحاولتها الفاشلة لإعادتنا 1400 عام إلى الوراء، في وقت كانت أربيل تُحاول أخذ مكانتها بين المدن التي تُشكّل قبلة للمستثمرين، وتنشر رسالة التعايش والمحبة والسلام”.
وأضاف المسؤول الكردي: “زيارة البابا هي تأكيد على التعايش، فعندما يقول الحبر الأعظم إنّه أتى إلى العراق حاجاً، فذلك كون الأديان السماوية تعدّ العراق أرضاً مقدّسة شهدت عبور عدد من الأنبياء، أبرزهم النبي إبراهيم”.
بدوره، قال سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني كاوا محمود لـ”نداء الوطن”: “يعيش نحو ربع مليون مسيحي في أنحاء العراق كافة. 80 إلى 85 في المئة منهم يعيشون في كردستان العراق وفي محافظة نينوى، التي تقع فيها أيضاً الموصل. أمّا في الأجزاء الأخرى من العراق فيعيش من 40 إلى 50 ألف مسيحي”.
واعتبر محمود أن “المسيحيين هم السكان الأصليون للعراق، حيث يعيشون منذ 2000 سنة كمسيحيين وقبلها كآشوريين، قبل أن يأتي العرب والإسلام بفترة طويلة. واليوم، ما زال وجودهم مهمّاً رغم أنّهم أقلية، فهم السكان الأصليون في البلاد”.
ما لا يعرفه كثيرون أن هناك أيضاً مسيحيّين أكراداً (بالكردية: کوردە مە سیحیە کان)، وهم الأشخاص الذين ينتمون إلى الشعب الكردي ويتّبعون الديانة المسيحية. إجمالي أعداد المسيحيين الأكراد غير مؤكد، لكن تُشير بعض المصادر إلى أن العدد ربّما يصل إلى عشرات الآلاف. وعلى الرغم من أن غالبية الأكراد تبنّوا الإسلام على أثر الفتوحات الإسلامية في العصور الوسطى، إلّا أن هناك أكراداً تحوّلوا إلى المسيحية حتّى بعد انتشار الإسلام. وفي السنوات الأخيرة، تحوّل بعض الأكراد من خلفيات إسلامية إلى المسيحية رفضاً لممارسات “داعش”، وتأكيداً على فكرة التعايش والمساواة.
وبخصوص هواجس مسيحيي العراق اليوم، قال أحد مستشاري رئيس إقليم كردستان لـ”نداء الوطن”: “يعيش غالبية مسيحيي العراق في إقليم كردستان في شمال البلاد. والخلاف بين أربيل وبغداد يُثير قلقهم، ما جعلهم يحزمون حقائبهم استعداداً للقادم”، لافتاً إلى أن المسيحيين “كأقلية مسالمة سيشعرون بأنّهم في وطنهم عندما يشعرون بالأمان. ولذلك نحن ندعو بغداد للإستماع إلى صوت الحكمة، والجلوس حول طاولة الحوار وإيجاد الحلّ للمواقف المختلفة. وهذا سيُعيد ترميم ثقة جميع العراقيين بدولتهم”.
وأضاف في هذا السياق: “المسألة الثانية التي تُعيد ثقة المسيحيين بالبلد، هي أن الكثير من المسيحيين يعيشون في سهل نينوى، الذي هو جزء من المنطقة المتنازع حولها بين أربيل وبغداد. نحن نتمنّى أن يتمّ هنا تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، التي تنصّ على أن الناس في المناطق المتنازع عليها هم من يُحدّدون جهة انتمائهم في إطار استفتاء شعبي. وبعدها سيعرف الناس إلى أي جهة ينتمون وتحت أي مظلّة دستورية وإدارية سيعيشون”.
وتابع المسؤول الكردي: “تحت تنظيم “داعش” لم يتمّ فقط تدمير البنى التحتية، بل حتّى تعايش الأقليات دُمّر، والثقة المتبادلة أيضاً. نحن نحتاج بسرعة إلى مخطّط طويل الأمد لإعادة بناء كلّ شيء مادي والعودة مجدّداً إلى هذا التعايش السلمي بين الجميع”، موضحاً أن “هذا يحتاج إلى مقاربة متعدّدة الجوانب من خلال وسائل الإعلام ومراجعة القوانين والدستور، وكذلك تعديل مخطّطات التدريس”.
وحول دلالة زيارة البابا إلى النجف، اعتبر المسؤول الكردي أنّها “تُشكّل إعترافاً متبادلاً في ما بين التيارات المنفتحة، وهو إعتراف بمكانة النجف، وتُشبه الزيارة بمضمونها زيارة البابا إلى أبو ظبي، فكان يجب إكمال دائرة التفاهم مع المسلمين عبر إشراك التيار الشيعي المعتدل المتمثل بالنجف وليس إيران”.
وفي شأن أهمّ إجراء يجب اتخاذه الآن، قال مطران مسيحي طلب عدم نشر إسمه لحساسية المواضيع المتعلّقة بوجود الأقليات في العراق لـ”نداء الوطن”: “نحن نحتاج إلى اعتراف واضح من أربيل وبغداد بأنّ المناطق التي تقطنها أقليات وطنية، مثل المسيحيين والإزيديين، لن تكون هدفاً لعمليات عسكرية. وعوض ذلك، يجب بذل جهود مشتركة من أربيل وبغداد لإعادة إعمار هذه المناطق”.
وردّاً على سؤال حول نوع المساعدة التي يُمكن للخارج أو أوروبا تقديمها، أجاب المطران: “نوع من مشروع مارشال في صيغة مصغّرة لإعادة إعمار المناطق المدمّرة. نحن المسيحيّين وكذلك الإيزيديين، قلقون جدّاً لأنّه يتمّ تجاوزنا في إعادة البناء. نحن نخشى أن تُصرف، لأسباب سياسية، المخصّصات لإعادة البناء في المناطق السنية بالأساس، وتبقى مناطقنا بلا إعمار”.
massoud.mohamad@gmail.com
نداء الوطن